المحاضرة التاسعة ا
ثانياً :-::: رثاء الدول والممالك بالأندلس :
ثمانية قرون مجيدة عاشها العرب المسلمون في الأندلس تحت رايات التمدن وبنود التسامح وأعلام الحضارة، وانسحب تمدنهم على جيرانهم الأوروبيين وانساحت حضارتهم إلى ساحاتهم، وتغلغلت صنوف معارفهم إلى قلوبهم وألبابهم إلى المدى الذي جعل لغة الحديث في المجتمعات الثقافية الراقية في أوربا اللغة العربية والكتاب الذي تزدان به مكتبات المنازل والقصور هو الكتاب العربي بشكله الأنيق وجلده البهيج، ومحتواه النفيس يمدن العقل ويهذب النفس ويثقف الإنسان.
لقد بدأ مجتمع المجد والعلم والشعر والسحر والعمران والجمال الموهوب والمصنوع والمحسن والمبتكر يذوى وينهدم فكان أمراً طبيعياً أن يرافق الشعر هذه المراحل كلها.
مراحل البناء والتقدم والثقافة ومراحل الهدم والانحسار والفناء والتحلل، وشتان الفرق بين الحالين فقد كان في الأولى سعيداً بهيجاً أنيقاً صاخباً، وكان في الثانية بائساً حزيناً كسيفاً مستصرخاً باكياً.
إن مجد المسلمين في الأندلس بلغ الذروة على أواخر عهد بني أمية الأندلسيين، وبخاصة في عصر الناصر وولده المستنصر، وما أن زالت دولة الأمويين وانقسمت الجزيرة المنيعة إلى دويلات صغيرة، وطوائف متنافرة فيما يسمى بعصر ملوك الطوائف حتى بدأ المد ينحسر، والقوة تشيخ، ولألاء النور يخفق ويخبو. إن في التماسك والوحدة والالتحام قوة ومنعة وعزة، سنة الله في الأرض ولن تجد لسنه الله تبديلا، وما اجتمع قوم وتعاطفوا واتحدوا إلا عزوا وامتنعوا على أقوى الأعداء، وما تفرق قوم وتخالفوا إلا ذلّوا وهانوا على أحقر الأعداء، وان تاريخنا العربي ملئ بهذه الصور والتجارب، ضاعت الأندلس بسبب التخالف والتفرق والتخاصم والسعي إلى الأمجاد الشخصية الفردية فضاع المجتمع وسقط الفرد.
وكانت ملوك الطوائف الصدع الأول في هز الهيكل الأندلسي المنيع، لقد أنهكوا أنفسهم من الحرب، ليس حرب الأعداء ولكن حرب أنفسهم، كل يريد أن يستولى علَى إمارة جاره بل على غنيمة جاره، فكل منهم أخذ الإمارة التي يتولى أمرها غنيمة من الدولة الكبرى، يستوي بذلك بنو عباد في إشبيليه وبنو صمادح في المرية وبنو هود في سرقسطة وبنو الأفطس في بطليوس وشنترين وإشبونة، لقد كان في بعض هؤلاء فضل كثير، وكان بعضهم من ذوى العلم والأدب والفروسية، ولكن جريمة التفرقة تجب كل مأثرة وتقبح كل صنيع حسن.
ثم بزغ في الأفق نذير رهيب تمثل في محاولات للفرنجة بشن الحرب على الأطراف الأندلسية الإسلامية، فإذا نجحوا في إحراز بعض الانتصارات كان ذلك بداية لتحقيق أمل عزيز طالما راود خيالهم لطرد المسلمين منذ أن وطئت أقدامهم أرض الأندلس لأول مرة على نهاية حافة القرن الأول الهجري([1]).
لقد أهمل العرب الفاتحون الظافرون منطقة شمالي غربي الجزيرة « جلبيقية »، فظلت منطقة نصرانية منعزلة الأمر الذي شجع بعض الطامحين من أبنائها أن ينشئ حركة للمقاومة ضد العرب الوافدين، ثم ضد المسلمين من عرب وأندلسيين، وبمرور الزمان اتسعت الدائرة إلى أن استطاع ألفونسو الأول أن يسيطر على المنطقة ويحيط بسلسلة من القلاع والحصون، فلما كان القرن الرابع الهجري كانت الفكرة التي خامرت «بلاى» pelayo الزعيم الأول لخطة المقاومة قد نضجت، ونشأت إمارة على حدود الدولة الأندلسية الإسلامية عرفت باسم قشتالة وهى نفسها الكلمة الإسبانية costillaأي القلاع كانت هذه الإمارة دائمة التسلل إلى الأراضي الأندلسية الإسلامية الأمر الذي جعل الأمراء الأندلسيين يخوضون غمار حروب طاحنة ضدهم، وبخاصة عبد الرحمن الناصر الذي ردهم إلى صوابهم بكثرة ما أوفد إليهم من غزوات وما أوقع بهم من هزائم.
