المحاضرة السابعة ع
ابن رشيق 390 – 456 هـ ([1])
من نقاد القرن الخامس فى القيروان، له مؤلفات العمدة، وقراضة الذهب والأنموذج فى شعراء القيروان، ويكفى أن يرصد الدارس مصادر ابن رشيق فى كتاب العمدة حتى يستكشف أن الثقافة المشرقية كانت سريعة الانتقال إلى أفريقية، هذا مع أن كتاب العمدة لا يمثل إلا جانباً صغيراً من تلك الثقافة.
وكانت هذه النهضة الثقافية ذات أثر فى نمو حركة النقد الأدبى.
ويمكن أن نعد عمل ابن رشيق فى كتبه الثلاثة متكاملاً، فقد حاول فى دراسته لشعراء القيروان فى كتاب " الأنموذج " أن يطبق بعض القواعد النقدية التى حشدها فى كتاب " العمدة "، وعرض فى أحد الفصول الأخيرة من " العمدة " لقضية السرقة فى الشعر مورداً فيها آراء العلماء وبعض أمثلتهم، حتى إذا تعرض هو نفسه لتهمة السرقة عمل رسالة " قراضة الذهب " ليدل على اطلاعه ومقدرته فى هذه الناحية، بما يضعه فى مصاف من تعرضوا لهذا الموضوع من النقاد.
لكن كتاب " العمدة " أهمها وأبعدها أثراً، فهو كتاب جامع من حيث أنه معرض للآراء النقدية التى ظهرت فى المشرق حتى عصر ابن رشيق، ألفه لأبى الحسن على بن أبى الرجال الذى كان يعد هو وأهل بيته برامكة أفريقية.
وقد ذكر فى مقدمة الكتاب أنه رأى الناس قد بوبوا الكلام فى الشعر أبوابا مبهمة وضرب كل واحد فى جهة، فجمع أحسن ما قاله كل واحد منهم فى كتابه: قال:
" وعولت فى أكثره على قريحة نفسى ونتيجة خاطرى، خوف التكرار ورجاء الاختصار، إلا ما تعلق بالخبر وضبطته الرواية فإنه لا سبيل إلى تغيير شئ من لفظه ولا معناه.. فكل ما لم أسنده إلى رجل معروف باسمه ولا أحلت فيه على كتاب بعينه فهو من ذلك.. " ([2]).
ويجب أن نفهم أن تعويله على نتيجة خاطره وقريحة نفسه لا يعنى الابتكار، وإنما يعنى التصرف فى النقل فيما يجوز فيه التصرف فإذا لم يكن المنقول كذلك من خبر أو رواية فعندئذ يورده بنصه. وقد كانت هذه الطريقة أحيانا موهمة لأنها جعلت بعض الدارسين يظن أن الآراء التى لا تسند إلى مصدر فهى من ابتكار ابن رشيق، وذلك خطأ لا يتبين إلا بعرض كتابه على ما سبق من كتب وآراء. وقد دلت هذه المعارضة على أن حظ ابن رشيق من الأصالة النقدية ضئيل.
ودارس العمدة معذور إذا هو لم يستطع رد كل رأى إلى صاحبه لأن ابن رشيق ساق الكلام متصلاً أحياناً، بحيث يخفى على القارئ أن خيوط النسج مأخوذة من مواضع مختلفة ؛ مثال ذلك:
يقول ابن رشيق: " وأهل صناعة الشعر أبصر به من العلماء بآلته من نحو وغريب ومثل وخبر وما أشبه ذلك.. وقد يميز الشعر من لا يقوله، كالبزاز يميز من الثياب ما لم ينسجه.. " ([3]).
هذه العبارة توحى أن الأحكام فيها لابن رشيق، ولكنك تقرأ فى مواضع متباعدة بعض الشئ من مقدمة المرزوقى على شرح الحماسة قوله:
1- ولو أن نقد الشعر كان يدرك بقوله لكان من يقول الشعر من العلماء أشعر الناس.
2- ويكشف هذا أنه قد يميز الشعر من لا يقوله.
3- والفرق بين ما يشتهى وما يستجاد ظاهر بدلالة أن العارف بالبز يشتهى لبس ما ليس يستجيده.
