البنية الشعرية2
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
- 2 - لعل من أبرز الكيفيات البنائية, والتناظرات الصياغية في معمار قصيدة الشاعر عبدالله رضوان في مجموعته الشعرية الجديدة (كتاب الرماد- عم ان- الأردن- 2001م) انها تبني فضاء نصوصها واكتناه شعريتها على مجموعة من العلائق الدلالية والنظم التركيبية, والمنظورات الرؤيوية الجديدة, والثيمات المركزية, والاستعانة بالرموز والاقنعة والمرايا وأحداث التاريخ والوقائع المروية الشعبية والاسطورية بحيث يفتح نصه لمزيد من التعدد, ويتيح له فرصا كثيرة لتعميق فضاء الرؤيا الاساسية, وهي تتكون داخل تجربة الشاعر التي تصل في معمارها ولغاتها وبنائها التركيبي الى ذروة من التوتر والتآزم والامساك بمعطيات الادراك الحسي والواقعي الذي يجوس في أبعاد ذا الواقع, وفاعليته وتأثيراته في ادراك النصوص ومصادرها ومؤثراتها, الى جانب شبكة واسعة من الاحتمالات التأويلية والتضادية والتناقضية والصراعية التي تظل تربط هذه التجربة في عالمها الواسع بالأشياء, والوسائل والامكانات في عالم الواقع والاسطورة والذاكرة والمكان عن طريق تجميع هذه الترابطات وتنميتها وتنوعها, لتكون وحدة كلية نامية في حركتها, وخاضعة لسياق لحظتها الراهنة, وتكويناتها الرامزة, ومحققة لعلاقاتها النصية بين البنية والسياق والرؤيا والتركيب واللغة والصورة والايقاع ومن ثم اعادة ترتيبها في بنية العمل الفني الكلية, ووحدته العضوية المتماسكة التي ترتكز عليها عملية التحويل الدلالي في بنية القصيدة حيث تنتشر الدلالات وتتسع وتنفتح لتغطي كل سياقات البنية عبر الضغط والتكثيف والخرق في شحن اللغة دلاليا وتقديم رؤية جمالية وجديدة ومتحركة للواقع, لا تخضع له بقوانينه وكيفياته المألوفة والعادية, ولكنها تقدم جوهر هذا الواقع وكينونته وسيرورته وفاعليته ومستوياته التناصية المختلفة التي تنجح في توليد وتوصيل استجاباتها الانسانية للمتلقي عبر هذه الانزياحات والانحرافات الأسلوبية والتركيبية في قصيدة الشاعر عبدالله رضوان, وهذا ما نجده واضحا في قصائد المجموعة الاحدى عشرة التي توزعت عليها, وقدم لنا فيها جهدا مضاعفا في تأصيل البناء النصي والتشكل الشعري الذي عمل فيه على تنمية فضاء الشعرية, غير أن قصائده (ما تيسر من أحوال الرعية) و(من يوميات مواطن فلسطيني) و(حجر على حجر سنبني حلمنا) و(القمر يبدأ مشاويره في الغناء) و(وردة وحذاء على قبر رضوان) من بين قصائد المجموعة التي تثير عدة تساؤلات نصية وبنائية وتركيبية تنطوي على حضور دلالات الشعرية وأنساقها في تقديم وظيفتها الدلالية المرتبطة بعملية التأليف الشعري والمعنوي متعدد المستويات, والذي ينتظم عملية التشكيل البنائي للنص على مستوى التقنيات الخاصة والآليات الشعرية وخصائص التركيب, وتؤدي بدورها الى إتاحة ظهور العديد من الوحدات الشعرية والنسيجية المتكاملة بنائيا ودلاليا وعفويا مما يجعلها قادرة على احتضان المعنى الشعري الذي ينسجم مع كلية هذه الدلالات ومولدتها, إذ ليست هذه الممكنات والكيفيات البنائية في شعر عبدالله رضوان شكلا من أشكال العلائق التي تؤلف كيان القصيدة ودوراتها ومستوياتها البنائية والاسلوبية وحتى الخطية, وعلاقاتها بالتحول والتنقل والانحراف في عالم النص وخفاياه حسب, بل هي شكل من أشكال التعبير الفني والجمالي يعبر عن بنية الكون الشعري والرؤيوي وعبر بنية القصيدة كلها التي تبثها لتجسيد تلك العلاقة الحميمة بين الشاعر وواقعه وذاكرته وأرضه ووطنه الفلسطيني ومحيطه العربي والانساني, ولتستمر فيها القصيدة في استنفار امكاناتها في بلورة واضاءة وتشكيل الوجود الخارجي والداخلي لعالم الشاعر, اذ تتخذ العلاقة التشاكلية بين طرفي الثنائية الشعرية في مجمل نصوصه الاستغراق الدلالي والبنائي الممتد على سطح القصيدة وعمقها ورموزها واقنعتها وأزمتها وأمكنتها وتاريخها وحكاياتها وسيرتها وحواراتها. ففي قصيدته الطويلة, والتي حققت تراكما نوعيا آسرا وثرا وعميقا, في التقنيات والأساليب والمعالجات وافاد من التشكل الفني والهيئات النصية للفنون والانواع الأدبية الاخرى التي تندمج في مستويات القصيدة الكلية كما في قصيدة (ما تيسر من أحوال الرعية) التي تنزع الى مهيمنات القص والسرد والحوار والدراما التي تتنوع بها تجربة القصيدة بتنوع تجارب الشاعر الانسانية, ويحولها الى عناصر شعرية ضاغطة باتجاه علاقة الشعري بالواقعي, وقد يكون حضور صوت الشاعر الغنائي (أنا الشاعر) طاغيا عبر توظيف ضمير المتكلم, وقد يكون هو الاكثر بروزا في هذه القصيدة منذ بداياتها حيث تتجلى ظهور هذه الأصوات ومنذ المقطع الاستهلالي ثنائية (أنا/ نحن) الذي يستبطن فيه الشاعر موقف الفاعل/ المتكلم/ الراوي الذي يصل من خلاله الى ملء الفراغات الدلالية في النص بين هذا الواقع, وكائنات المسكوت عنه, لهتك حجبه, وافراغ الطاقة النفسية المكبوتة في أصواته وشخصياته وحركاته, ومواقعها ومواقفها ضمن المستوى الظاهر الذي ينطوي على بروز هذه الكيفيات الثنائية التي تفصح عما يكتنزه الشاعر في أعماقه من مأساة ومكابدات وصراعات وتناقضات: قلبي مثقل بالصحو لست متيما بالفقر لكن المخيم راود العشاق دهرا عن نضارتهم فما وهنوا كأن الشمس تغسل وجههم بالعشق هم كبروا... وتناثروا ... مثل النجوم تجمع الفرح المشتت في الخريطة ... فابتدأت ... ها وطن من البترول يغرقني... فامحو فوق حلم ناغل بين الأزقة خفرة في المهد, أم ولد من (الوحدات) عانقني... ففرقني... وعانقني... فجمعني |