التناص في شعر عبدا
التناص في شعر عبدالصبور.. بين النقدين العربي والغربي
د.دلسوز البرزنجي
صدر
حديثاً في السليمانية كتاب التناص في شعر صلاح عبد الصبور للدكتورة آواز محمود
محمد، وهو اطروحة دكتوراه نوقشت في جامعة السليمانية باشراف الدكتور فائق مصطفى.
تستند اهمية الكتاب الى شيئين الاول معالجته لتقنية مهمة شاعت في النقد العربي
المعاصر هي تقنية التناص التي تتمثل في استعانة النص الأدبي بنصوص سابقة لتقويته
واعانته على التعبير عن معانٍ ورؤى ذاتية جديدة للأديب، والثاني اشتغال الكتاب على
شعر كاتب مصري كبير هو صلاح عبد الصبور 1931 ــ 1981 الذي يعد واحدا من رواد شعر
التفعيلة الى جانب نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلند
الحيدري واحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم.
قامت خطة الكتاب على تمهيد وثلاثة فصول،
والتمهيد قُسِّم على ثلاثة اقسام الاول التناص لغة واصطلاحاً، والثاني التناص في
النقد الغربي، والثالث التناص في النقد العربي. أما الفصل الأول التناص مع الخطاب
الديني الاسلامي فعالج التناص مع القرآن الكريم، والسيرة النبوية الشريفة، ووقائع
من التاريخ الاسلامي، والخطاب الديني المسيحي، والخطاب الديني اليهودي. وأما الفصل
الثاني التناص مع الخطاب الشعري فقام على دراسة التناص مع الشعر العربي قديمه
وحديثه، والتناص مع الشعر الغربي، وكذلك التناص الشعري الداخلي الذاتي اي مع شعر
الشاعر نفسه. والفصل الثالث التناص مع الخطاب الاسطوري والشعبي درس تناصات الشاعر
مع حكايات الف ليلة وليلة مثل حكايات السندباد وعلي بابا، والتناص مع الامثال
والاغاني الشعبية.
في المقدمة بيّنت الباحثة اهمية نظرية التناص بكونها نظرية
نقدية كاملة تناولها النقاد الغربيون، واختلفوا فيما بينهم في كيفية التناول، لكنهم
ركزوا على فاعلية التناص ووظيفته إذ يكاد لايكون وجود للنص من دون التناص، فالنص
تركيب من علاقات داخلية مع علاقات داخلية او خارجية مع داخلية، إذ من إئتلاف هاتين
العلاقتين يتشكل النص. أمّا اهمية الشاعر صلاح عبد الصبور فتقول عنها الباحثة ان
عبد الصبور شاعرا ومسرحيا وكاتبا وناقد، لعب دورا خطيرا في تاريخ الثقافة المصرية
الحديثة، وترك آثارا لايمكن أن تمحى على الصعد كافة، فشعره الغنائي جاء متميزاً بكل
معنى الكلمة بثيماته الحية ولغته الجسورة. ففيما يخص الثيمات غلب على شعره حزون ذو
نكهة وايقاع خاصين اذ استطاع ــ كما يقول بعض الباحثين ــ أن ينقل الحزن من حالة
التشاؤم السلبي والأنين الفج الى رؤية شاملة للكون وسلاح فاعل في التغيير، واستقلّ
به موضوعا شعريا بما فجر فيه من طاقات تعبيرية بالغة الثراء والخصوبة…..وصاغ رؤية
شعرية متكاملة للوجود، قضاياها الاساسية الانسان والمطلق والطبيعة، وايمانه
بالانسان دفعه الى الانتساب الى القضايا الانسانية في كل مكان بعيدا عن المدارات
المغلقة للنزاعات العرقية والدعاوى السياسية .
وجدت الباحثة في دواوين الشاعر
كمّا واسعا من التناصات التي وردت بآليات مختلفة وظّفها عبد الصبور بمهارة ليعبِّر
من خلالها عن تجاربه ورؤاه العميقة، ومنها قصيدة موت فلاح التي تناصت مع الاسطورة
الاغريقية وفق آلية الامتصاص
لم يكُ مثلنا يستعجل الموتا
لأنه كل صباح، كان
يصنع الحياة في التراب
ولم يكن كدأبنا يلغط بالفلسفة الميتة
لأنه لم يجد
الوقتا
فلم يمل للشمس رأسه الثقيل بالعذاب
و الصخرة السمراء ظلت بين منكبيه
ثابتة
جسد النص النموذج الانساني الذي ينتمي الى الطبقة الكادحة، في زمن محدد
ألا وهو الصباح ومن ثَمّ الظهيرة. هنا تلوح على نحو خافت اسطورة سيزيف، ولكن
القراءة السطحية لاتعيننا على ادراك الجهد الضائع الذي يبذله الفلاح في حياته، إلا
ان المؤشر الذي يعيننا على استكشاف النص الغائب هو قوله فلم يمل للشمس رأسه الثقيل
بالعذاب» و الصخرة السمراء ظلت بين منكبيه ثابتة ، فالعذاب الانساني يشبه الجهد
الضائع الذي يبذله سيزيف عند حمله الصخرة. فالنص يوظف النص الغائب من خلال ثيمة
العذاب التي تساوي حياة الانسان. وبعد دراسة منهجية واضحة لتناصات الشاعر، توصلت
الباحثة الى ما يأتي
1 ــ إن التناص مع الخطاب الديني تمَّ على وفق ضروب متعددة
كالخطاب الاسلامي والخطاب المسيحي والخطاب اليهودي، وكان التناص مع الخطاب الاسلامي
اكثر هيمنة ومساحة من الخطابات الاخرى.
2 ــ أما التناص مع الخطاب الشعري فقد
تمّ مع الخطاب الشعري العربي القديم والحديث والمعاصر، ومع الخطاب الشعري الغربي
شكسبير واليوت ولوركا ، على وفق آليات تناصية متعددة. لكن التناص مع شعر اليوت كان
اكثر هيمنة من أشعار غيره. وكان التناص الشعري الداخلي يجسّد الحالات النمطية
والمتغيرة بين نصوص الشاعر.
3 ــ وفي التناص من الخطاب الاسطوري والشعبي تمَّ
التناص مع الاساطير الشرقية والغربية، لكن الاساطير الشرقية أكثر هيمنة من الاساطير
الغربية لأن هذه الاساطير ترسّبت في ذاكرة الشاعر، على نحو لاشعوري. والتناص مع
الخطاب الشعبي تمَّ مع حكايات الف ليلة وليلة .
4 ــ أتسم التناص في النص
الصبوري بالتعددية، اي ان نصوصا ثانوية متعددة أسهمت في تشكيله حيث تراكمت تلك
النصوص، وعلى نحو خفي، في أكثر الاوقات ممّا يعكس العمق المعرفي في طبيعة
التناص.
وهكذا يكون الكتاب اضافة قيمة الى دراسات التناص في المكتبة العراقية
للنقد الادبي.