ولكن لا يكاد القرن الخامس ينتصف حتى ينجح النورمان في الاستيلاء على بربشتر من أعمال الثغر الأعلى، وكان ذلك سنة456هـ وقبل أن يمضي ربع قرن من الزمان تسقط طليطلة في أيديهم سنة479هـ
إن مدناً إسلامية تسقط وتحتل وتنفصل نهائياً بأرضها وسكانها كلهم أو بعضهم – عن الجسم الإسلامي هنا يتحرك الشعر فيبدأ يبكى المدن الذاهبة.
ويستنجد ملوك الطوائف – وبصفة خاصة المعتمد بن عباد - بالمرابطين في إفريقية الذين يلبون النداء ويعبرون البحر إلى الأندلس ويلتحمون مع حليفهم المعتمد بن عباد الملك الفارس الشاعر بجيوش النصارى بقيادة ألفونسو السادس في معركة سهول الزلاقة بعد عام واحد من سقوط طليطلة، ويحقق المسلمون المتحالفون نصرأ حاسماً على جيوش ألفونسو، ويخّلد التاريخ معركة الزلاقة، ولكن الأصدقاء القادمين من شمال إفريقية لتقديم العون إلى حلفائهم في الأندلس لا يلبثون أن يطمعوا في هذه البلاد لسحرها وجمالها فيقوضون ملك بني عباد ويأسرون المعتمد سنة484هـ أي بعد الزلاقة بخمس سنين، ويقضون على إمارة بني المظفر- أو بني الأفطس- سنة485هـ أي بعد عام من القضاء على بني عباد وهكذا يكون الثمن غالياً ويهم الشعر حزيناً لرثاء إمارتين من أرقى إمارات الطوائف، وينشأ شعر رثاء الإمارات مع شعر رثاء المدن.
ويتوالى سقوط المدن الأندلسية في أيدي الفرنجة في نطاق ما أطلق عليه حركة الاسترداد([2]).
إنها سلسلة من الهزائم، بل من الكوارث،بل من الإهانة والذل والفناء لحق بمسلمي إسبانيا بأسرع ما يتوقع عقل العاقل، لقد أسقطوا أنفسهم بأيديهم وليس بأيدي أعدائهم، لأن الذي يعطى عدوه وسائل الغلبة، ويسلمه أدوات الانتصار، بتصميمه على بث التفرقة، وإنماء التباعد، وتوسيع شقة الخصام، ومحاربة أخيه وابن عمه والاعتداء على قومه في عقر دارهم والتوسع على حسابهم فتحا وأرضاً عوضا عن أن يبسط يده للاتحاد إن مثل هذا الحاكم هو نفسه صانع الهزيمة لقومه، ومقدم النصر هدية لأعدائه وأعداء قومه، ولقد فعل بعض زعماء الأندلس ذلك، فضاعت الأندلس بمجدها وباء المتقاعسون أو الطامعون من زعمائها بعار الهزيمة ولعنه التاريخ.
لقد كان عدد من حكام الأندلس موسومين بهذه الصفات، وكان الناس يستنكرون فعلهم ولا يجروؤن على المجاهرة بآرائهم فيهم، وكانوا يسطرون خواطرهم ضد حاكميهم ثم يخفونها حتى لا يقع عليها الحاكم الظالم الذي يسير بقومه في طريق الهزيمة والفناء.
إن الكاتب الشاعر أبا عبد الله محمداً الفازازى يكتب بعض خواطره شعراً ويخفيها، ولقد وجدت هذه الأبيات في جيبه بعد وفاته :
الرومُ
تضربُ في البلاد وتَغْنَمُ |
|
والجورُ
يأخذُ ما بقى والمغرمُ |
والمالُ
يوردُ كله قشتالةً |
|
والجندُ
تسقطُ والرعية تظلم |
وذوو
التّعَيّنِ ليس فيهم مسلمٌ |
|
إلا
فعينٌ في الفساد مسلم |
أسفى
على تلكَ البلادِ وأهلِها |
|
الله
يلطف بالمجتمع ويرحمُ |
إن الذي يدعو إلى مزيد من الأسى أن هذه الأبيات رفعت إلى سلطان بلده فلما وقف عليها بكى على ما اشتملت عليه من حقائق، ولكنه استنكر أن يجرؤ مواطن على قول هذا النقد، وعلق قائلاً : لو كان حياً ضربت عنقه. ([3])
وما إن انتصف القرن السابع الهجري حتى كانت كل ولايات شرق ووسط وغرب الأندلس في يد إسبانيا النصرانية ولم تصمد إلا ولاية غرناطة في الجنوب وظلت تكافح من أجل البقاء غير ناسية رسالة الحضارة والتمدن زهاء قرنين ونصف قرن من الزمان، وعلى الرغم من صغر حجم هذه الإمارة إلا أنها أوجدت كل أسباب التقدم في العلوم والفنون وبخاصة العمارة الإسلامية وزخرفها التي لازالت تعتبر واحدة من معجزات الفن الإسلامي إلى يومنا هذا، والتي تشكل حتى الآن أكبر مورد مالي لخزانة إسبانيا المعاصرة.
