استلهام القصص القر




لقد تحدَّى القرآن الكريم العرب في فنون القول وهُم فرسان الشعر وأرباب الفصاحة، وتحدَّاهم أيضًا في القصص؛ ذلك أنَّ تراثهم النثْري قبل الإسلام مليء بالقصص والحكايات والأساطير والأخبار، والأيَّام التي تعرض لحياتهم وتصوِّر العظة والعبرة فيها، ومن ثَمَّ لم يكن عجبًا أن يحفل القُرآن الكريم بألوانٍ متعدِّدة من القصَص كنموذج صادقٍ لما يجب أن تكون عليه القصَّة، حيث حوت آيات القرآن الكريم الكثير من الصُّور القصصيَّة الرَّائعة والمواقف الخالدة، التي جسدت الصراع بين الحق والباطل، وقد وجد العديد من أعلام الشُّعراء العرب المعاصرين في القصص القرآني كنزًا ثمينًا ومنهلاً عذبًا نهلوا من جمال لفظِه وروعة قصصه؛ رغبة منهم في تقْديم النموذج والمثل الأعلى الذي يجب أن يَقتفي أثره الإنسان المعاصر، ونتوقف عبر هذه السطور مع أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم، ثمَّ من الشُّعراء المعاصرين الدّكتور محمد رجب البيومي؛ لنلمس عن قُرْب كيف استلهم هؤلاء الشُّعراء القصص القرآني.
بداية:
نبدأ رحلَتَنا مع أمير الشعراء "أحمد شوقي" الَّذي نهل من معين القصَص القرآني، فيكتُب في قصيدته الشَّهيرة "كبار الحوداث في وداي النيل" قصَّة سيِّدنا موسى - عليْه السَّلام - وانتِصار عقيدته على عقيدة الشِّرْك وعبوديَّة الإنسان للإنسان زمن فرعون، وقد بدأ شوقي هذه القصَّة بتمهيدٍ وصَف فيه ما كان يُعانيه المجتمع من تخبُّط وجهل قبل مجيء موسى - عليْه السَّلام - بالدين الحق، فيقول:
رَبِّ هَذِي عُقُولُنَا فِي صِبَاهَا نَالَهَا الخَوْفُ وَاسْتَبَاهَا الرَّجَاءُ فَوَلِهْنَاكَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِي الرُّسْ لُ وَقَامَتْ بِحُبِّكَ الأَعْضَاءُ وَوَصَلْنَا السُّرَى فَلَوْلا ظَلامُ الْ جَهْلِ لَمْ يُخْطِنَا إِلَيْكَ اهْتِدَاءُ[1] |
وَاتَّخَذْنَا الأَسْمَاءَ شَتَّى فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى انْتَهَتْ لَكَ الأَسْمَاءُ حَجَّنَا فِي الزَّمَانِ سِحْرًا بِسِحْرٍ وَاطْمَأَنَّتْ إِلَى العَصَا السُّعَدَاءُ وَيُرِيدُ الإِلَهُ أَنْ يُكْرِمَ العَقْ لَ وَأَلاَّ تُحَقَّرَ الآرَاءُ ظَنَّ فِرْعَوْنُ أَنَّ مُوسَى لَهُ وَا فٍ وَعِنْدَ الكِرَامِ يُرْجَى الوَفَاءُ لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ يَوْمَ رَبَّى أَنْ سَيَأْتِي ضِدَّ الجَزَاءِ الجَزَاءُ فَرَأَى اللَّهُ أَنْ يَعُقَّ وَلِلَّ هِ تَفِي لا لِغَيْرِهِ الأَنْبِيَاءُ[2] |
وُلِدَ الرِّفْقُ يَوْمَ مَوْلِدِ عِيسَى وَالمُرُوءَاتُ وَالهُدَى وَالحَيَاءُ وَازْدَهَى الكَوْنُ بِالوَلِيدِ وَضَاءَتْ بِسَنَاهُ مِنَ الثَّرَى الأَرْجَاءُ وَسَرَتْ آيَةُ المَسِيحِ كَمَا يَسْ رِي مِنَ الفَجْرِ فِي الوُجُودِ الضِّيَاءُ تَمْلأُ الأَرْضَ وَالعَوَالِمَ نُورًا فَالثَّرَى مَائِجٌ بِهَا وَضَّاءُ لا وَعِيدٌ لا صَوْلَةٌ لا انْتِقَامٌ لا حُسَامٌ لا غَزْوَةٌ لا دِمَاءُ مَلِكٌ جَاوَرَ التُّرَابَ فَلَمَّا مَلَّ نَابَتْ عَنِ التُّرَابِ السَّمَاء[3] |
وقد مهَّد شاعر النيل لهذه القصَّة القرآنية ببيْتين من الشعر، صوَّر فيهما ظهور الشَّمس ثمَّ كيف أنَّ النَّاس قد انبهروا بها عند بزوغِها في كلّ صباح، فتطرَّق بعضهم إلى عبادتها وتفضليها على القمر الذي لا يفوقها شعاعًا وضياءً، فيقول:
لاحَ مِنْهَا حَاجِبٌ لِلنَّاظِرِينْ فَنَسُوا بِاللَّيْلِ وَضَّاحَ الجَبِينْ وَمَحَتْ آيَتُهَا آيَتَهُ وَتَبَدَّتْ فِتْنَةً لِلعَالَمِينْ[4] |
جَالَ إِبْرَاهِيمُ فِيهَا نَظْرَةً فَأُرِي الشَّكَّ وَمَا ضَلَّ اليَقِينْ قَالَ: ذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ: "إِنِّي لا أُحِبُّ الآفِلِينْ" وَدَعَا القَوْمَ إِلَى خَالِقِهَا وَأَتَى القَوْمَ بِسُلْطَانٍ مُبِينْ رَبِّ إِنَّ النَّاسَ ضَلُّوا وَغَوَوْا وَرَأَوْا فِي الشَّمْسِ رَأْيَ الخَاسِرِينْ خَشَعَتْ أَبْصَارُهُمْ لَمَّا بَدَتْ وَإِلَى الأَذْقَانِ خَرُّوا سَاجِدِينْ نَظَرُوا آيَاتِهَا مُبْصِرَةً فَعَصَوْا فِيهَا كَلامَ المُرْسَلِينْ[5] |
صَدَقُوا لَكِنَّهُمْ مَا عَلِمُوا أَنَّهَا خَلْقٌ سَيَبْلَى بِالسِّنِينْ أَإِلَهٌ لَمْ يُنَزِّهْ ذَاتَهُ عَنْ كُسُوفٍ بِئْسَ زَعْمُ الجَاهِلِينْ[6] |
عَظُمَ الشَّرُّ بَيْنَ نَفْسِي وَبَيْنِي إِنَّهَا وَحْدَهَا الَّتِي قَهَرَتْنِي لَمْ تَزَلْ تُلْهِبُ الدِّمَاءَ بِذَرَّا تِي كَأَنَّ النِّيرَانَ تَأْكُلُ مِنِّي كُلَّمَا قَدْ هَدَأْتُ أَجَّ لَظَاهَا فَمَحَا فِطْنَتِى وَشَرَّدَ ذِهْنِي هَائِجٌ لَسْتُ أَسْتَقِرُّ وَأَنَّى وَعُرُوقِي مَشْبُوبَةٌ صَهَرَتْنِي[7] |