الطباعة
الطباعة:
د. عبير عبد الصادق محمد بدوي
عرفت المطبعة في أوروبا منذ القرن الخامس عشر، وطبع الأوربيون بها الكتب العربية منذ القرن السادس عشر، وعنهم نقلتها تركيا في القرن السابع عشر، كما نقلتها سوريا في القرن الثامن عشر أما مصر فظلت لا تعرفها، حتى كانت حملة نابليون، فنقلتها إليها واستخدمتها في منشوراتها.
ولم تلبث هذه المطبعة العربية أن غادرت مصر مع الحملة، حتى إذا كان عهد محمد علي أنشئت مطبعة بولاق المشهورة، ولما أخذ الرأي العام المصري يتكون وأنشئت صحف مختلفة تعبر عنه عظمت الحاجة إلى هذا الفن الأوربي الجديد، فكثرت المطابع، وانتشرت في مصر والإسكندرية، ثم في عواصم القطر المصري المختلفة، وهي تعد اليوم بالمئات.
وعمد المشرفون على مطبعة بولاق منذ تأسيسها إلى طبع الكتب العربية والتركية، كما كانوا يطبعون بها صحيفة الوقائع المصرية، وتكثر المطابع وطبع الكتب العربية القديمة ودواوين الشعر العباسية وغير العباسية.
وكان لذلك تأثير واسع في حياتنا الأدبية، فقد اطلع الأدباء على الكتب والآثار القديمة، وعثروا على نماذج ومثل في الأدب العربي لم يكونوا يعرفونها، إذ كان كل ما يعرفونه من تلك الآثار الأدبية القريبة منهم المملوءة بالسجع وألوان البديع، فلما طُبعت لهم كليلة ودمنة لابن المقفع وكتابات الجاحظ وابن خلدون وغيرهم ودواوين أبي تمام وأبي نواس والمتنبي وأضرابهم رأوا أساليب جديدة. أما في النثر فرأوا أساليب مرسلة خالية من ا لتكلف والصناعة، وأما في الشعر فرأوا نماذج بسيطة ليس فيها عقد البديع وكُلَفه.
وأيدت أوروبا بطباعتها العربية وجهود المستشرقين فيها هذه الحركة، فقد طبعت هناك كتب عربية قديمة كثيرة، ووفدت على مصر، فرأي فيها المصريون لغة بسيطة تحمل أفكاراً علمية وأدبية طريفة.
ولم تقف مطبعتنا العربية عند نشر الكتب القديمة والدواوين العباسية وإحيائها، بل أخذت تنشر في الناس الغربية التي يترجمها أعلام المصريين ممن حذقوا اللغات الأجنبية وكانت كثرتها في النصف الأول من القرن الماضي كتب علمية ولم تلبث أن زاحمتها في النصف الثاني الروايات والكتب الأدبية.
وهذا الطرفان من الكتب القديمة والكتب الأوربية هما اللذان تعاونا في إحياء العقل المصري وبعثه في القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
وقد صاحب ظهور المطابع فتح دور الكتب العامة أمام المتعلمين ليقرأوا فيها ما لا يقدرون على شرائه، كما أنشأ علي مبارك سنة 1870م دار الكتب المصرية، وزودها بالكتب في مختلف الآداب والعلوم والفنون، ولم يكتف بالكتب العربية، بل ضم إليها طائفة كبيرة من كتب اللغات الغربية، وحدد للدار أوقاتاً في الصباح والمساء يغدو إليها الشعب للقراءة والاطلاع ووضع نظاماً لاستعارة الكتب خارجها، وبذلك كانت ـ ولا تزال ـ جامعة شعبية كبرى للثقافة والاطلاع العقلي الخصب([1]).