ولم تتقاعد مملكة غرناطة الصغيرة عن الدفاع عن نفسها وشن الحرب على جيرانها الأقوياء متى فرضت الحرب نفسها عليها. ولكن هيهات أن يستمر الضعيف في مقاومة العدو العملاق الضاري المتربص به رغم استبسال هذا الضعيف وقوة إرادته، لقد سقطت مملكة غرناطة آخر معقل للإسلام في إسبانيا، ورحل آخر ملك مسلم عن قصر الحمراء في اليوم الثاني من ربيع الأول سنه897هـ الموافق الثاني من يناير سنه1492هـ.
فسلام على الأندلس ولا سلام على من قصر وطمع وخان فأضاع الأندلس.
كانت طليطلة أولى المدن الإسلامية الأندلسية الكبيرة التي سقطت، وهى واحدة من أكبر القواعد الإسلامية في الأندلس وكان سقوطها في وقت مبكر، في سنة 478هـ.
لقد كان سقوط طليطلة صدمة كبرى أصابت المسلمين في الأندلس بالذهول الذي ما لبث أن ترجم إلى الحقيقة المريرة التي عبر عنها الشاعر عبد الله بن فرج اليحصبى المشهور بابن الغسال تعبيراً مثقلاً بالشؤم متنبئاً بغروب شمس الأندلس،
يا
أهْلَ أندلُسٍ شُدّوا رحالكُم |
|
فما
المُقَام بها إلا من الغَلَط |
السلك
يُنثَر من أطرافهِ وأرى |
|
سلك
الجزيرة منثوراً من الوسط |
من
جاور الشر لا يأمن عواقبه |
|
كيف
الحياة مع الحيات في سفط |
ويورد المقري في رثاء طليطلة قصيدة من عيون الشعر لم يذكر قائلها تزيد على سبعين بيتاً ضمنها الشاعر كل أحاسيسه بالحسرة ومدها بكل ما رفدته به شاعريته، فضمن أبياتها الدعوة إلى الاستنفار والنخوة والتقريع والتركيز على وضع الكارثة في حجمها الحقيقي الكبير وإظهار المهانة التي لحقت بالمسلمين لسقوطها فقد كانت من المنعة والتحصين بحيث يستحيل سقوطها الأمر الذي اضطر العدو إلى حصارها سبع سنين طوال.
يقول الشاعر المجهول الموهوب الحزين الذي لم يمنعه حزنه من أن يعمد في بعض الأبيات إلى محسنات بديعية من جناس وتورية وطباق لم تكن طبيعة الموضوع لتدعو إليه([4]).
لِثُكلِك
كيف تَبْتَسم الثغور |
|
سروراً بعد ما بئست ثغورُ |
لقد
قُصمَتْ ظهور حين قالوا : |
|
أمير
الكافرين له ظهورُ |
طليطلةٌ
أباحَ الكفر منها |
|
حماها
إن ذا نبأ كبير |
فليس
مثلها إيوان كسرى |
|
ولا
منها الخورنق والسدير |
محصنة
محسنة بعيد |
|
تناولها
ومطلبها عسير |
ويمضى الشاعر مستنكراً سقوط المدينة الحصينة منعطفاً على المشاعر الدينية مظهراً ما أصاب المدنية من تحول ديني.
فبعد أن كانت دار إسلام تحولت إلى دار نصرانية، وأما مساجدها فقد صارت كنائس بين عشية وضحاها وأما أهلها فقد صاروا بلا مأوى مشردين :
ألم
تك معقلاً للدين صعباً |
|
فذلك
كما شاءَ القديرُِ |
وأخرجَ
أهلُها منها جميعاً |
|
فصاروا
حيثُ شاءَ بهم مصيرُ |
وكانت
دارَ إيمانٍ وعلم |
|
معالمُها
التي طُمِسَتْ تُنيرُ |
فعادتْ
دارَ كُفْرٍ مصطفاةً |
|
قد
اضطربتْ بأهليها الأمورُ |
مساجدُها
كنائسُ أيُّ قلب |
|
على
هذا يَقَرُّ ولا يطيرُ |
.... الخ.
ومن مراثي المدن الأندلسية أيضاً ما كتبه الشعراء في رثاء مدينة بلنسية وهى من أجمل المدن وأرقها وأرقاها، ومنها عدد من الشعراء المرموقين من أمثال ابن خفاجة وابن أخته ابن الزقاق البلنسي، والرصافي الرفاء البلنسي وغيرهم كثيرين.
