أثر الشعر العربي ف
أثر الشعر العربي في الأدب التركي
المصدر: مجلة الأدب الإسلامي، المجلد التاسع، العدد السادس والثلاثون، 1424هـ، 2003م. تُنشَر باتفاق خاص مع المجلة.




ولم يَعزُب عن بال العلماء والأدباء من الترك هذا التنوعُ في خلفيتهم الثقافية التراثية، فنهلوا من مواردها المختلفة، وأخذ شُدَاةُ الأدب منهم في إرساء ثقافتهم على هذا التراث الإسلامي. ولم يخفَ عليهم أن هذا التراثَ - في أعماقه وأبعاده - بلغة (الضاد) التي جمعت هذا التراث، وهي لغة القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشرع الحكيم؛ فرأوا من أوجب الواجب أن يُحيطوا علماً بالعربية؛ كيما يفهَموا آيات الذكر الحكيم، وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحكام الشرع.
وهنا وقفةٌ لابد منها؛ لنظرة تأمُّل فيها: هي أن الأدبَ التركي القديم انبثق في الوجود أدباً دينياً محضاً؛ نثره وشعره، وحسبُنا قولنا: إن بواكيرَ النثر التركي إنما كانت شرحاً وتفسيراً لقِصار سور القرآن المجيد، كما أن الشعرَ التركي القديم جرى أولَ ما جرى على ألسنة الوعَّاظ، الذين جمعوا حولهم المريدين؛ ليسمعوا منهم ويأخذوا عنهم، وهذا قاطعُ الدلالة على أن الدينَ الحنيف في لغته - وهي لغة القرآن - كان ذلك الأساسَ الرصين الذي أرسى عليه الأتراك العثمانيون ثقافتَهم الإسلامية، العريقة في إسلاميتها.
كما أن هذا الأدبَ التركي الذي نشأ في الأناضول إنما تأثَّر واستمدَّ كيانه - أو كاد - من الأدب الفارسي عموماً، والشعر الفارسي خصوصاً.
وعليه؛ كانت اللغة العربية في نظر الترك لغة من الأهمية بمكانة، وحسبها أنها لغةُ الدين والأدب في وقت معاً. ولكن لابد من التحفُّظ لنقول: إن من كان يحذق العربية من علماء وأدباء الترك إنما كان قلة ضئيلة؛ لذلك التغاير بين العربية والتركية، مما جعل العلم بها أمراً ليس على التركي بيسير.
وهنا نُفسح المجال لشاعر تركي هو (نابي) المتوفى عام 1712م، لنصغيَ إليه متحدثاً في هذا الصدد؛ فهو القائل ما ترجمته:
هذه الأبيات من شعر هذا الشاعر - الذي وجَّه فيها الخطاب إلى ولده؛ ينصحه ويعلِّمه - واضحة الدلالة على منزلة العربية لدى القوم آنئذ، كما أنها تُرشد إلى أهمية تعلمها، والنظر فيما تحوي من علوم وفنون.
أما أشهر من نظم شعراً بالعربية من الترك: فشاعرٌ من أهل القرن السادس عشر، سكن بغداد في عهد السلطان سليمان القانوني؛ فنُسب إليها، وعُرف بـ (فضولي البغدادي)، وهو في رأينا (أمير الشعر التركي القديم)، وكان ينظم وينثر بالتركية والفارسية والعربية.
ويقول مؤلفٌ تركيٌّ قديمٌ؛ يسمى (صادقي)، في كتاب له بعنوان "كُنْهُ الأخبار"، وقد جمع فيه تراجمَ الشعراء الترك: إن لـ (فضولي) ديواناً بالعربية، يتألَّف من غزليات وقصائد، ولقد اطَّلع على قرابة ثلاثين ألف بيت كتبها (فضولي) بخطه.
ونحن نقع على أبيات متفرقة من الشعر العربي في دواوين وكتب له، وهو يتأسى بشعراء الترك والفرس الذين يوردون البيت والبيتين في كلامهم؛ لتأييد الغاية التي يسعون إلى بلوغها، واستخلاص المعنى من كلامهم، وهذا مثالٌ من شعر (فضولي) العربي:
نُسَبِّحُ مَنْ أَهْدى النُّفُوسَ إِلى المُنى وَقَدَّرَ أَشْكالَ الأُمُورِ وَحَلَّها نُقَدِّسُ مَنْ لَوْلا إِعانَةُ فَضْلِهِ لَما عَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّها |
أُثْنِي عَلى خَيْرِ الأَنامِ مُحمَّدٍ كَشَفَ الدُّجَى بِضِياءِ بَدْرِ جَمالِهِ بِثَنائِه رُفِعَتْ مَدارِجُ قَدْرِنا خُصَّتْ تَحِيَّتُه عَلَيْهِ وَآلِهِ |
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Literature_Language/0/876/#ixzz2Tr8Qly6p