أ- تأثير الثقافة
المحاضرة الثالثة
أ- تأثير الثقافة الدينية في وجدان بعض شعراء العصر الأموي:
لقد نزح كثير من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى العراق والشام وألتف حولهم جمهور كبير من أهل العراق وأهل الشام يسمعون منهم فقه الدين ويأخذون عنهم أحكامه ، واتسعت موجة الزهد إقتداءً بالصحابة والتابعين .
وكان من بين هذا الجمهور عدد من شعراء العراق فتأثر عدد منهم بتيار الزهد وكان لهذا التأثير صداه في أشعارهم ، ونلمح هذا التأثر في شعر كل من الفرزدق وجرير وذي الرُّمة وغيرهم.
فنلحظ المعاني الدينية في قول الفرزدق الذي عُرف بالتجهم ،يقول مخاطباُ إبليس:
أطعتك يا إبليس سبعين حجة فلما انتهى شيبي وتم تمامي
فررت إلى ربي وأيقنت أنني ملاق لأيام المنون حِمامي
ويقول عروة بن أُذينة مؤكداً على أن رزقه مقدر ومكتوب وهو على ثقة بذلك:
خيمي كريم ونفسي لا تحدثني ِ أن الإله بلا رزق يخليني
وكان الشعراء في عصر بني أمية يصبغون شعرهم بكل ما يدور في بيئات الفقهاء ومجالسهم وأصحاب الكلام ، بل من الشعراء من كان يشترك في المناقشات الدائرة في هذه البيئات .
من ذلك ما جاء في كتاب الأغاني :“ أن رجلاً سأل الحسن البصري يوماً وعنده الفرزدق عن اليمين اللَّغْو في الكلام من مثل لا والله ، فقال الفرزدق له: أو ما سمعتَ ما قلتُ في ذلك ؟ ...قلتُ:
ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد عاقدات العزائم
فالذي أجاب الفرزدق بالشعر.
كما ظهر لنا ما يسمى بالشعر الديني ، الذي يتحدث عن الوعظ والتنسك والانصراف عن متاع الدنيا.
ب- تأثير الحركة العقلية والفكرية والثقافية في توجيه بعض النتاج الشعري لهذا العصر:
لم تلبث الحركة الفكرية والثقافية أن اتخذت مساراً أميل إلى الفكر العقلي والفلسفي ، القائم على البحث والنظر والحوار والجدل
والمناظرة وتمثل هذا في المذاهب الكلامية التي عُرفت في ذاك العصر فتأثر الشعراء بهذا وانعكس ذلك على شعرهم ألفاظاً
و أساليباً وأخيلةً، ...
وقد انسابت هذه المجادلات والمناظرات في شعر الشعراء ، فكثر شعراء الفرق ، واحتدم الحِجاج والحوار بين هؤلاء الشعراء جميعاً .
وكان أيضاً من نتاج هذه الحركة العقلية في العصر الأموي ، أننا نجد الشعراء يتخصصون في موضوعات بعينها ، لا يعْدونها إلى غيرها ، فعمر بن أبي ربيعة يذهب شعره في الغزل ، وذو الرُّمة يذهب معظم شعره في وصف الصحراء ، ويرتقي الفرزدق وجرير بفن الهجاء.
ج- سوق المربد وأثره الأدبي :
المربد هو في اللغة هو كل شيء حبست فيه الإبل والغنم وبه سمي مربد البصرة.
علا شأن المربد في العصر الأموي لأن الفتوحات قد هدأت والبلاد قد استقرت في أيديهم ، وأصبح مقصد العرب قاطبة يقصده من ابتغى الغنى وخاصة البصرة.
كان المربد في العصر الأموي يزخر بالشعر والشعراء يتهاجون ويتفاخرون،فكل شاعر يعلي من شأن قبيلته ويضع من شأن خصومها ويرد على الشعراء ويحط من من مذاهبهم السياسية.
لذلك خلَّف لنا المربد أعظم شعر من هذا النوع ، فكثير من نقائض جرير والفرزدق والأخطل كانت أثراً من آثار المربد ، قيلت فيه وصورت ما كان بينهم من منافرات وخصومة .