ولقد سقطت بلنسية في أيدي النصارى مرتين، المرة الأولى سنة 488هـ وظلت محتلة حتى سنة 495هـ أي سبعة أعوام حتى حررتها جيوش يوسف بن تاشفين- وكانت يومئذ بقيادة الأمير محمد مزدلى([5])، أما السقطة الثانية والأخيرة فكانت في فترة الانهيار الطاغي في النصف الأول من القرن السابع الهجري. وعلى وجه التحديد سنة635هـ وقيل سنة640هـ بعد أن ظل الأعداء يحاصرونها ويضيقون الخناق عليها عدداً من السنين([6]).
ولقد بكاها شاعرها وابنها ابن خفاجة قائلا :
عاثَتْ
بساحتٍك الظبا يا دَارُ |
|
ومحَا
محاسنك البِلَى والنّارُ |
فإذا
تَرَدْدَ في جنابِك ناظرٌ |
|
طالَ
اعتبارٌ([7]) فيك واستعبارُ |
أرضٌ
تقاذفت الخُطُوبُ بأهلها |
|
وتمخّضت
بخرابِهَا الأقدَار |
كتبت
يدُ الحدثان في عَرَصَاتها |
|
لا
أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ |
إن ابن خفاجة الرقيق المترف حساً،الأنيق شعراً، سيد من وصف جمال الطبيعة في الأندلس حتى لقب بالجنّان لم يطق أن يرى جنته بلنسية تخرب وتنقلب إلى جحيم وخراب فكانت هذه النفثة الساحرة التي تعطى عِبرة وتذرف عَبرة.
وكتب ابن الأبار القضاعي البلنسي المتوفي سنة658هـ سينتية المشهورة حين استصرخ زيان بن مردنيش أمير بلنسية بأبي زكريا عبد الواحد بن حفص صاحب افريقية وأرسله إليه فأنشد بين يديه هذه القصيدة وكأنما كان ابن الأبار يكتب التاريخ آنذاك فإن المدينة سقطت قبل أن يدركها أي من جيوش المسلمين وقد قصد ابن الأبار إلى هدفه في قصيدته العصماء الفريدة قصداً مباشراً دون مقدمات ودون استهلال بالمديح الذي جعله خاتم القصيدة بل الثلثين الأخيرين من القصيدة، إنه يستصرخ الأمير الأفريقى ويستنجد به بصوت مرتفع مسموع، وإيقاع نحس بصدوره من قلبه رغم الصنعة البديعية الوافرة الفاشية في القصيدة، إنه يبدي الحزن ويظهر الأسى على ما حل بالمدينة الجميلة وما حولها، ويثير حميته الملكية وعاطفته الدينية فقد انقلبت المساجد إلى كنائس، وانهدمت مدارس القرآن فصارت خرائب، وذوت حضارة المدينة وخبا نورها. يقول ابن الأبار:-
أدركْ
بخيلِكَ خيلِ اللهِ أندلساً ! |
|
إن
السبيلَ إلى مَنْجاتها دَرَسا |
وهب لها من عزيز النصر ما التمسَتْ |
|
فلم
يزل منك عِزَّ النصر ملتَسَما |
وحاشِ
مما تعانيه حَشا شَتها |
|
فطالما
ذاقت البلوى صباحَ مسا |
يا
للجزيرة أضحى أهلُها جزراً |
|
للحادثاتِ
وأمسى جدها تعسا |
في
كل شارقةٍ إلمامُ بائقة |
|
يعود
مأتَمها عند العدا عُرسا |
.....................
وفي
بلنسةٍ منها وقرطبة |
|
ما
يَنْسِفُ النفس أو ما ينزفُ النفَسا |
مدائنٌ
حلّها الإشراكُ مُبْتسما |
|
جذلان
وارتحل الإيمانُ مُبْتْئساً |
وصيرتْها
العوادي العابثاتُ بها |
|
يستوحش الطرف منها ضِعف ما أنسا |
فمن
دَسَاكر كانَتْ دُونها حَرَسا |
|
ومن
كنائسَ كانت قبلها كُنُساُ |
يا
للمساجدِ عادتْ للعدا بيعا |
|
وللنداءِ
غدا أثناءها جرسا |
تهْفى
عليها إلى استرجاعِ فائتها |
|
مدارساً
للمثاني أصبحتْ درسا |
الخ.....
