الأدب نور العقل




الأدب نور العقل
عناصر الخطبة:
♦ فضل الأدب
♦ تعريف الأدب
♦ الآيات الواردة في الأدب
♦ الأحاديث الواردة في الأدب
♦ أنواع الأدب
♦ المثل التطبيقي في الأدب من حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
♦ من فوائد الالتزام بالأدب
الحمد لله رب العالمين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد.
عند الحديث عن الأدب والذوق لا أدري من أين أبدأ، وكيف أنتهي، فنحن منذ فترة ليست بالقصيرة نعيش أزمة في الآداب العامة والذوق العام، نرى هذه الأزمة في أخلاق الناس في السوق، وآدابها في قيادتهم للسيارة، وذوقهم في تعاملهم مع البيئة في المنتزهات والشواطئ.. وطبيعة تعامل الصغار مع كبار السن.
هناك أزمة في الآداب والذوق العام، والمقصود بالذوق هو كل ما يُستحسن أو يُستقبح دينًا وفطرةً من الأفعال والسلوك والأخلاق.
وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - معنية بهذا الأمر قبل غيرها من الأمم؛ لأن الأخلاق أساس في مكونات دينها، والقرآن يكرر الثناء على الشيم الطيبة ومكارم الأخلاق التي كان يتحلى بها الأنبياء والصالحون في إشارة للأمة بأن تجعلها عبادة يتقرب بها أفراد الأمة إلى ربهم.
عبادَ الله: إن هذه الكلمة -وهي الأدب- كلمة عظيمة، وهي تعني اجتماع خصال الخير في العبد، إنها - عبادَ الله- تعني جمال العبد في ظاهره وباطنه، جَمَالَه في أخلاقه، في جوارحه، في حركاته وسكناته، في هيئته ومظهره، في قيامه وقعوده، في حِلِّه وترحاله، في معاملته، في جميع شؤونه، الأدب ملازم للمسلم في كل حال، إن كلمة الأدب - عباد الله- تعني زكاء العبد في كل حال وفي كل مجال. بالأدب -عباد الله- تزكو النفوس، وتتهذب الأخلاق، وتطيب القلوب، ويجمل الظاهر والباطن. بالأدب -عباد الله- تبتعد النفوس عن رعوناتها، والقلوب عن شرورها، والأخلاق عن رديئها، وسفسافها.
بالأخلاق والأدب -عباد الله- ترتفع منارات الدين، وتتسع رقعته، ويكثر دخول الناس فيه، وتأمل هذا -رعاك الله- في قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران].
قال عبد الله إبن مسعود رضي الله عنه: "اعلموا أن حسن الهدي في آخر الزمان، خير من بعض العمل".
وقال عمر رضي الله عنه" تأدّبوا ثم تعلّموا".
وقال النخعي: كان العلماء إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه (الحديث الشريف والعلم)، نظروا [أوّلا] إلى سمته وصلاته، وإلى حاله.. ثم يأخذون عنه.
وقال البلخي أدب العلم أكثر من العلم.
وقال عبد الله بن المبارك لا ينبل الرجل بنوع من العلم ما لم يزيّن علمه بالأدب.
وقال إبن عبّاس أطلب الأدب [لفوائده التالية]:
1- فإنه زيادة في العقل.
2- ودليل على المروءة.
3- ومؤنس في الوحدة.
4- وصاحب في الغربة.
5- ومال عند القلّة..
وقال الأحنف بن قيس: "الأدب نور العقل، كما أن النار نور البصر".
وقال ابن حجر: "الأدب (هو) استعمال ما يحمد، قولا وفعلا "
وقال المناوي: "الأدب رياضة النفوس، ومحاسن الأخلاق، ويقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل".
وقيل هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ. وقال بعضهم:
"الأدب مجالسة الخلق على بساط الصّدق ومطابقة الحقائق وقيل هو الكلام الجميل الّذي يترك في نفس سامعه أو قارئه أثرا قويّا يحمله على استعادته والاستزادة منه والميل إلى محاكاته".
قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: "علم الأدب هو علم إصلاح اللّسان والخطاب وإصابة مواقعه، وتحسين ألفاظه عن الخطاء والخلل وهو شعبة من الأدب العامّ.
وعلى هذا فالأدب: استعمال ما يحمد قولا وفعلا، وبتعبير آخر: الأخذ بمكارم الأخلاق، أو الوقوف مع المستحسنات.
الآيات الواردة في "الأدب".
الأدب مع اللّه - عزّ وجلّ - والقرآن الكريم:
1- ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189].
2- ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 224].
3- ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 22].
4- ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].
5- ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 33، 34].
الأدب مع رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -:
1- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 104].
2- ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 62].
3- ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].
4- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1].
5- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2]
الأدب مع الإنسان:
• ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86].
• ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
• ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 27].
• ﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 28].
الأحاديث الواردة في (الأدب):
1- (عن عقبة بن عامر- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقول: "إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يدخل بالسّهم الواحد ثلاثة نفر الجنّة:
صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرّامي به، ومنبله وارموا واركبوا، وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا.
ليس من اللّهو ثلاث: تأديب الرّجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرّمي بعد ما علمه رغبة عنه، فإنّها نعمة تركها أو قال: كفرها"[1].
2- (عن معاذ - رضي اللّه عنه - قال أوصاني رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بعشر كلمات. قال: "لا تشرك باللّه شيئا وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنّ صلاة مكتوبة متعمّدا؛ فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا فقد برئت منه ذمّة اللّه، ولا تشربنّ خمرا، فإنّه رأس كلّ فاحشة، وإيّاك والمعصية، فإنّ بالمعصية حلّ سخط اللّه- عزّ وجلّ-، وإيّاك والفرار من الزّحف وإن هلك النّاس. وإن أصاب النّاس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأخفهم في اللّه"[2].
3- (عن الشّعبيّ أنّ رجلا من أهل خراسان سألة فقال: يا أبا عمرو! إنّ من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرّجل إذا أعتق أمته ثمّ تزوّجها: فهو كالرّاكب بدنته. فقال الشّعبيّ: حدّثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فآمن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ اللّه تعالى وحقّ سيّده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذّاها فأحسن غذاءها، ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها فله أجران" ثمّ قال الشّعبيّ للخراسانيّ:
خذ هذا الحديث بغير شي ء. فقد كان الرّجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة"[3].
أنواع الأدب:
والأدب ثلاثة أنواع: أدب مع الله سبحانه. وأدب مع رسوله - صلى الله عليه وسلم - وشرعه. وأدب مع خلقه.
فالأدب مع الله ثلاثة أنواع:
أحدها: صيانة معاملته أن يشوبها بنقيصة.
الثاني: صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره.