الأزهر:
الأزهر:
د.عبير عبد الصادق محمد بدوي
الأزهر الشريف هو الذي حفظ العلوم الإسلامية واللغة العربية من الضياع والاندثار، وهو الذي حفظ للأدب العربي في شتى بلاد العروبة رونقه وبهاءه، وقد تخرج فيه العديد من العلماء والأدباء والكتاب والخطباء والشعراء في كل عصر وجيل؛ والأزهر منذ أنشئ لسبع خلون من رمضان 361هـ/22يونيو عام 972م([1])، حتى اليوم هو الذي يتولى قيادة الحركة الدينية في العالم الإسلامي، وآراء شيوخه هي الحجة القوية التي يقابلها المسلمون في شتى بقاع الأرض بالطاعة والامتثال والقبول.
وقد خرَّج الأزهر الكثير من رجال الدين منذ أنشئ إلى اليوم، وخريجوه هم الذين تولوا قيادة الحركة الدينية في كل مكان من بلاد العالم الإسلامي، وقد أنشئ في الأزهر هيئة كبار العلماء عام 1911م، وفيه كذلك لجنة الفتوى عام 1927م، وهاتان الهيئتان لهما أثر كبير في التوجيه الديني في العالم الإسلامي، وفي عام 1961م، أنشئ مجمع البحوث الإسلامية، وله أثر ظاهر في اتصال الأزهر بالمسلمين وعلمائهم في كل مكان؛ ومن أعلام الأزهر وأئمته في التوجيه الديني الإمام محمد عبده (1266هـ/ 1905م) وله فضل كبير في الإصلاح الديني وفي إصلاح الأزهر، ومن أعلامه كذلك: الظواهري، ومحمد مصطفى المراغي، ومصطفى عبد الرازق، وإبراهيم حمروش، وسواهم ممن قادوا الحركة الدينية ووجهوها توجيهاً قوياً في العالم الإسلامي كافة.
ولقد ورث الأزهر الحديث ميراثاً روحياً وثقافياً ضخماً جليلاً عن الأزهر القديم، وعاشت حلقات الأزهر الجليلة طويلاً خلال الأجيال وهي تحمل عن العالم الإسلامي رسالة الإسلام الروحية والدينية والثقافية، ومن هذه الحلقات تخرج زعماء العالم الإسلامي في القديم ممن قادوا الشعوب الإسلامية إلى النهضة والحضارة والعزة مما جعل للأزهر مكانة كبرى في العالم الإسلامي.
ولا ننس أن الأزهر قد قاد في القديم ثورتين كبيرتين تعدان من أسبق الثورات الدستورية العالية قاد إحداهما عام 1200هـ يناير 1786م الشيخ الدردير، وقاد الأخرى عام 1209هـ /1795م شيخ الأزهر في ذلك الوقت الشيخ عبد الله الشرقاوي، وكسب الشعب المصري من الثورة الأولى مبدأ دستورياً جليلاً وهو وجوب احترام الحاكم لإرادة المحكومين، وكسب من الثانية مبدأ آخر هو أن الأمة مصدر السلطات وكانت بمثابة إعلان لحقوق الإنسان، ووثيقة فريدة في سبيل التحرير سبق بها شعب مصر غيره من الشعوب، كما اعترف بذلك المؤرخون من العرب والغرب.
وقد حمل علماء الأزهر عبء الجهاد لتحرير مصر من الاحتلال الفرنسي منذ أن دخل جيش نابليون أرض الوطن فاتحاً، ولا ننسى أن الأزهر قام بثورة ثالثة في صفر عام 1220هـ/ 1805م لإنهاء النفوذ التركي في مصر، ولكن حاكماً سياسيا بارعاً يتدفق في أعصابه الدم التركي استطاع بدهائه أن يحول المعركة إلى مغانم شخصية له ولأسرته التي حكمت مصر نحو قرن ونصف من الزمان، وكان قائد الثورة المصرية الرابعة كذلك أزهريا صميماً وهو الزعيم أحمد عرابي الذي قاد الثورة العرابية للقضاء على نفوذ المستعمرين من الأتراك والمستغلين من الإنجليز، كما كان زعيم الثورة الشعبية الخامسة هو الزعيم سعد زغلول الذي كان يعمل للقضاء على الاستعمار الإنجليزي وتحرير شعب مصر من أغلاله، ولا ننسى أن قادة ثورة مصر الأحرار تتلمذوا على شيوخ الأزهر وتأثروا بآرائهم في الدين والحرية والإصلاح.
