إطلالة على الحداثة
إطلالة على الحداثة (2)
بقلم أ. محمد بن سالم الفيفي
================================
تطور الحداثة في الغرب وفي البلاد العربية:
إن حركة الحداثة الأوروبية بدأت قبل قرن من الزمن في باريس بظهور الحركة البوهيمية فيها بين الفنانين في الأحياء الفقيرة.
ونتيجة للمؤثرات الفكرية، والصراع السياسي والمذهبي والاجتماعي شهدت نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في أوروبا اضمحلال العلاقات بين الطبقات، ووجود فوضى حضارية انعكست آثارها على النصوص الأدبية.
وقد تبنت الحداثة كثير من الطبقات، وبلغت التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أوروبا ذروتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وبقيت باريس مركز تيار الحداثة الذي يمثل الفوضى الأدبية.
وقد تبنت الحداثة كثير من المعتقدات والمذاهب الفلسفية والأدبية والنفسية أهمها:
1- الدادائية: وهي دعوة ظهرت عام 1916م، غالت في الشعور الفردي ومهاجمة المعتقدات، وطالبت بالعودة للبدائية والفوضى الفنية الاجتماعية.
2- السريالية: واعتمادها على التنويم المغناطيسي والأحلام الفرويدية، بحجة أن هذا هو الوعي الثوري للذات، ولهذا ترفض التحليل المنطقي، وتعتمد بدلاً عنه الهوس والعاطفة.
3- الرمزية: وما تتضمنه من ابتعاد عن الواقع والسباحة في عالم الخيال والأوهام، فضلاً عن التحرر من الأوزان الشعرية، واستخدام التعبيرات الغامضة والألفاظ الموحية برأي روادها، وقد واجهت الحداثة معارضة شديدة في جميع أنحاء أوروبا، ثم ظهرت مجلة شعر التي رأس تحريرها في لبنان "يوسف الخال" عام 1957م تمهيداً لظهور حركة الحداثة بصفتها حركة فكرية، لخدمة التغريب، وصرف العرب عن عقيدتهم ولغتهم الفصحى لغة القرآن الكريم.
وبدأت تجربتها خلف ستار تحديث الأدب، فاستخدمت مصطلح الحداثة عن طريق ترجمة شعر رواد الحداثة الغربيين أمثال: "بودلير" و"رامبو" و"مالا رامية"، وبدأ رئيس تحريرها - أي مجلة شعر – بكشف ما تروج له الحداثة الغربية حين دعا إلى تطوير الإيقاع الشعري، وقال بأنه ليس للأوزان التقليدية أي قداسة ويجب أن يعتمد في القصيدة على وحدة التجربة والجو العاطفي العام لا على التتابع العقلي والتسلسل المنطقي؛ كما أنه قرر في مجلته أن الحداثة موقف حديث في الله والإنسان والوجود.
كان لــ "علي أحمد" دور مرسوم في حركة الحداثة وتمكينها على أساس:
ما دعاه من الثبات والتحول فقال: "لا يمكن أن تنهض الحياة العربية ويبدع الإنسان العربي إذا لم تتهدم البنية التقليدية السائدة في الفكر العربي، والتخلص من المبنى الديني التقليدي (الإتباع)".
استخدم "علي أحمد" المعروف بأدونيس مصطلح الحداثة الصريح ابتداءً من نهاية السبعينات عندما: صدمته الحداثة عام 1978م وفيه لا يعترف بالتحول إلا من خلال الحركات الثورية السياسية والمذهبية، وكل ما من شأنه أن يكون تمرد على النظام والدين وتجاوز للشريعة.
لقد أسقط "أدونيس" مفهوم الحداثة على الشعر الجاهلي وشعراء الصعاليك وشعر "عمر بن أبي ربيعة"، و"أبي نواس" و"بشار بن برد" و"ديك الجن الحمصي"،كما أسقط مصطلح الحداثة على المواقف الإلحادية لدى "ابن الرواندي" وعلى الحركات الشعوبية والباطنية والإلحادية المعادية للإسلام أمثال: ثورة الزنج والقرامطة .
ويعترف "أدونيس" بنقل الحداثة الغربية حيث يقول في كتابه (الثابت والمتحول): "لا نقدر أن نفصل بين الحداثة العربية والحداثة في العالم".
غزو الحداثة للعالم العربي والإسلامي:
تسللت الحداثة الغربية إلى أدبنا ولغتنا العربية وفكرنا ومعتقداتنا وأخلاقياتنا كما تتسلل الأفعى الناعمة الملمس لتقتنص فريستها، لا تشعر الفريسة بها إلا وهي جثة هامدة تزدردها رويداً رويداً، هكذا كان تسلل الحداثة إلى عقول معتنقيها وروادها وسدنتها من الأدباء والنقاد والمفكرين على امتداد الوطن العربي، وهي كغيرها من المذاهب الفكرية، والتيارات الأدبية التي سبقتها إلى البيئة العربية كالبرناسة، والواقعية، والرمزية، والرومانسية، والوجودية، وجدت لها في فكرنا وأدبنا العربي تربة خصبة، سرعان ما نمت وترعرعت على أيدي روادها العرب، أمثال "غالي شكري"، وكاهنها الأول والمنظر لها "على أحمد سعيد" المعروف "بأدونيس"، وزوجته "خالدة سعيد" من سوريا، و"عبد الله العروي" من المغرب، و"كمال أبو ديب" من فلسطين، و"صلاح فضل"، و"صلاح عبد الصبور" من مصر، و"عبد الوهاب البياتي" من العراق، و"عبد العزيز المقالح" من اليمن، و"حسين مروة" من لبنان، و"محمود درويش"، و"سميح القاسم" من فلسطين، و"محمد عفيفي مطر"، و"أمل دنقل" من مصر، و"عبد الله الغذامي"، و"سعيد السريحي" من السعودية، وغيرهم.
وقد أشار "غالي شكري" في كتابه (الشعر الحديث إلى أين) إلى الروافد التي غذت بذرة الحداثة العربية فقال: "كانت هذه المجموعة من الكشوف تفصح عن نظرة تاريخية تستضيء بالماضي لتفسر الحاضر، وتنبئ بالمستقبل. فالمنهج الجدلي، والمادية التاريخية يتعرفان على أصل المجتمع، ثم يفسران أزمة العصر، أو النظام الرأسمالي، ثم يتنبأن بالمجتمع الاشتراكي الذي ينعدم فيه الصراع الطبقي".
ويقول "أدونيس" في كتابه (الثابت والمتحول) كما ذكر الدكتور "محمد هدارة" في مقال له نشر في مجلة الحرس الوطني السعودي: "لا يمكن أن تنهض الحياة العربية، ويبدع الإنسان العربي إذا لم تنهدم البنية التقليدية السائدة للفكر العربي، ويتخلص من المبنى الديني التقليدي الاتباعي".
وهذه الدعوة الصريحة والخبيثة في حد ذاتها دعوة جهورية للثورة على الدين الإسلامي، والقيم والأخلاق العربية الإسلامية، والتخلص منها، والقضاء عليها.
ثم يقول "أدونيس" أيضاً في مقابلة أجرتها معه مجلة فكر وفن في سنة 1987م: "إن القرآن هو خلاصة ثقافة لثقافات قديمة ظهرت قبله، وأنا أتبنى التمييز بين الشريعة والحقيقة، إن الشريعة هي التي تتناول شؤون الظاهر، والحقيقة هي التي يعبرون عنها بالخفي، والمجهول، والباطن، ولذلك فإن اهتمامي بالمجهول ربما يأتي، ويتغير باستمرار، وهذا ما يتناقض مع الدين".
مما سبق يتضح أن رواد الحداثة لم يكونوا دعاة للتجديد بمفهومه المتعارف عليه في اللغة ولا يعني بالأدب والشعر كما يدعون، وإنما هم دعاة للهدم والتخريب، كما يعلنون عن ذلك صراحة في كتبهم النقدية ودواوينهم الشعرية ومؤلفاتهم بشكل عام.
