الخلافة الأموية
خلفية تاريخية
نجح المسلمون في مدّ دولتهم إلى الأندلس، عندما عبر طارق بن زياد أحد قادة موسى بن نصير والي الأمويين على إفريقية عام 92 هـ بجيش قوامه سبعة آلاف مقاتل،[3] واستطاع هذا الجيش بعد أن أمده موسى بن نصير بخمسة آلاف أخرى أن يهزم ملك القوط الغربيين لذريق في معركة وادي لكة والسيطرة في غضون عامين على معظم شبه الجزيرة الأيبيرية، تحولت جيوش المسلمين شرقًا وتوغلت في بلاد الغال حتى وصلت إلى حدود مدينة ليون الحالية.[4] استمرت محاولات المسلمين في التوسع في بلاد الغال في عهد الولاة السمح بن مالك الخولاني وعنبسة بن سحيم الكلبي وعبد الرحمن الغافقي، إلا أن تلك المحاولات حققت بعض النجاحات ثم توقفت التوسعات بعد هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء.[5] بعد ذلك سادت فترة من عدم الاستقرار شهدت تعاقب الولاة والصراعات بين العرب المضرية والعرب اليمانية من جهة وبين العرب والبربر من جهة أخرى.[6]
تأسيس الدولة
بعد قيام الخلافة العباسية على أنقاض الخلافة الأموية، كان شغل العباسيون الشاغل هو القضاء على الأمويين، الذين لم يكن أمامهم سوى الفرار من بطش العباسيين بعد سقوط دولتهم. وكان ممن استطاع الفرار عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الذي فرّ إلى الأندلس، واستغل كراهية البربر ليوسف بن عبد الرحمن الفهري والي الأمويين على الأندلس الذي ميّز بينهم وبين العرب، والذي ما أن سقطت خلافة الأمويين، حتى أعلن استقلاله بالأندلس،[5] إضافة إلى الخلافات بين القبائل اليمانية والمضرية، فاستعان بالبربر والقبائل اليمانية على يوسف بن عبد الرحمن، وانتصر عليه في موقعة المصارة، ليؤسس بذلك إمارة أموية في قرطبة عام 138هـ/756م.[7][8] تعرض حكم عبد الرحمن بن معاوية للعديد من الثورات التي استطاع إخمادها الواحدة تلو الأخرى، والتي كان أخطرها ثورة العلاء بن مغيث الحضرمي بتحريض من الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الذي كان يطمع في استعادة الأندلس،[7] وكان ذلك سنة 147هـ/ 764م في مدينة باجة أو باجة الزيت[9]، وكادت أن تقضي عليه تلك الثورة عندما تحصن في قرمونة لمدة شهرين، تضغط عليه هجمات العلاء المتكررة والعنيفة، ولكنه ظل محتفظا بأعصابه الفولاذية وحدة الرؤية. فقرر أخيرا ساعة الحسم فإذا بالمدينة ينفتح بابها فجأة على سبعمائة رجل على رأسهم عبد الرحمن يندفعون بسرعة رهيبة ويمزقون الثوار كل ممزق ويقتلون العلاء الذي فر قريبا من اشبيلية ومعه العديد من اصحابه[9]. عمل عبد الرحمن الداخل بعد ذلك على توطيد أركان حكمه بتأسيس جيش قوي والاهتمام بالتعمير والتعليم والقضاء.[7]
عصر القوة :
بعد وفاة عبد الرحمن الداخل تعاقب خلفاؤه على الإمارة، واستطاعوا الحفاظ على الدولة بتوحيد أراضي الأندلس الإسلامية ومحاربة الممالك المسيحية في الشمال، حتى وصلت إلى أوجها في عهد عبد الرحمن الأوسط، الذي شهد عهده ازدهار حركات الآداب والعلوم والعمارة والفن وبلغت الأندلس مرحلة متقدمة من المدنية، فأصبحت الدولة الأموية في بلاد الأندلس مركزًا حضاريًا كبيرًا في غرب العالم الإسلامي. بل وتطورت عسكريًا، فاستطاعت صدّ الغزوات البحرية للنورمان على الموانيء الإسلامية في المحيط الأطلسي.[4]
جانب من حديقة قصر الخلافة في قرطبة.
