الإحياء والتأليف و
الإحياء والتأليف والترجمة:
د. عبير عبد الصادق محمد بدوي
صحب انتشار التعليم في جميع مراحله نهضة في إخراج الكتب من إحياء وتأليف وترجمة، وكان أول خطوة جديدة في سبيل نشر الكتب القديمة وإحيائها خطاها علي باشا مبارك حين ألف هيئة برئاسة رفاعة الطهطاوي، ثم حذت جمعية المعارف في سنة 1868م حذو تلك الهيئة الرسمية، وفي سنة 1898م ألفت جمعية لنشر الكتب القديمة وإحيائها، وكان من أعضائها حسن (باشا) عاصم، وأحمد (باشا) تيمور، وعلي (بك) بهجت وغيرهم، وطبعت عدة كتب مثل:
الموجز في فقه الإمام الشافعي، وسيرة صلاح الدين الأيوبي، وفتوح البلدان للبلاذري، والإحاطة في أخبار غرناطة، وتاريخ دولة آل سلجوق وغيرها.
وفي سنة 1900م، تكونت هيئة أخرى برئاسة الشيخ محمد عبده لإحياء الكتب القديمة النافعة، فأخرجت كتابي عبد القاهر الجرجاني أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، ونشرت كتاب المخصص لابن سيده في سبعة عشرا مجلداً وابتدأت في طبع كتاب المدونة للإمام مالك.
ومنذ ذلك دأبت دور النشر على إحياء الكتب القديمة، واهتمت بها دار الكتب أيما اهتمام، ومن الكتب التي طبعت في خلال الحرب العالمية الأولى صبح الأعشى، والخصائص لابن جني، وديوان ابن الدمينة، والمكافأة لابن الداية، والاعتصام للشاطبي، والأصنام لابن الكلبي، وقد تأسست في خلال الحرب العالمية الأولى كذلك لجنة التأليف والترجمة والنشر في سنة 1914م ودأبت منذ ذلك الوقت على إخراج الكتب تأليفاً وإحياءً وترجمة، حتى بلغ عدد ما أخرجته في سنة 1948م ما يربو على ثلاثمائة كتاب.
ومن الكتب ذات القيمة التي أخرجتها دار الكتب: نهاية الأرب للنويري، ومسالك الأبصار لابن فضل الله العمري، والأغاني للأصفهاني، والنجوم الزاهرة لابن تعزي بردي، وديوان مهيار الديلمي. وتعددت بجانب دار الكتب الهيئات التي تعنى بالنشر حتى بلغ عددها سنة 1948م أربعاً وعشرين هيئة ودار نشر([1]).
وقد ألف علماء الأزهر في هذا الوقت في العلوم التي كانت تدرس في الأزهر مثل الشروح والحواشي المنسوبة للشيخ العطار، وكذلك الشيخ عبد الله الشرقاوي الأصولي النحوي المؤرخ، والشيخ الأمير وكانت مؤلفاتهم تدرس في الأزهر.
ولما ارتقت الحياة الفكرية وظهرت طبقة من أولئك الذين عاصروا الوافدين من البعثات وصارعوا الاحتلال، كانت لهم مؤلفات حاولوا بها طرح غبار الماضي العتيق، ورجوا أن تكون صوراً جديدة على الناس، كما فعل عبد الله فكري في الفوائد الفكرية وغيرها، وأحمد فارس الشدياق في الساق على الساق، وحفني ناصف في قواعد اللغة العربية، وإبراهيم اليازجي في لغة الجرائد، وحمزة فتح الله في المواهب الفتحية، والشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد، ومصطفى نجيب في حماة الإسلام، هذا إلى جانب المؤلفات الأدبية البحتة مثل صهاريج اللؤلؤ للبكري، وحديث عيسى بن هشام للمويلحي ومجمع البحرين لناصيف اليازجي.
ومن أشهر الكتب الأدبية التي ظهرت في السنوات الأخيرة: أبحاث ومقالات لأحمد الشايب، وأبو الفوارس لمحمد فريد أبو حديد، وأدب مصر الإسلامية للدكتور محمد كامل حسين، وعلى الأثير للعقاد، وقصصنا الشعبي للدكتور فؤاد حسنين، والجاحظ لشفيق جبري، ورحلة الربيع للدكتور طه حسين، وصوت العالم لميخائيل نعيمة، والنقد المنهجي عند العرب للدكتور محمد مندور والفتوة عند العرب والمسرحية لعمر الدسوقي، كما ظهر فيض من القصص ودواوين الشعراء والكتب المحققة([2]).
أما حركة الترجمة فإنها كانت أكثر أثراً، وأوسع ميداناً، وأجدى على العقل والفكر.. وكانت الكتب المترجمة في أول أمرها علمية حربية... وإذا كان الأدب لم يفد كثيراً من الترجمة في هذه الحقبة، فإن اللغة العربية قد أفادت فائدة عظمى، ودخلها فيض زاخر من الكلمات المعربة، والمصطلحات العلمية التي كانت تقتضيها الترجمة.. وكان أثر مدرسة الألسن في مرحلتيها الأولى والثانية([3]) أن أربى عدد هذه الكتب المترجمة على ألفي كتاب في مختلف العلوم.. وقد كان طلاب البعثات هم قادة الحركة العلمية... وتصادف أن نزح من سوريا إلى مصر عدد من أبنائها، وكان لهم أثر لا ينكر في الصحافة والترجمة مثل: أديب إسحق وسليم نقاش اللذان اشتركا في تأسيس مسرح عربي وأخذا يترجمان له، وكان يعقوب صنوع سبقهما بإنشاء مسرح واتجه كذلك صوب الأدب الأوربي، وزاد عدد المترجم لهذين المسرحين عن خمسين مسرحية.. واشتدت حركة التعريب في الآداب ولا سيما القصة والمسرحية، وعنى بذلك الأدباء السوريون المقيمون بمصر مثل نجيب حداد، وخليل مطران، ونقولا رزق.. ولا ريب أن اللغة العربية بفضل حركة الترجمة صارت غنية بالمصطلحات العلمية والأدبية.
واشتهر من مترجمي القصص قبل الحرب العالمية الثانية محمد السباعي وكان ينقل عن الإنجليزية، وترجم أحمد حسن الزيات «آلام فرتر» لجيته الألماني و«رفائيل» لأمارتين الفرنسي([4]).