فقد ضل كثير منهم يخلط بين الحداثة كمنهج فكري، يدعو إلى الثورة والتمرد على الموروث والسائد والنمطي بأنواعه المختلفة عقيدةً ولغةً وأدباً وأخلاقاً، وبين المعاصرة والتجديد الذي يدعو إلى تطوير ما هو موجود من ميراث أدبي ولغوي، والإضافة عليه بما يواكب العصر، ويتواءم مع التطور، منطلقاً من ذلك الإرث الذي لا يمكن تجاوزه بحال من الأحوال، فهو عنوان الأمة، ورمز حضارتها، والأمة التي لا موروث لها لا حضارة لها، وجديدها زائف ممجوج.
وقد تسللت الحداثة الغربية إلى فكرنا العربي في غفلة دينية لدى الكثيرين من المثقفين العرب المسلمين، وإن كان القلة منهم هم الذين تنبهوا لهذا الخطر الداهم للغتهم وعقيدتهم وأدبهم على حد سواء، فحاولوا التصدي لها بشتى الطرق والوسائل المتاحة والممكنة، ولكن سدنتها كانوا أسرع إلى التحايل على الجهلة وأنصاف المثقفين ممن يدعون أنهم منفتحون على الفكر الغربي وثقافته، ولا بد أن يواكبوا هذا التطور ويتعاملوا معه بما يقتضيه الواقع، وإن كان واقعاً مزيفاً لا يخطف بريقه إلا عقول الجهلاء والأتباع.
فأخذ دعاتها على عواتقهم تمرير هذه البدعة الجديدة، وجاهدوا في الوصول إلى أغراضهم الزائفة حتى استطاعوا أن يقنعوا الكثيرين بها باعتبارها دعوة إلى التجديد والمعاصرة تهدف إلى الانتقال بالأدب العربي المتوارث نقلة نوعية جديدة تخلصه مما علق به من سمات الجمود والتخلف ليواكب التطور الحضاري الذي يفرضه واقع العصر الذي نعيشه، والذي تفرضه سنن الحياة. لذلك نجد "أدونيس" يقول في كتابه (الثابت والمتحول): "ومبدأ الحداثة هو الصراع القائم بين السلفية والرغبة العاملة لتغيير هذا النظام، وقد تأسس هذا الصراع في أثناء العهدين الأموي والعباسي، حيث نرى تيارين للحداثة:
الأول: سياسي فكري، ويتمثل من جهة في الحركات الثورية ضد النظام القائم، بدءاً من الخوارج، وانتهاء بثورة الزنج، مروراً بالقرامطة، والحركات الثورية المتطرفة، ويتمثل من جهة ثانية في الاعتزال والعقلانية الإلحادية وفي الصوفية على الأخص".
ثم يواصل "أدونيس" حديثة قائلاً: "هكذا تولدت الحداثة تاريخياً من التفاعل والتصادم بين موقفين وعقليتين في مناخ تغير، ونشأت ظروف وأوضاع جديدة، ومن هنا وصف عدد من مؤسسي الحداثة الشعرية بالخروج".