فانظر كيف صهر ابن رشيق هذه الأقوال، فنقض الأول منها واقتبس الثانى على حاله، وتصرف باستخراج حكم جديد مستمد من القولة الثالثة، وجمعها معاً فى نطاق واحد.
ولكن ابن رشيق رغم ذلك ناقد قدير، لم تضع شخصيته بين آراء عبد الكريم والجمحى والمبرد والجاحظ وابن وكيع والرمانى ودعبل والجرجانى والمرزوقى وابن قتيبة وقدامة.. وغيرهم.
ويطالعنا ابن رشيق بأنه من أنصار الشعر، ولذلك نجده يبدأ المفاضلة بين الشعر والنثر، وما هى إلا مسألة نقدية تجريدية.
وفى اثناء تبيانه لفضل الشعر يقول:
" وكان الكلام كله منثوراً فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها، وطيب أعراقها، وذكر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأنجاد، وسمحائها الأجواد، لتهز أنفسها إلى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيم، فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعراً ؛ لأنهم شعروا به، أى: فطنوا ([4]).
" وإنما أوردت هذه العبارة لأشير إلى أن ورودها فى تضاعيف الكلام يوهم أنها لابن رشيق، وإنما هى عبارة عبد الكريم وأمثلة هذا كثيرة فى الكتاب " ([5]).
ثم هو يرد على المحتجين للنثر بأن القرآن لم يجئ منظوماً، وكأنه يضع نصب عينيه حديث المرزوقى، وردّه عليه غاية فى الدقة:
إذ يرى أن مجئ القرآن منثوراً أظهر فى الإعجاز لقوم شعراء، وهو ليس بشعر، كما أنه أعجز الخطباء وليس بخطبة والمترسلين وليس بترسيل، غير أن العرب حين حاروا فى أمره سموه شعراً لما فى قلوبهم من هيبة الشعر وفخامته.
الشعر يرفع ويضع:-
إنما قيل فى الشعر " إنه يرفع من قدر الوضيع الجاهل، مثل ما يضع من قدر الشريف الكامل، وإنه أسنى مروءة الدنى، وأدنى مروءة السرى " ([6]) لأمر ظاهر غاب عن بعض الناس فتأوله أشد التأويل، وظنه مثلبة وهو منقبة، وذلك أن الشعر لجلالته يرفع من قدر الخامل إذا مُدح به، مثل ما يضع من قدر الشريف إذا اتخذه مكسباً، كالذى يؤثر من سقوط النابغة الذبيانى بامتداحه النعمان بن المنذر، وتكسبه عنده بالشعر، وقد كان أشرف بنى ذبيان هذا، وإنما امتدح قاهر العرب، وصاحب البؤس والنعيم ([7]).
وقد حكى أن امرأ القيس نفاه أبوه لما قال الشعر، وغفل أكثر الناس عن السبب، وذلك أنه كان خليعاً، متهتكاً، شبب بنساء أبيه، وبدأ بهذا الشر العظيم، واشتغل بالخمر والزنا عن الملك والرياسة، فكان إليه من أبيه ما كان، ليس من جهة الشعر، لكن من جهة الغى والبطالة، فهذه العلة وقد جازت كثيراً من الناس ومرت عليهم صفحاً " ([8]).
وبهذه الحيوية فى المناقشة والدفاع عن الشعر أثبت ابن رشيق قدرته الفذة، وفند كل ما جاء به المرزوقى على مراحل، مع إيراد للأمثلة الموضحة، هذا دون أن يذكر اسم المرزوقى مرة واحدة.
باب فى القدماء والمحدثين:- ([9])
لم
يأت ابن رشيق بشئ جديد فى قضية المقارنة بين القدماء
والمحدثين، بل أورد أمثلة لمن كانوا يتعصبون للقديم كأبى عمرو بن العلاء، وابن
الأعرابى، ومن آمنوا بالتسوية والحكم للجودة كابن قتيبة.
واقتبس رأى ابن وكيع فى التفرقة بين القدامى والمحدثين وتشبيه الشاعر المحدث بالمغنى ذى الصوت الجميل.
يقول:
" كل قديم من الشعراء فهو محدث فى زمانه بالإضافة إلى من كان قبله، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: لقد أحسن هذا المولد حتى هممت أن أمر صبياننا بروايته، يعنى بذلك شعر جرير والفرزدق، فجعله مولداً بالإضافة إلى شعر الجاهلية والمخضرمين، وكان لا يعد الشعر إلا ما كان للمتقدمين.
قال الأصمعى: جلست إليه ثمانى حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامى، وسئل عن المولدين فقال: ما كان من حسن فقد سبقوا إليه، وما كان من قبيح فهو من عندهم، ليس النمط واحداً: ترى قطعة ديباج، وقطعة مسيح " ([10]).
وقطعة تطع، هذا مذهب أبى عمرو وأصحابه: كالأصمعى، وابن الأعرابى – أعنى أن كل واحد منهم يذهب فى أهل عصره هذا المذهب، ويقدم من قبلهم – وليس ذلك الشئ إلا لحاجتهم فى الشعر إلى الشاهد، وقلة ثقتهم بما يأتى به المولدون، ثم صارت لجاجة.
فأما ابن قتيبة فقال: لم يقصر الله الشعر والعلم والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خص قوماً دون قوم، بل جعل الله ذلك مشتركاً مقسموماً بين عباده فى كل دهر، وجعل كل قديم حديثاً فى عصره ([11]).
ثنائية اللفظ والمعنى:-
عند تناوله ثنائية اللفظ والمعنى أورد عبارة ابن طباطبا: "اللفظ جسم، وروحه المعنى، وارتباطه به كارتباط الروح بالجسم يضعف بضعفه، ويقوى بقوته، فإذا سلم المعنى واختل بعض اللفظ كان نقصاً للشعر وهجنة عليه، كما يعرض لبعض الأجسام من العرج والشلل والعور وما أشبه ذلك، من غير أن تذهب الروح، وكذلك إن ضعف المعنى واختل بعضه كان للفظ من ذلك أوفر حظ، كالذى يعرض للأجسام من المرض بمرض الأرواح، ولا تجد معنى يختل إلا من جهة اللفظ، وجريه فيه على غير الواجب، قياساً على ما قدمت من أدواء الجسوم والأرواح، فإن اختل المعنى كله وفسد بقى اللفظ مواتا لا فائدة فيه، وإن كان حسن الطلاوة فى السمع كما أن الميت لم ينقص من شخصه شئ فى رأى العين، إلا أنه لا ينتفع به ولا يفيد فائدة، وكذلك إن اختل اللفظ جملة وتلاشى لم يصح له معنى ؛ لأنا لا نجد روحاً فى غير جسم ألبتة ([12]).
المطبوع والمصنوع:-
يقول: ومن الشعر مطبوع ومصنوع، فالمطبوع هو الأصل الذى وضع أولاً، وعليه المدار، والمصنوع وإن وقع عليه هذا الاسم فليس متكلفاً تكلف أشعار المولدين، لكن وقع فيه هذا النوع الذى سموه صنعة من غير قصد ولا تَعَمُّل، لكن بطباع القوم عفواً، فاستحسنوه ومالوا إليه بعض الميل، بعد أن عرفوا وجه اختياره على غيره، حتى صنع زهير الحوليات على وجه التنقيح والتثقيف...