تلى هذه المرحلة مرحلة اضطراب نتيجة تعرض الإمارة إلى ثورات داخلية من المولدين والنصارى والبربر وبعض القبائل العربية وهجمات خارجية من النورمان والممالك النصرانية في الشمال في محاولة استعادة الأراضي التي دخلت تحت حكم الإسلامي في عهد الأمراء محمد بن عبد الرحمن وابنيه المنذر وعبد الله، وكان أخطرها ثورة ابن حفصون.[10] لكن مع تولى عبد الرحمن الناصر لدين الله استعادت البلاد وحدتها السياسية وقوتها العسكرية بعد أن خاض حروبًا طويلة استطاع من خلالها استعادة السيطرة على البلاد. وفي عام 316 هـ/928م، أعلن الناصر نفسه خليفة للمسلمين في الأندلس، لتقوية مركزه الديني ليساعده ذلك على مواجهة الدولة الفاطمية في شمال إفريقية.[11] ولمواجهة هذا الخطر حصّن الناصر الموانئ الجنوبية للأندلس، وضم موانئ المغرب المواجهة للأندلس في مليلة وسبتة وطنجة، إضافة إلى دعم القبائل البربرية المعادية للفاطميين في المغرب ماديًا وعسكريًا. كما استطاع التصدي لأطماع الممالك المسيحية في الشمال كمملكة قشتالة وليون ونافار.[11]
عرفت البلاد أوجها الثقافي في عهد ابنه الحكم الذي استطاع أن يواصل سياسات أبيه، واستمر عصر ازدهار الدولة، إلا أنه خالف سياسة أبيه في الاعتماد على الحجّاب.[12] بعد وفاته تولى ابنه هشام وهو دون العاشرة، فوضع تحت وصاية أمه صبح البشكنجية، فأصبح الأمر في يد الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي والمنصور بن أبي عامر رجل الدولة القوي الذي استطاع الانفراد بالحكم في ظل خلافة هشام بن الحكم،[13] وحافظ على وحدة الأندلس تحت قبضته.
نهاية الدولة
بعد وفاة المنصور بن أبي عامر، خلفه ابنه عبد الملك في الحجابة وحافظ على الوحدة، غير أن في فترة سيطرة العامريين، ساد الأندلس تطور اجتماعي جديد بسيطرة الصقالبة والبربر على المناصب القيادية في الجيش واختفاء القيادة العربية من الجيوش.[14] وبوفاته عبد الملك عام 398هـ/1008م، خلفه أخاه عبد الرحمن شانجول، والذي لم يكن بكفاءة أبيه وأخيه، ورغم ذلك فقد أقدم على فعل كان فيه بداية النهاية بإعلان نفسه وليًا لعهد الخليفة هشام المؤيد بالله، فتسبب ذلك مع سيطرة البربر والصقالبة على الجيش في ثورة أهل قرطبة بقيادة محمد بن هشام بن عبد الجبار أحد الأمراء الأمويين، الذي استطاع خلع المؤيد بالله، لتدخل البلاد مرحلة من الاضطراب.[14] مرت الأندلس بعد ذلك بفترة من عدم الاستقرار، مدفوعة برغبات البربر والصقالبة والعرب في السيطرة على الأمر،[15][16] حتى أن علي بن حمود أحد ولاة الأمويين، أعلن نفسه خليفة عام 407هـ/1016م، فدخلت الأندلس مرحلة من الحرب الأهلية،[17] انتهت بإعلان مشايخ قرطبة سقوط الخلافة،[18] وانقسامها إلى عدة ممالك عام 422 هـ/1031م.[19]
نظام الحكم :
قصبة ألمرية.كان نظام الحكم والإدارة في الأندلس في عهد الدولة الأموية متطورًا بالمقارنة بنظائره في الشرق الإسلامي أو الغرب المسيحي. كان الخليفة متربعًا على قمة هرم السلطة، ويعاونه "الحاجب" وهو منصب يعادل رئيس الوزراء، إضافة إلى مجموعة من الأشخاص الذين يتولون شئون إدارة البلاد المالية والقضائية والأمنية سواء الداخلية المتمثلة في صاحب الشرطة أو الخارجية متمثلة في قائد الجيش.[20] أما إداريًا، فقد حافظ المسلمون على تقسيمات الرومان والقوط الإدارية، فقسموا الأندلس إلى كور ومدن، كان لها استقلالها الإداري عن العاصمة قرطبة، أي نظام الحكم الأندلسي كان نظام حكم لا مركزي يتمتع فيه ولاة الكور وقواد المدن بقسط كبير من النفوذ المحلي وحرية التصرف.[21]