ويعتبر "أدونيس" المنظر الفكري للحداثيين العرب الذي أخذ على عاتقه نبش كتب التراث ليستخرج منها كل شاذ ومنحرف من الشعراء والأدباء والمفكرين من أمثال "بشار بن برد" و"أبي نواس"، لأن في شعرهم كثير من المروق على الإسلام، والتشكيك في العقائد، والسخرية منها، والدعوة للانحلال الجنسي كما يذكر "عوض القرني" في كتابه (الحداثة في ميزان الإسلام) يقول: "وهكذا بعد أن حاول الحداثيون العرب أن يوجدوا لهم جذوراً تاريخية عند فساق وزنادقة، وملاحدة العرب في الجاهلية والإسلام، انطلقت سفينتهم غير الموفقة في العصر الحديث تنتقل من طور إلى آخر متجاوزة كل شيء إلى ما هو أسوء منه، فكان أول ملامح انطلاقتهم الحديثة هو استبعاد الدين تماماً من معاييرهم وموازينهم بل مصادرهم، إلا أن يكون ضمن ما يسمونه بالخرافة، أو الأسطورة، ويستشهد على صحة قوله بما نقله عن الكاتبة الحداثية "خالدة سعيد" في مجلة فصول بعنوان الملامح الفكرية للحداثة حيث تقول: "إن التوجهات الأساسية لمفكري العشرينات تقدم خطوطاً عريضة تسمح بالمقول إن البداية الحقيقية للحداثة من حيث هي حركة فكرية شاملة، قد انطلقت يوم ذاك، فقد مثل فكر الرواد الأوائل قطيعة مع المرجعية الدينية والتراثية كمعيار ومصدر وحيد للحقيقة، وأقام مرجعين بديلين: العقل والواقع التاريخي، وكلاهما إنساني، ومن ثم تطوري، فالحقيقة عن رائد كــ "جبران"، أو "طه حسين" لا تلمس بالعقل، بل تلمس بالاستبصار عند "جبران"، والبحث المنهجي العقلاني عند "طه حسين".
أهم خصائص الحداثة:
1- محاربة الدين بالفكر والنشاط.
2- الحيرة والشك والاضطراب.
3- تمجيد الرذيلة والفساد والإلحاد.
4- الهروب من الواقع إلى الشهوات والمخدرات والخمور.
5- ا لثورة على القديم كله وتحطيم جميع أطر الماضي إلى الحركات الشعوبية والباطنية.
6- الثورة على اللغة بصورها التقليدية المتعددة.
7- امتدت الحداثة في الأدب إلى مختلف نواحي الفكر الإنساني ونشاطه.
8- قلب موازين المجتمع والمطالبة بدفع المرأة إلى ميادين الحياة بكل فتنها، والدعوة إلى تحريرها من أحكام الشريعة.
9- عزل الدين ورجاله واستغلاله في حروب عدوانية.
10- تبني المصادفة والحظ والهوس والخبال لمعالجة الحالات النفسية والفكرية بعد فشل العقل في مجابهة الواقع.
11- امتداد الثورة على الطبيعة والكون ونظامه وإظهار الإنسان بمظهر الذي يقهر الطبيعة.
12- ولذا نلمسه في الحداثة قدحها في التراث الإسلامي، وإبراز لشخصيات عرفت بجنوحها العقدي كــ "الحلاج" و"الأسود العنسي" و"مهيار الديلمي" و"ميمون القداح" وغيرهم، وهذا المنهج يعبر به الأدباء المتحللون من قيم الدين والأمانة، عن خلجات نفوسهم وانتماءاتهم الفكرية.
موقف الإسلام من الحداثة:
فالحداثة إذن من منظور إسلامي عند كثير من الدعاة تتنافى مع ديننا وأخلاقنا الإسلامية، وهي معول هدم جاءت لتقضي على كل ما هو إسلامي ديناً ولغةً وأدباً وتراثاً، وتروج لأفكار ومذاهب هدامة، بل هي أخطر تلك المذاهب الفكرية، وأشدها فتكاً بقيم المجتمع العربي الإسلامية ومحاولة القضاء عليه والتخلص منه، وإحلال مجتمع فكري عربي محله يعكس ما في هذه المجتمعات الغربية من حقد وحنق على العالم الإسلامي، ويروجون بكل اهتمام وجديه من خلال دعاتها ممن يدعون العروبة لهذه المعتقدات والقيم الخبيثة بغرض قتل روح الإسلام ولغته وتراثه.
أن الحداثة تصور إلحادي جديد – تماماً - للكون والإنسان والحياة، وليست تجديد في فنيات الشعر والنثر وشكلياتها فقط، وأقوال سدنة الحداثة تكشف عن انحرافهم باعتبار أن مذهبهم يشكل حركة مضللة ساقطة لا يمكن أن تنمو إلا لتصبح هشيما تذروه الرياح.