ومن المدن التي كافحت غزو النصارى ببسالة وضراوة وعزم وإيمان وتصميم، إشبيلية العتيدة قلعة المعتضد بن عباد وعرين ابنه المعتمد، لقد استعصت المدينة على جموع الجيوش والأساطيل الاسبانية النصرانية ومن صفحات التاريخ الخالدة لهذه المدنية أن الذين دافعوا عنها هم أهلها من أبناء الشعب دون قيادة ملك أو أمير، وظلت تقاوم في ضراوة مدة ثمانية عشر شهراً رغم الحصار الرهيب، فلما نفذ الزاد والطعام والسلاح، لم تجد المدينة بداً من الاستسلام في جمادى الأولى سنة645هـ مقابل حقن دماء أهليها وحفظ أموالهم وأن يمهلوا شهراً لتسوية أمورهم وإخلاء دورهم، خلال تلك المقاومة الباسلة كتب شاعر اشبيلية إبراهيم بن سهل الإسرائيلي قصيدة رائية يستنهض همم المسلمين في إفريقية ويستصرخ نخوتهم في أسلوب قوي فحل رصين : -
يا
معشرَ العُرْب الذين توارثوا |
|
شيم
الحمية كابراً عن أكبر |
إن
الإلهَ قد اشترى أرواحكم |
|
بيعوا
ويهنئكم وفاءُ المشتري |
أنتم
أحقُّ بنصر دين نبيكم |
|
ولَكم
تمهّد في قديم الأعصر |
أنتم
بنيتم ركنَه فلتُدعمِوا |
|
ذاك
البناء بكل لدن أسمر |
الشعر يرثى الإمارات الغاربة :
إذا كان الشعر قد رثى المدن وبكاها وهى تسقط في ربوع الأندلس العريضة الواحدة بعد الأخرى، فإن هذه المدن كانت تنتمي إلى ممالك وإمارات، غير أن أكثر هذه الأمارات لم تسقط تحت وطأة جيوش الفرنجة وإنما سقطت تحت وطأة جيوش مسلمة، وافدة من إفريقية حينا، ومنطلقة من بقاع الأندلس نفسها حيناً آخر والإمارات الغاربة والملوك الآفلون من الكثرة بمكان، فإن مُلك بني أمية الكبير قد ذهب، وإن ملوك الطوائف على ما في الكثير منهم من فضل وأدب وعلم وفروسية قد دالت دولهم، وإن المرابطين قد هلكوا، والموحدين قد سقطوا، وهكذا رافق التاريخ في الأندلس سقوط الدول واحدة بعد واحدة، وأحيانا مجموعة بعد مجموعة، يسقط العديد من الإمارات في جيل واحد بل في سنة واحدة.
ومن أشهر الإمارات الذي شارك الشعر في مأتميهما وقدم العزاء والدموع في رثاء كل منهما، إمارة بني عباد في إشبيلية، وبني المظفر في بطليوس وماردة.
ومن المؤسف أن هاتين الدولتين اللتين كانتا ترصعان جبين الأندلس تباج من الغار في السلم والحرب قد لقيتا مصرعهما على يد ملك المرابطين يوسف بن تاشفين الافريقي الذي قابل الإحسان وكرم الوفادة وحسن الضيافة بالغدر والطمع والحسد والقتل.
ولقد كان المعتمد أول من رثى نفسه، وهو لم يصنع هذا الرثاء على طريقة من يئسوا من حياتهم، وإنما كان يرثى ملكه ويبكى دولته حين أمر أن يكتب على قبره وقد أحس باقتراب منيته في الأسر هذه الأبيات :
قبرَ
الغريبِ سقاك الرائحُ الغادي |
|
حقا
ظفرتَ بأشلاءِ ابن عباد |
بالطاعنِ
الضاربِ الرامي إذا اقتتلوا |
|
بالخصب
إن أجدبوا بالري للصّادي |
نعم
! هو الحق وافاني به قدرٌ |
|
من
السماءِ ووافاني لميعادي |
ولم
أكن قبل ذاك النعشِ أعلمُهُ |
|
أن
الجبالَ تهادى فوقَ أطوادِ |
فلم
تزل صلواتُ الله دائمةً |
|
على
دفينكَ لا تُحْصَى بتعدادِ |
ولقد ألفت كتباً في رثا مملكة بني عباد، فالشاعر أبو بكر الداني المشهور بابن اللبانة قد ألف فيهم كتابين أحدهما : « السلوك في وعظ الملوك » ضمنه ما قيل فيهم من شعر في رثائهم والبكاء على مملكتهم، والكتاب الثاني « الاعتماد في أخبار بني عباد » وهو كتاب يهتم بتاريخهم وأخبارهم، هذا فضلاً عن مراثيه الكثيرة فيهم وفي المعتمد بصفة خاصة، فمن القصائد الجيدة في رثاء المعتمد قول ابن اللبانة جامعاً بين المعنى الرصين الحزين والصنعة اللفظية البديعية :
لكل
شيء من الأشياء ميقاتُ |
|
وللمُنى
من منايا هن غاياتُ |
والدهرُ
في صبغة الحرباء منغمسٌ |
|
ألوانُ
حالاتِه فيها استحِالاتُ |
فانفضْ
يديْكَ من الدنيا وساكنِها |
|
فالأرض
قد أقفَرَت والناس قد ماتوا |
وقُلْ
لعالَمها الأرضى قد كتمت |
|
سريرةَ
العالمِ العلوى أغماتُ |
طوتْ
مظلَّتها لا بل مذلتُها |
|
من
لم تزل فوقه للعزرَاياتُ |
ومن مراثي ابن اللبانة « أبى بكر الداني » هذا في دولة بني عباد والمعتمد قصيدة دالية جيدة يستهلها بهذه الأبيات :-
تَبكى
السماءُ بدمعٍ رَائحٍ غادي |
|
على
البهاليلِ من أبناءِ عبادِ |
على
الجِبال التي هُدّتْ قواعدْها |
|
وكانت
الأرضُ منهم ذاتَ أوتادِ |
والرابياتُ
عليها اليانعاتُ ذَوتْ |
|
أنوارُها
فغدتْ في خفض أوَهَادِ |
عريسةٌ
دخلتها النائباتُ على |
|
أساور
لهم فيها وآسَادِ |
وكعبةٌ
كانت الآمالُ تَعْمرُها |
|
فاليومَ
لا عاكفٌ فيها ولا بَادُِ |
وفيها يقول وقد لوّن معانيه بصبغة داكنة من الحزن والأسى مصوراً حزن الناس حين رأوا بني عباد مأسورين في الطريق إلى المنفى:-
نسيتُ
إلا غداةَ النهرِ كونَهُم |
|
في
المنشآتِ كأمواتٍ بألحادِ |
والناسُ
قد ملأوا العَبْرين واعتبروا |
|
من
لؤلؤٍ طافياتٍ فوقِ أزبادِ |
حُطّ
القِناعُ فلم تُسْتْر مخدَّرةٌ |
|
ومُزّقت
أوجهٌ تمزيق أبرادِ |
تفرقوا
جيرةً من بعد ما نشئُوا |
|
أهلاً
بأهلٍ وأولاداً بأولادِ |
حان
الوداعُ فضجت كلُّ صارخةٍ |
|
وصارخٍ
من مفداةٍ ومن فادى |
سَارتْ
سفائنُهم والنوحُ يتبعُها |
|
كأنها
إبلٌ يحدو بها الحادي |
كم سالَ في الماء من دمع وكم حملتْ |
|
تلك
القطائعُ من قطعاتِ أكبادِ |
من
لي بكم يا بني ماءِ السماءِ إذا |
|
ماءُ
السماءِ أبى سُقْيا حَشَا الهَادي |
ومن الشعراء الأوفياء لبنى عباد الذين أجادوا رثاء هم ابن عبد الصمد شاعر المعتمد الذي سعى إلى قبره في أول عيد مر على وفاته، وكان جمع من الناس من سعوا لزيارة القبر، وقف ابن عبد الصمد على القبر وأنشد قصيدة دالية من عيون الشعر استهلها قائلاً :
ملكَ
الملوكِ أسامعٌ فأَنادى |
|
أم
قد عَدَتك عن السماع عَوادِ |
لما
خلتْ منك القصورُ فلم تكن |
|
فيها
كما قد كُنْتَ في الأعيادِ |
أقبلتُ
في هذا الثرى لكَ خاضِعاً |
|
وتخذتُ
قبركَ موضعَ الانشادِ |
وهنا خر الشاعر على الأرض يبكى ويعفر وجهه في تراب القبر فبكى الناس من حوله حتى اخضلت ملابسهم وارتفع نشيجهم وعويلهم.
ومضى ابن عبد الصمد بعد أن استعاد أنفاسه في إنشاد قصيدته الطويلة الجيدة الحزينة التي تزيد كثيراً على مائة بيت، وكل بيت عين من عيون الشعر، يقول في بعضها مشيراً إلى شجاعة المعتمد وسماحته وثقافته:-
مَنْ
يفتحُ الأمصارَ بعد محمدٍ |
|
مَنْ
يعقدُ الراياتِ للقوادِ |
مَنْ
يطعنُ النجلاءَ في المراق أو |
|
من
يضربُ الأخدودَ في المرادِ |
مَنْ
يتركُ الأسطارَ في الأوراق مثـ |
|
لَ
الحلى في اللباتِ والأجيادِ |
من
يفهمُ المعنى الخِفى ومن له |
|
صدقُ
الحديثِ وصحةُ الإيرادِ |
من
يبذلُ الآلاف للزوار و الـ |
|
مُدّاحِ
والقُصّادِ والروادِ |
وكانت زوجة المعتمد قد ماتت قبله، فلما مات دفن معها في قبر واحد، الأمر الذي يوحى إلى الشاعر أن يوجه إليها في قبرها هذا القول الأسيف الحزين:
أمَّ
الملوكِ أما علمتِ بزائرٍ |
|
لك
ذي وفاءٍ مخلصٍ وودادٍ |
أبكَى
العلا والمجد فَقْد كما الذي |
|
لبست
له الدنيا ثيابَ حدادً |
لهفى على تلكَ السجايَا
إنها |
|
زَهرُ
الربى موشيةَ الأبْرادِ |
لقد كان المعتمد ملكاً شاعراً، وكان هو نفسه عصب الدولة وعنوان مجدها، وكان سخياً كريماً مع الشعراء وغير الشعراء، وكان صاحب شمائل وأمجاد، فلا غرو أن يكون حجر الزاوية في رثاء الشعر لدولته ولبنى قومه.
أما الدولة الثانية فهي دولة بني المظفر « بني الأفطس » التي أنشأها محمد بن المنصور بن الأفطس التجبيبي في بطليوس وما ردة ويابرة وشنترين وإشبونة وما حولها أي أنه كان ملكاً على البرتغال الحالية وجزء غير صغير من اسبانيا، وكان يلقب بالمظفر، وكان فارساً أديبا عالماً مؤرخاً، وهو معاصر للمعتمد، وكانا على خلاف بعض الوقت، وإذا كان المعتمد كبير الملوك الشعراء، فقد كان المظفر كبير الملوك الأدباء، فعلى الرغم من اهتمامه بشئون الحرب والملك ألف كتاباً على نمط عيون الأخبار لابن قتيبة وأسماه « المظفرى » أو« التذكر المظفرى» وجعله في خمسين جزءاً، كما كتب تفسيراً للقرآن الكريم، ولما مات المظفر سنة 460هـ تولى الملك بعده ابنه المنصور يحيى ولم يكن ذا شأن كبير مثل أبيه، فلما توفي المنصور سنة473هـ تولى الملك بعده أخوه عمر الذي تلقب بالمتوكل، وكان أديباً شاعراً فارساً سياسياً محنكاً، وقد مارس الفروسية والشعر منذ فجر شبابه وقد قتل المتوكل وابنيه الفضل والعباس- وكان فارسين عظيمين- تحت سنابك خيل ابن تاشفين سنة489هـ أي بعد عزل المعتمد بخمس سنوات وبعد وفاته بسنة واحدة، وقد حزن الناس عليهم لفضلهم، وفيهم وفي دولتهم أنشأ الوزير أبو محمد بن عبدون قصيدته الرائية التي تعتبر من أشهر قصائد الشعر الأندلسي وبخاصة في رثاء الدول، ومطلعها :-
الدهرُ
يفجعُ بعد العينِ بالأثرِ |
|
فما
البكاء على الأشباحِ والصورِ |
إن الشاعر الوزير المثقف الحكيم ابن عبدون يسلك نهجاً جديداً في بناء قصيدته من حيث استيحاء تجاريب الحياة، واستقراء أحداث التاريخ والاستفادة من دروسه، وأخذ الحكمة من غيره، ولكن ابن عبدون لا ينسى صيغ التفجع يتبع الواحدة منها الأخرى، وأنات التوجع يرددها متتالية متوالية، متهماً الدهر بالختل، والليالي بالخديعة، والدنيا بالغرور والناس بالشرور، أبيضهم كالسيف في الإقبال على إراقة الدم، وأسمرهم كالرمح في إزهاق النفوس.
فالدهرُ حربٌ وإن أبدى مسالمةً |
|
والبيضُ والسُّمر مثل البيضِ والسمرِ |
ومع ذلك فالبيت على حكمته مشحون بأكثر من لون من ألوان البديع.
ثم نأتي إلى مرحلة ثالثة وأخيرة من هذه السلسلة الحزينة وهى مرحلة رثاء الأندلس كلها دفعة واحدة بعد ما ضاعت، أو بالأحرى بعدما أضاعها أهلها بتخاذلهم وانحلالهم، وأصبحت غريبة عن الجسم الإسلامي.
ومن أشهر القصائد التي قيلت في رثاء الأندلس الضائعة هي نونية أبى الطيب صالح بن شريف الرندى والتي مطلعها :
لكلِّ شيءٍ إذا ما تمَّ نُقصانُ |
|
فلا يُغَرُّ بطيب العيشِ إنسانُ |
إنها من أشهر القصائد التي قيلت في هذا الموقف التاريخي، ولكنها ليست أحسن ما قيل، فإن ما قيل في هذه المحنة كثير وما عهدنا بسينية ابن الأبار أو برائية ابن عبدون ببعيد.
بقى أن نقول إن هذا الشعر قد تميز بملامح وسمات بعينها وخصائص ربما تميز الكثير منها عن غيره من موضوعات الشعر الأخرى.
السمة الأولى :-
تتمثل في أن أكثر الشعراء كانوا صادقين مع أنفسهم حين أفصحوا صراحة تامة عن أسباب سقوط الأندلس بعضه أولاً، وكله ثانية فقد أرجعوا ذلك في قصائدهم إلى الترف الشديد الذي انغمس فيه الأندلسيون في حياتهم وعدم انتباهم أو اهتمامهم لما يجرى حولهم من استعداد وتصيد الفرص للانقضاض عليهم، ولقد كانت الغزوة الأولى التي تعرضت لها بلنسية سنة488هـ واحدة من الشواهد الكثيرة على ذلك، هذا فضلاً عن التحلل الخلقي الشديد وتفشي المعاصي. هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى كان فساد الحكم وظلم الناس والجور على الرعية والاستبداد ومصادرة أموال المحكومين من قبل الحكام، ويضاف إلى ذلك طمع حكام الأقاليم وأنانيتهم وتناحرهم ونشوب الحروب بينهم ونسيان العدو المتربص بهم، بل إن الأمر بلغ مبلغاً يدعو إلى الاستنكار حين كان الأمير المسلم يستعين في حربه على خصمه المسلم بجيوش النصارى الأسبان المتربصين بهذا وذاك من الحكام.
السمة الثانية :-
الحنين الشديد الذي كان يظهر في وصف المدن ومعالمها والديار ومغانيها في تفصيل خلاب يدعو بالنفس إلى الحسرة والأسى والألم، ويزداد الشعر حزناً إذا ذكر الشاعر ما حل بتلك المدن أو هاتيك الديار من هدم ودمار وخراب وحريق.
السمة الثالثة :-
وهى تنبيه العاطفة الدينية ممزوجة بالناحية الإنسانية، فالمساجد تهدم أو تحول إلى كنائس، والمآذن تحول إلى أبراج لأجراس الكنائس، والمنابر تشكو، والمحاريب تبكى، وأبناء المسلمين يباعون في الأسواق كالسلع، وبناتهم يؤسرن ونساؤهم يغتصبن، وأطفالهم يُقتلون أو يُنصرون والرضّع يفصلون عن أمهاتهم إلى غير ذلك من تلك الأحداث الأليمة التي تعرض لها مسلمو الأندلس في لون فريد من الشراسة لم تتكرر في التاريخ.
السمة الرابعة :
هي استصراخ الشاعر مطلب النجدة من المسلمين في ديار الإسلام الأخرى واستنفار الفرسان بداعي النخوة أو بدافع الجهاد الديني الذي يدفع بالمجاهد إلى النصر أو إلى الجنة. وكان الاستنجاد يأخذ أشكالاً شتى ؛ يكون أحيانا بالمديح والتوريط، وأحيانا أخرى بالتعنيف والتقريع، وأحيانا ثالثة بالدعوة إلى الجهاد الديني حسبما تقدم، وكان الشعراء يتخذون أساليب شتى في تنبيه المسلمين إلى ما يجرى على إخوانهم في الأندلس وكانت أهم وسيلة تفصيل الأحداث التي كانت من البشاعة بحيث تدعو إلى الاحتقار والاستنكار.
بقيت سمتان أخريان ولكنهما لم تكونا موضعا للالتزام عند كل الشراء، واحدة منهما تتمثل في اصطناع الحكمة والحديث عن مصائب الدهر وأحداث التاريخ القديم، ولعل أوضح مثال لذلك رائية ابن عبدون ونونية ابن الرندى، والأخرى تتمثل في رثاء الدول من خلال رثاء ملوكها الذاهبين والقصائد التي قيلت في بني عباد توضح ذلك.
المميزات الأسلوبية لمراثى الوطن الأندلسى :
جميع الشعراء الذين كتبوا مراثى الوطن الأندلسي عمدوا إلى المحسنات البديعية، وأسرف بعضهم في تضمينها شعرهم، وليس من شك في أنه من المسلمات أن قصائد الرثاء لوجوب ظهورها بمظهر الوقار لا ينبغي أن يتحرى فيها الزينات اللفظية إلا ما يجئ عرضاً، ولكن الأمر لم يكن كذلك في المراثي الأندلسية، والسبب في ذلك أن هذا اللون من المراثي لم يظهر إلا في أواخر القرن الخامس الهجرى، وهو قرن الصناعة البديعية المسرفة الغالية في المشرق، ولما كان الأندلس يجرى دائما ً في مضمار المشرق فقد انتقلت الصناعة البديعية إليه تلقائيا، ولكن ما يلفت النظر أن القصائد الرثائية الأندلسـية التي وقعت تحت أيدينا لم نجد للصنعة حيالها ذلك الأثر السيئ الذي يصح توقعه إلا في حالات قليلة، وفيما عدا ذلك فالمعنى دائماً هو الذي يشد القارئ إليه رغم وفرة المحسنات وكثرة البديعيات التي لا يكاد يخلو منها بيت شعر واحد([8]).