فلا يخفى ما كان للمربد من آثار كبيرة في الأدب في العصر الأموي . وقد بقي حتى العصر العباسي يؤدي الغرض الأدبي والغرض الاقتصادي .
د-الموالي وأثرهم في خدمة الثقافة والأدب :
كان لبعد الموالي عن سياسة الدولة وشؤونها العامة بإقصاء الأمويين لهم ، كما كان لانحدارهم من عناصر متحضرة أخذت بقسطٍ من الثقافة والمدنية والمعرفة أثر كبير في تفوقهم في ميدان العلم والأدب ، فجلسوا
في مجالس الصحابة يدرسون القرآن وعلومه والحديث ورواياته ، كما جلسوا في مجالس الأدباء والشعراء و الرواة يثقفون أنفسهم بالشعر ويتأدبون بروايته وبنظمه أحياناً وكان من الموالي من يقرض الشعر مثل: إسماعيل بن يسار وأخيه موسى وبشار بن برد وغيرهم .
فالموالي شاركوا في الحياة العربية لهذا العصر مشاركة قوية ، إذ كانوا يُعدُّون فعلاً عرباً ، وقد أخذوا ينهضون بالأدب العربي على أنه أدبهم ، فهجروا آدابهم المختلفة من فارسية وغير فارسية ، وقد أخذوا يعبرون عن عواطفهم ومشاعرهم بلغة القرآن الكريم.
هـ-آثار اتصال الثقافات الأجنبية بالثقافة العربية في العصر الأموي:
أخذت الثقافة العربية بموادها المختلفة من علوم دين وعلوم أدب تختلط بالثقافات الوافدة وأخذ الأدب يستفيد من هذه الثقافات والآداب كلها على أيدي الموالي الفرس مما ظهر جلياً في آخر العصر الأموي ، فعلى سبيل المثال كان التقاء الأدب العربي بالأدب الفارسي حدثاً كبيراً حيث بدأ الموالي والأعاجم عملية مزج كبيرة بين الأخيلة الشعرية والحكم و القصص في الأدبين العربي والفارسي.
و- أثر المجالس الأدبية في الأدب الأموي:
تعددت المجالس الأدبية في ذلك العصر وكثرت حلقاتها وقد كان للخلفاء والأمراء عناية بالغة واهتمام عظيم بالأدب واللغة
ولما أدرك الشعراء أن الخلفاء والأمراء يمنحون جيد الشعر ومتخير القصائد منزلة عالية ، ويثيبون عليه مثوبة طائلة وأنهم يتجهون إلى مواطن العيب فيه ، حرصوا أشد الحرص على التجويد والتهذيب في قصائدهم.
وهذه العناية البالغة من جانب الخلفاء أحيت أشعار العرب القديمة ما أوشك الناس أن ينسوه ، إذ كان الراوية يحظى من عطايا الحكام بمثل ما حظي به الشعراء .
ز- العامل الاقتصادي
فالعامل الاقتصادي كان له أثره في حياة الشعراء في العصر الأموي فهذا الشاعر يقول في رثاء المهلَّب قائد الجيوش في خراسان :
ألا ذهب الغزو المقرِّب للغنى ومات الجود والندى بعد المهلب
أسئلة على المحاضرة الثالثة
س1/ من قائل هذا البيت :
أطعتك يا إبليس سبعين حجة فلما انتهى شيبي وتم تمامي
فررت إلى ربي وأيقنت أنني ملاق لأيام المنون حِمامي
أ- جرير
ب- الأخطل
ت- عروة بن أذينة
ث- الفرزدق
س2/ تأثر الشعراء بالحركة الفكرية والعقلية والثقافية فأثر فانعكس على :
أ- ألفاظهم
ب- أساليبهم
ت- أخيلتهم
ث- جميعهم صحيح
س3/ سوقًا أدبيًا في البصرة يرتاده كل من يقصد الغنى والأدب :
أ- عكاظ
ب- الطائف
ت- المربد
ث- المدينة
س4/كان للموالي أثر كبير في حركة الأدب بسبب :
أ- إقصائهم من السياسة
ب- انحدارهم من عناصر متحضرة
ت- أ و ب
ث- لا شيء مما ذكر
س5 / من شعراء الموالي :
أ- ذو الرمة
ب- أبو دلامة
ت- بشار بن برد
ث- عمر بن ربيعة