ثم نراه يقول رأيه فى أبى تمام والبحترى وابن المعتز ومسلم بن الوليد: " واستطرفوا ما جاء من الصنعة نحو البيت والبيتين فى القصيدة بين القصائد، يستدل بذلك على جودة شعر الرجل، وصدق حسه، وصفاء خاطره، فأما إذا كثر ذلك فهو عيب يشهد بخلاف الطبع، وإيثار الكلفة، وليس يتجه ألبته أن يتأتى من الشاعر قصيدة كلها أو أكثرها متصنع من غير قصد، كالذى يأتى من أشعار حبيب والبحترى وغيرهما. وقد كانا يطلبان الصنعة ويولعان بها:
فأما حبيب فيذهب إلى حزونة اللفظ، وما يملأ الأسماع منه، مع التصنيع المحكم طوعاً وكرهاً ن يأتى للأشياء من بعد، ويطلبها بكلفة، ويأخذها بقوة. وأما البحترى فكان أملح صنعة وأحسن مذهباً فى الكلام، يسلك منه دماثة وسهولة مع إحكام الصنعة وقرب المأخذ، لا يظهر عليه كلفة ولا مشقة، وما أعلم شاعراً أكمل ولا أعجب تصنيعا من عبد الله بن المعتز ؛ فإن صنعته خفية لطيفة لا تكاد تظهر فى بعض المواضع إلا للبصير بدقائق الشعر، وهو عندى ألطف أصحابه شعراً، وأكثرهم بديعاً وافتنانا، وأقربهم قوافى وأوزانا، ولا أرى وراءه غاية لطالبها فى هذا الباب. غير أنا لا نجد المبتدئ فى طلب التصنيع ومزاولة الكلام أكثر انتفاعاً منه بمطالعة شعر حبيب وشعر مسلم ابن الوليد، لما فيهما من الفضيلة لمبتغيها، ولأنهما طرّقا إلى الصنعة ومعرفتها طريقة سابلة وأكثرا منها فى أشعارهما تكثيرا سهلها عند الناس، وجسر هام عليها. على أن مسلماً أسهل شعراً من حبيب، وأقل تكلفا، وهو أول من تكلف البديع من المولدين، وأخذ نفسه بالصنعة، وأكثر منها، ولم يكن فى الأشعار المحدثة قبل مسلم صريع " الغوانى " إلا النبذ اليسيرة، وهو زهير المولدين كان يبطئ فى صنعته ويجيدها ([13]).
ويظل ابن رشيق كاتبا وناقداً متميزاً يستثير القارئ ويجذبه إليه، دون ملل وسر هذا التميز كامن فى:
1- طرافة التجربة:
فهو يقترب من قلب القارئ بأن يقص عليه تجاربه فى الصنعة الشعرية. فمن ذلك قوله فى كيفية عمل القصيدة:
" والصواب أن لا يضع الشاعر بيتاً لا يعرف قافيته، غير أنى لا أجد ذلك فى طبعى جملة ولا أقدر عليه، بل أصنع القسيم الأول على ما أريده ثم التمس فى نفسى ما يليق به من القوافى بعد ذلك فأبنى عليه القسيم الثانى، أفعل ذلك فيه كما يفعل من يبنى البيت كله على القافية، ولم أر ذلك بمخلٌ علىّ ولا يزيحنى عن مرادى، ولا يغير على شيئاً من لفظ القسيم الأول إلا فى الندرة التى لا يعتد بها أو على جهة التنقيح المفرط " ([14]).
2- الجرأة:
وهى تتمثل فى مخالفته للآراء المألوفة المروية عن كبار النقاد، كما تتمثل فى أحكام له لا يخاف من الجهر بها.
فمن النوع الأول:-
" ومن الناس من يستحسن الشعر مبنياً بعضه على بعض وأنا أستحسن أن يكون كل بيت قائما بنفسه لا يحتاج إلى ما قبله ولا إلى ما بعده، وما سوى ذلك فهو عندى تقصير إلا فى مواضع معروفة مثل الحكايات وما شاكلها فإن بناء اللفظ على اللفظ أجود هنالك من جهة السرد ".
ومع أن هذا الرأى قد يفضى فى النهاية إلى ضياع الوحدة الظاهرية فى القصيدة فإن الذى يريده ابن رشيق هو استقلال كل بيت مع وجود الوحدة العامة، أى الاستقلال الظاهرى والوحدة الداخلية – وإن لم يستعمل هذا المصطلح –
ومن النوع الثانى:-
تفضيله الصورة الحضرية لتشبيه البنان بقضبان من الدر على تشبيه البنان بالأساريع: " وكأنى أرى بعض من لا يحسن إلا الاعتراض بلا حجة قد نعى على هذا المذهب وقال: رد على امرئ القيس، ولم أفعل، ولكنى بينت أن طريق العرب القدماء فى كثير من الشعر قد خولفت إلى ما هو أليق بالوقت وأشكل بأهله ".
ولهذا نجده ينصح المعاصرين بأن يختاروا للوصف الموضوعات الحضرية الموجودة فى بيئتهم كصفات الخمر والقيان وما شاكلها ثم صفات البرك والقصور وصفات الجيوش وما اتصل بها.. الخ.
