عاشق من فلسطين لمحمود درويش ديوان البراءة الشعرية والنقاء الوط
" عاشق من فلسطين " لمحمود درويش ديوان البراءة الشعرية والنقاء الوطني |
![]() |
![]() |
![]() |
أن أعود إلى الوراء كثيراً وعلى وجه التحديد إلى عام 1966 م لأكتب عن ديوان " عاشق من فلسطين " للشاعر الكبير محمود درويش وهو الديوان الثاني له بعد " أوراق الزيتون " أمر يدعو إلى التساؤل لأن هذا الديوان يعتبر من بواكير شعر محمود التي تبرأ منها بعد وعلى أحسن تقدير فإنه اعتبرها على هامش مشروعه الشعري الذي تطور كثيراً فيما بعد ، لأن محمود خاض تجارب فنية واختبارات مرهقة حتى وصل إلى ما وصل إليه من نجومية وعالمية حتى آخر قصيدة كتبها في مشفاه قبل رحيله بساعات وهي / لاعب النرد /
ومحمود نفسه يقول " لم أعد أعبر عن اللحظة السياسية الفلسطينية بل عن إنسانية الفلسطينيين وانتقلت بالتالي من النمط إلى الإنسان أي أنني أطرد من صياغتي الخطاب السياسي البطولي وأتعمق في " تراجيديا " الشرط الفلسطيني وفي جمالية هذه التراجيديا" وماذا يعني هذا الكلام إلا أن شاعرنا الكبير لم يعد يعنى بمفردات الحياة الفلسطينية ، وخصوصية الكفاح الفلسطيني؟ وبكلمة موجزة لم يعد الناطق الشعري باسم فلسطين النازفة ، كما كان في دواوينه الأولى بل أضاف " إنني على استعداد لأن أفقد نصف جمهوري لأنني أخوض تجربة ابداع عالمية "
عيونك شوكة في القلب هذه فلسطين الشاعر عندما يغرس شوكها في القلب عندما كان ملتصقاً بترابها ، متضرجاً بعبير ليمونها !
" أحب البرتقال وأكره الميناء هذه الأغنية الخضراء هي أغنية التشبث بالأرض أغنية البرتقال والزيتون الضارب في أعماق التربة !
" سأكتب جملة أغلى من الشهداء والقبل ثم يتابع هذا العزف الشجيّ على قيثارته الفلسطينية مؤكداً هوية فلسطين بكلمات يفوح منها الإصرار :
فلسطينية العينين والوشم
ولا يلام الشاعر في تكرار كلمة " فلسطين " في شعره ، أو تكرار كلمات بعينها ، لأنه يقاوم محاولات شرسة من عدو حاقد لطمس هويته . وتهميش تاريخه على هذه الأرض ، وتغيير معالم كل شيء في وطنه ، الساحات ، الشوارع ، اسماء القرى حتى أسماء الناس...
" يا شامخين على الحراب
كان هذا الوضوح الشعري عند محمود درويش قبل أن يدخل في اللعبة الشعرية الجديدة وتفتنه الحداثة التجريدية وتستنزف طاقته في تكسير الأبنية واختراق انظمتها وقبل أن يؤمن بأن " الإبهام " ملمح لازم للشعر ، ويتوغل في الدراما الشعرية التي اختارها منهجاً للتعبير.. "
" يا أمي جاوزت العشرين
كأني وأنا أقرأ هذا الشعر الصافي لمحمود أستحضر صورة ذلك الشاب الفلسطيني حتى النخاع ثقافة وهماً وانتماء ولغة أيضاً قبل أن تقتحم تجربته الفنية أفكار ورؤى وقناعات وتأثيرات ابتعدت به كثيراً عن هذا المناخ أو عن البئر الأولى إن صح التعبير .
" أحن إلى خبز أمي ..
هذا الجمال هو سر الموهبة الفطرية لقد عثر محمود على كنوز الشعر في طين فلسطين وصاغ من قسوة البؤس والحرمان والاضطهاد جماليات شعره وآلية دفاعه الشعري " عن الحياة التي أفسدها المغتصب بأنفاسه النتنة وظله الثقيل ..
وأنسى في طفولتها عذاب طفولتي الدامي وما أصدق ما قاله في قصيدة " شهيد الأغنية " التي تصور تجربة السجن التي عاناها!! ... وكيف برزت فيها نبرة التحدي لعدوٍّ لثيم :
" يا أنت قال نباح وحش
وكلمة الصلب والصليب وخشب الصليب وإكليل الشوك
" من آخر الشعر طارت كف أشعاري
في خطوات القصيدة يتعرف المعنى على إيقاعه ، وخيال محمود درويش المحلق في أكثر نصوصه هو القوة التي بوساطتها تستطيع صورة معينة أو إحساس واحد أن يهيمن على عدة صور أو أحاسيس، وإحساس الشاعر هنا هو الشعور بالظلم والقهر هذا الإحساس هو الذي فجر شظايا القصيدة والتماعاتها كما يسعى الشاعر بشكل واضح إلى الابتعاد عن المألوف من الصور والعبارات وقد حقق في هذا الديوان المبكر الكثير من النجاح ولا أدل على ذلك من قوله " في حجم مجدكم نعلي " .
" تغير عنوان بيتي ، وموعد أكلي
فإنها لا تصدر إلا عن شاعر مرهف الإحساس عانى وراء القضبان ما عانى ! فالمعاني التي ولدتها الصياغات البسيطة الدارجة هي معان خاصة بالسجن ولا يدرك قيمتها وأبعادها .. وظلالها ... إلا السجناء !
" ناري وخمس زنابق في المزهرية هذا الاستخدام لرمز / الزنابق الشمعية / يعني جمود الحياة تحت ظل الاحتلال " كما لا تخفى السخرية من الموروث الذي يرضى بالواقع ويقول إن كل شيء مقدر ومقسوم!!
" لنقل مع الأجداد خير ثم يوضح الشاعر موقفه الرافض في المقطع الذي يليه إذ يقول :
يا نوح هبني غضن زيتونٍ ووالدتي حمامة
هكذا كان محمود درويش في أعماله الأولى واضح الانتماء لفلسطين ، شديد التعلق بها، يستخدم أسلوباً سهل الهضم ، ولكنه بالغ التأثير الشعبي ولهذا فقد لقيت هذه القصائد رواجاً كبيراً . |