ولقد تطورت الثقافة في الأزهر في العصر الحديث بتأثير الحضارة الفكرية الغربية، وبفضل لفيف من علمائه الأعلام الخالدين، ومن الحق أن الأزهر منذ بدء القرن التاسع عشر كان يتطلع إلى ثقافة الغرب وحضارته في شيء من الفتور والكراهية، إيماناً بقومية المسلمين السياسية والفكرية والثقافية، ولكنه لم يجحد فكرة السعي إلى النهضة، أو الإيمان بالتطور، فسافر بعض أبنائه في بعثات حكومية إلى باريس ولندن وسواهما من عواصم الغرب.
وتطلع بعض علمائه في أواخر القرن التاسع عشر إلى معرفة بعض اللغات الغربية لدراسة أصول حضارة الغرب الحديثة الفكرية والثقافية، وللرد على ما يثيره بعض الغربيين حول الإسلام من شبهات، وكان في مقدمة هؤلاء الإمام محمد عبده الذي كان أكبر رائد أزهري للفكر المصري في العصر الحديث، ولقد نهض شيوخ الأزهر منذ أواخر القرن التاسع عشر بعبء إصلاح البيئة الثقافية داخل الأزهر، وبعث روح التجديد والحياة في حلقات الأزهر العلمية لتكون على صلة بينابيع الفكر الحديثة المتدفقة.
وفي مايو سنة 1928م تولى مشيخة الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي وهو تلميذ من تلامذة الإمام محمد عبده، ولكنه ما لبث أن استقال منها في أكتوبر سنة 1929م، وخلفه الشيخ محمد الأحمدي الظواهري، ثم عاد الشيخ المراغي إلى المشيخة في 26 إبريل 1935م، وظل فيها إلى أن توفي في 22 أغسطس 1945م، وعلى يدي الشيخ الظواهري تحول الأزهر إلى جامعة علمية لها كليات ثلاث: هي الشريعة واللغة وأصول الدين، وفيها أقسام للدراسات العليا ذات نظام علمي جامعي.
وبمقتضى قانون تطوير الأزهر الذي صدر عام 1961م استقلت جامعة الأزهر عن الأزهر وأنشئت كليات علمية بجانب الكليات النظرية([2]).
وكان الأزهر وما زال هو أقدم جامعة إسلامية كبرى ومن أقدم جامعات الدنيا، فقد نيف على الألف عام، وهو منبع الهداية والإيمان ومصدر النور والإشعاع، ومشرق العلم والمعرفة في العالم الإسلامي كله من المحيط إلى الأطلسي غرباً إلى المحيط الهادي شرقاً، وفي رحابه وأروقته تحققت الوحدة الإسلامية الكبرى، وتحقق الإخاء الإسلامي بأوسع معانيه، وتحت لواء الإخاء، وشعار الوحدة ذابت فوارق الألوان، واللغات، والأجناس، فكلهم ينضوون تحت جامعة واحدة هي جامعة الإسلام، و يلهجون بلغة واحدة هي لغة القرآن.
([1]) تأسس هذا المسجد العظيم ليكون مظهراً لسطان الدولة الفاطمية الديني والسياسي والاجتماعي، فبدأت العمل فيه سنة 359هـ/971م، وفرغت من بعد عامين على التقريب. واتخذت منه داراً عامة جامعة لنشر العلم والتعليم.
أما سبب تسميته «الجامع الأزهر» فقيل: نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء التي ينتسب إليها الفاطميون أصحاب الدولة التي شيدته. وقيل نسبة إلى ازدهار المكان الذي يحيط به لروائه وجمال أبنيته.