3- طرافة الرأى:
كحديثه عن الصلة بين الفقر والشعر: " والفقر آفة الشعر، وإنما ذلك لأن الشاعر إذا صنع القصيدة وهو فى غنى وسعة نقحها وأنعم النظر فيها على مهل، فإذا كان مع ذلك طمع غنى قوى انبعاثها من ينبوعها وجاءت الرغبة بها فى نهايتها محكمة، وإذا كان فقيراً مضطراً رضى بعفو كلامه وأخذ ما أمكنه من نتيجة خاطره ولم يتسع فى بلوغ مراده ولا بلوغ مجهوده نيته.. ومنهم من تحمى الحاجة خاطره وتبعث قريحته فيجود فإذا أوسع أنف وصعب عليه عمل الأبيات اليسيرة فضلاً عن الكثيرة، وللعادة فى هذه الأشياء فعل عظيم، وهى طبيعة خامسة كما قيل فيها.
4- تأثره بالإقليمية رغم ثورته عليها:
من خلال صورة أوردها لا مرئ القيس عرفنا أن ذوقه كان حضرياً، ولذا كان يحاول أن يخضع النقد لما تتطلبه الحاضرة التى يعيش فيها، فبعد أن بين أثر الحاضرة.
والبادية فى النسيب واختلاف كل منهما عن الأخرى، استنكر أن يذكر ابن الحاضرة ركوب الناقة إلى الممدوح.
" وليس فى زماننا هذا ولا من شرط بلدنا خاصة شئ هذا كله.. لاسيما إذا كان المادح من سكان بلد الممدوح يراه فى أكثر أوقاته، فما أقبح ذكر الناقة والقلاة حينئذ ".
5- اتساع نطاق الفهم النفسى لوظيفة الشعر:
فهو
لا يكتفى بذكر ما ذكره السابقون من أثر نفسى لمقدمة القصيدة، وإنما يشير إلى أن
هذا الأثر لابد من أن يبلغ بالنفس منزلة الارتياح والسكنة بإيراد الخاتمة الصالحة
" ومن العرب من يختم القصيدة فيقطعها والنفس بها متعلقة وفيها راغبة مشتهية،
ويبقى الكلام مبتوراً كأنه لم يتعمد جعله
خاتمة " ([15]).
6- إيمانه بقيمة التجربة الحسية:
وهذا جعله يرى أن التشبيه أصعب شئ فى الشعر، يقول:
" وإنما خصصت التشبيه لأنه أصعب أنواع الشعر وأبعدها متعاطى... وصفة الإنسان ما رأى يكون لا شك أصوب من صفته ما لم ير، وتشبيهه ما عاين بما عاين أفضل من تشبيهه ما أبصر بما لم يبصر " ([16]).
تلك مميزات إذا أضيفت إلى طريقته السهلة اليسيرة المشوقة فى عرض الآراء والموضوعات، جعلت من ابن رشيق ناقد متفرداً بين نقاد عصره.
&
([1]) من بلغاء القيروان وأبنائها الحسن بن رشيق، أحد البلغاء الأفاضل، ولد بالمسيلة، وتأدب بها قليلاً، ثم ارتحل إلى القيروان سنه ست وأربعمائة. كذا قال ابن بسام، وقال غيره: ولد بالمحمدية سنة تسعين وثلاثمائة، وأبوه مملوك رومى من موالى الأزد، وتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وكانت صنعة أبيه فى بلده المحمدية الصياغة، فعلمه أبوه صنعته، وقرأ الأدب بالمحمدية، وقال الشعر، وتاقت نفسه إلى التزيد منه وملاقاة أهل الأدب، فرحل إلى القيروان، واشتهر بها، ومدح صاحبها " المعز بن باديس بن المنصور " ولم يزل بها إلى أن هجم العرب عليها وقتلوا أهلها وخربوها، فانتقل إلى صقلية وأقام بمازر إلى أن مات، واختلف فى تاريخ وفاته قال ابن خلكان: قيل سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وقيل: إنه توفى ليلة السبت غرة ذى القعدة سنة ست وخمسين.
راجع / مقدمة كتاب العمدة / 10.