حسبنا في التدليل على سعيهم لهدم الثوابت أن نسوق قول "أدونيس" وهو أحد رموز الحداثة في العالم العربي في كتابه (فن الشعر): "إن فن القصيدة أو المسرحية أو القصة التي يحتاج إليها الجمهور العربي ليست تلك التي تسليه أو تقدم له مادة استهلاكية، وليست تلك التي تسايره في حياته الجادة، وإنما هي التي تعارض هذه الحياة. أي تصدمه وتخرجه من سباته، تفرغه من موروثه وتقذفه خارج نفسه, إنها التي تجابه السياسة ومؤسساتها، الدين ومؤسساته، العائلة وموسساتها، التراث ومؤسساته، وبنية المجتمع القائم, كلها بجميع مظاهرها ومؤسساتها، وذلك من أجل تهديمها كلها؛ أي من أجل خلق الإنسان العربي الجديد، يلزمنا تحطيم الموروث الثابت، فهنا يكمن العدو الأول للثروة والإنسان".
ولا يعني التمرد على ما هو سابق وشائع في مجتمعنا إلا التمرد على الإسلام وإباحة كل شيء باسم الحرية.
فالحداثة إذاً هي مذهب فكري عقدي يسعى لتغيير الحياة ورفض الواقع والردة عن الإسلام بمفهومه الشمولي والانسياق وراء الأهواء والنزعات الغامضة والتغريب المضلل، وليس الإنسان المسلم في هذه الحياة في صراع وتحد كما تقول كتابات أهل الحداثة، وإنما هم الذي يتنصلون من مسؤولية الكلمة عند الضرورة ويريدون وأد الشعر العربي ويسعون إلى القضاء على الأخلاق والسلوك باسم التجريد وتجاوز كل ما هو قديم وقطع صلتهم به.
ونستطيع أن نقرر أن الحداثيين فقدوا الانتماء لماضيهم وأصبحوا بلا هوية ولا شخصية، ويكفي هراء قول قائلهم حين عبر عن مكنون نفسه بقوله:
لا الله أختار ولا الشيطان.
كلاهما جدار.
كلاهما يغلق لي عيني.
هل أبدل الجدار بالجدار.
تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
خطر الحداثة على العقيدة:
يقول الدكتور. أحمد محمد زايد: للحداثة مخاطر كثيرة على الدين الإسلامي عقيدته، وعبادته، وأخلاقه, وشريعته، ولغته، وأهله، وحضارته، وبلاده. ونستطيع أن نذكر جملة من المخاطر الحداثية على كل ذلك في هذه النقاط:
1- الخطر على العقيدة:
حيث إن الحداثة – في الجملة - تنادي بالإلحاد والكفر بالأديان جميعاً، من خلال أدبياتها المختلفة "فنزار قباني" يقول:
من بعد موت الله مشنوقاً على باب المدينة
لم تبق للصلوات قيمة
لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة
ويقول "محمود درويش":
يوم كان الإله يجلد عبده
قلت يا ناس نكفر
وهذا "يوسف الخال" يعلن كفره وإلحاده فيقول:
لا نور لا ظلام لا إله
ويقول "توفيق الصايغ" النصراني:
يأتين إن يأتين في ركب إله
ولا إله
تقنص خطو إله
ولا إله
أما "حسن حنفي" فيرد على حداثيين اتهموه بالسلفية والتراث قائلا: "نحن منذ فجر النهضة العربية الحديثة وحتى الآن نحاول أن نخرج من الإيمان السلفي ... إلى أن يقول: أنا ماركسي شاب... وبعد قليل يكرر نفس الكلام فيقول: وأنا هنا ماركسي أكثر من الماركسيين".
وهاهو "فؤاد زكريا" شيخ العلمانيين والحداثيين يعلن أن "العلمانية هي الحل" وذلك في وجه الإسلاميين المنادين بأن "الإسلام هو الحل".
إن هذا الفكر الذي يتداول بين بعض من يسمون بالمثقفين جدير بأن ينشر الإلحاد بين الناس, خاصة طائفة الشباب الذين يتلقون من هؤلاء في الجامعات، ويلمِّعهم الإعلام للجماهير، ولقد شاهدت بنفسي إقبالا غير عادي من الشباب والفتيات على دواوين "نزار قباني" في إحدى السنوات في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، ولقد فرَّخ هؤلاء العلمانيون الحداثيون جيلاً جديداً من تلامذتهم والمتأثرين بهم، انتشروا في الأوساط الثقافية في وزارت الثقافة والإعلام والجامعات في البلاد العربية والإسلامية بلا استثناء، ولقد فزعت مما ذكره الأستاذ "جمال سلطان" في كتابه (دفاع عن ثقافتنا) حيث ذكر أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليسكو) وهي تابعة إداريا للجامعة العربية، وهي وكالة متخصصة للشئون الثقافية, وتضم من بين أقسامها ما يسمى (الإدارة الثقافية) وفيها لجنة تخطيط العمل الثقافي وتنظيم أجهزته في الوطن العربي سنتي (1974- 1975م) التي عقدت مؤتمرها الأول حول "الأصالة والتجديد في الثقافة العربية" ومؤتمرها حول "الوحدة والتنوع في الثقافة العربية" والعجيب أن الذين عُزِلوا عن هذه المؤتمرات هم الإسلاميون، وأصبحت هذه المؤتمرات حكراً على دعاة التغريب والحداثة.
والعجيب أن (الأليسكو) قامت تحت عباءاتها مشروعات ضخمة منها: العمل الضخم المسمى: (الخطة الشاملة للثقافة العربية) وهي بمثابة (استراتيجيات للثقافة العربية), وصفت هذه الخطة بـ( جهد تاريخي ظل حلماً غالياً) بوصف الدكتور "محي الدين صابر" مدير عام المنظمة، ومحل الشاهد عدة مقولات أساسية وردت في هذه الخطة لننظر ماذا يريد الحداثيون والعلمانيون من العالم العربي والإسلامي, وأنقل هنا بعض البنود الواردة في الخطة التي أوردها "جمال سلطان" منها قولهم إن:
- انتشار الإيمان بالغيب (الفكر الغيبي) أهم أسباب انتكاسة الحضارة العربية.
- إذا كان الدين عنصر الوحدة في القرون السابقة، فإن القومية هي عنصرها في العصر الحديث.
- من المستحيل أن نقبل تقنيات الغرب وعلومه ونرفض في الوقت نفسه فلسفاته وثقافته.
- الحضارة الأوربية حضارة مطلقة بمعنى أنها قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، بينما الحضارات السابقة تاريخية نسبية.
- الماركسية ليست غزوا فكريا يهدد الأمة.
- على إستراتيجية الثقافة العربية أن تحذر من السقوط في حبائل الفكر الديني.
وهكذا تصبح العقائد الإسلامية هي سبب الانتكاسة العربية، في نظر هؤلاء المجرمين المأجورين، هذا إن أحسنا بهم الظن، وتصبح الماركسية، والفلسفات الغربية هي المخرج، وتصبح العودة إلى الدين خطراً عظيماً ينبغي التحذير منه، وعلى الأمة أن ترتمي في أحضان الحضارة الغربية وتأخذ منها تقنياتها وفلسفاتها. هذه هي بنود الخطة التي تسير عليها منظمة مهمتها التخطيط لمستقبل الثقافة، إنه الإلحاد يطل برأسه في بلادنا، بل يضع جذوره من خلال مؤسسات رسمية ينفق عليها من أموال المسلمين.