الدين
اتصف أهل الأندلس بالتدين والمحافظة على الشعائر الدينية إلا قلة، بدافع الاختلاط بين أتباع ديانات مختلفة.[22] وقد تمتع المسيحيون واليهود، بمعاملة خاصة مكنتهم من حرية الدين والمعتقد، حتى أن قضاياهم كان لهم حق الفصل بها بموافقة من السلطة الإسلامية العليا. فكان يسمح بتطبيق شرائعهم على يد قضاتهم الذين كانوا يعرفون بقضاة النصارى أو قضاة العجم، وتحت مسؤولية رئيس طائفتهم الذي كان يحمل لقب "القومس"،[23][24] أما الخلافات التي كانت تقع بينهم وبين المسلمين، فكانت تعرض على القضاء الإسلامي،[24] فكثرت كنائسهم في كل الأندلس ما بين القرن الثامن والثاني عشر، سواء في المدن الكبرى أو الصغرى. ومن أشهر هذه كنائسهم أيام الخلافة، الكنيسة العظمى بقرطبة، ومن أشهر الأديرة الواقعة في أطراف المدينة دير أرملاط،[25] ولم تهدم الكنائس في الأندلس، إلا في حالات خاصة كأن تكون الكنيسة معقلا للثورة على السلطة، كهدم بعض الكنائس خلال ثورة ابن حفصون.[24] كما كانت الأناجيل أيضًا شائعة يطالعها المسيحي وغير المسيحي، وقد أفاد منها ابن حزم في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل"، حيث ذكر أنه كان يصاحب رجال الكنيسة ويجادلهم.[24]
كما ظلت سلطة اليهود ومقاليد أمورهم الدينية الخاصة بهم بين أيديهم، فقد جرت العادة على تعيين السلطة لمن يتولى رئاستهم والذي كان يعرف بـ "الناجد" أو "الحاخام"، كما كان يتولى قضائهم بينهم شيخ اليهود فيما يخص أمورهم الخاصة وتشريعهم، ويكون هذا الشيخ نفسه هو الواسطة بينهم وبين السلطة المدنية، وقد تمتع اليهود، في ظل هذه الحرية، بالسماح لهم ببناء دور عبادتهم في أحيائهم الخاصة وكذلك بين السكان المسلمين.[24]
أما عن المسلمين، فقد انتشر بينهم في البداية من مذاهب السنة مذهب الأوزاعي، إلى أن دخل المذهب المالكي إلى الأندلس في عهد هشام بن عبد الرحمن وسرعان ما أصبح المذهب السائد في عهد ابنه الحكم. كما وجد المذهب الشافعي سبيلاً إلى الأندلس في عهد محمد بن عبد الرحمن، وسعى فقهاء كبقي بن مخلد لنشره، إلا أنه لم يلق قبولاً في الأندلس. إلا أن مذهب آخر وجد سبيله إلى الأندلس في عهد محمد بن عبد الرحمن، ولقى استحسان الكثير من الأندلسيين، ألا وهو المذهب الظاهري واشتهر من أئمته في الأندلس المنذر بن سعيد البلوطي وابن حزم والحميدى.[22] ومن الفرق الإسلامية الأخرى، كانت هناك محاولات في عهد عبد الرحمن الناصر لنشر المذهب الشيعي، إلا أن الأمويين قاوموا تلك المحاولات خوفًا من تغلغل نفوذ أعدائهم الفاطميين شيعيي المذهب إلى الأندلس، لذا فقد بائت تلك المحاولات بالفشل. كما كانت هناك أيضًا محاولات لنشر مذهب المعتزلة في القرن الثاني الهجري، إلا أنه أيضًا لم يلق قبولاً، لميل أهل الأندلس في تلك الفترة للمذاهب التي تعتمد على النصوص كالمالكية، لا القياس العقلي كالمعتزلة.[22]