ومن العجيب المذهل المحزن المخزي أن هذه العصابة المأجورة الملحدة تتحكم في زمام ثقافتنا من خلال تلك المؤسسات، وكأن هذه المؤسسات الرسمية ما قامت إلا لإضافة الشرعية على الكفر وغزو العقول المسلمة بهذا الإلحاد, والمثال على ذلك:
أن الندوات المتعلقة بمناقشة "محور الفكر الإسلامي" قسمت القضايا التي ستعالجها إلى محاور, في كل محور بحث أو بحثان هما محور النقاش، ولكن إلى من أوكلت اللجنة هذا المحور "محور الفكر الإسلامي"؟ المفاجأة أنها أوكلت هذا المحور لـــ "محمد أركون" " وهو من هو بفكره الإلحادي المشكك في الوحي والتراث والنبوة. ولا أدري هل انعدم علماء الإسلام المحترمون حتى يوكل مثل هذا الأمر المهم إلى إنسان يعادي الفكر الإسلامي والتراث الإسلامي.
ثم مما يزيد الداء علة والطين بلة أن البحث الثاني من محاور الفكر الإسلامي أوكلته اللجنة إلى الدكتور "حسن حنفي" الذي لا يفتأ أن يصرح في المحافل المختلفة أنه ماركسي أكثر من الماركسيين، وهو تلميذ وفيٌّ لفلسفة أستاذه اليهودي الشهير "باروغ اسبينوز".
وأوكلت اللجنة معالجة "الغزو الثقافي" إلى ماركسي شهير هو "محمود أمين العالم"، أحد مؤسسي الحركة الماركسية في مصر. وكلفت اللجنة رائد العلمانية في الوطن العربي الدكتور "فؤاد زكريا" بوضع مسودة المشروع. وأوكلت اللجنة صياغة مشروعها تحت عنوان "الإنتاج الفكري والتخطيط المستقبلي له" إلى الدكتور "عبد العظيم أنيس" أحد رموز الشيوعية في مصر، كما أوكلت إلى الدكتور "محمد عابد الجابري" صياغة مشروع لندوة "وسائل التخطيط الثقافي" وهو حداثي كبير متفرنس.
بهذا وغيره يظهر الخطر العقائدي للحداثة على المسلمين، وهذا من أكبر أنواع الخطر،فإن زلزلة عقائد المسلمين حكم بنهاية الأمة وتيهها بين الأمم.
*****************************************
المصادر:
1- الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها، تأليف: سعيد بن ناصر الغامدي. الناشر: دار الأندلس الخضراء سنة 2003م.
2- دفاع عن ثقافتنا، تأليف: جمال سلطان. الناشر: دار الوطن سنة 1412هـ.
3- الثابت والمتحول، بحث في الإبداع والإتباع عند العرب، تأليف: على أحمد سعيد "أدونيس". الناشر: دار الساقي سنة 2001م.
4- فن الشعر، تأليف: على أحمد سعيد "أدونيس".
5- الحداثة في الشعر العربي المعاصر، بيانها ومظاهرها، تأليف: محمد حمود. الناشر: الشركة العالمية للكتاب سنة 1996م.
6- الحداثة في منظور إيماني، تأليف: عدنان بن علي رضا بن محمد النحوي. الناشر: دار النحوي للنشر والتوزيع سنة2007م.
7- ديوان أزهار الشر، تأليف: شارل بودلير، ترجمة: إبراهيم ناجي.
8- الحداثة في ميزان الإسلام، تأليف: عوض القرني. الناشر: دار الأندلس الخضراء 2002م.
9- شعرنا الحديث إلى أين؟، تأليف: غالى شكري. الناشر: دار المعارف سنة 1998م.
10- الاتجاهات الحديثة في الشعر العربي المعاصر، تأليف: عبد الحميد جيدة.
11- مجلة فكر وفن، تأليف: البرت تايلا. الناشر: دار الفكر العربي سنة 1998م.
12- فلسفة الحداثة الليبرالية الكلاسيكية من هوبز إلى كانط، تأليف: صالح مصباح. الناشر: جداول للطباعة والنشر والتوزيع سنة 2011م.
13- فلسفة ما بعد الحداثة، تأليف: بدر الدين مصطفى. الناشر: دار المسيرة للطباعة والنشر سنة 2011م.
14- الإسلام والحداثة، تأليف: عبد المجيد الشرفي. الناشر: دار المدار الإسلامي سنة 2009م.