المحاضرة السابعة ن
3- التجربـــة الشعريـــة
التجربة الشعرية من التعبيرات المستحدثة فى مصطلحات النقد الأدبى الحديث، ولم يرد فى النقد العربى القديم هذا المصطلح، وإن كان مضمونه كما يفهم منه حديثاً لم يغب عن نقادنا العرب قديماً.
كما ورد هذا اللفظ فى حديث ابن طباطبا عن أشعار العرب وما أودع فيها من معان شعرية، فقال: " واعلم أن العرب أودعت أشعارها من الأوصاف والتشبيهات والحكم ما أحاطت به معرفتها، وأدركه عيانها، ومرت به تجاربها. "
فالحكم التى وردت فى أشعار العرب هى ناتج التجربة التى مرت بها، أما الأوصاف والتشبيهات فهى ما أحاطت به معرفتها وأدركه عيانها.
هذا عن اللفظ، أما عن معنى التجربة الشعرية فإن مدلولها فى النقد الحديث عبارة عن " الصورة الكاملة النفسية أو الكونية التى يصورها الشاعر حين يفكر فى أمر من الأمور تفكيراً ينم عن عميق شعوره وإحساسه. وفيها يرجع الشاعر إلى اقتناع ذاتى، وإخلاص فنى، لا إلى مجرد مهارته فى صياغة القول ليعبث بالحقائق أو يجارى شعور الآخرين لينال رضاهم..
والشاعر الحق هو الذى تتضح فى نفسه تجربته، ويقف على أجزائها بفكره ويرتبها ترتيباً، قبل أن يفكر فى الكتابة ([1]) بمعنى أن تكون واضحة المعالم متميزة الأجزاء فى نفسه وكل جزء يقود إلى أخيه، ولا يمكن أن يقوم جزء تال بدون سابقه ؛ لأنه هو الذى يفضى إليه، وليس بين جزء وجزء ثغرات ولا وهاد ولا عوائق بأى شكل من الأشكال، بل الأجزاء تتعاقب متسلسلة، وكل جزء يغاير صاحبه، ولكن لا المغايرة التى تفصله منه وتجعله نابيا عنه، فبينهما أو بين الأجزاء جميعها وحدة تجعل منها كلاً واحداً أو تجربة واحدة ([2]).
وكل ما فى الحياة من حوادث ومواقف ومشاهد، صالح لأن يكون تجربة شعرية، متى شد انتباه الشاعر وتأمله، ولمس عواطفه ومشاعره، غير أن خطير الأمور يكون أحفل بالمشاعر المنوعة والتأمل العميق، فيكون زاخراً بالصور والألوان والظلال.
ـ روافــد التجربــة:
ويمد التجربة رافدان أساسيان هما: العواطف والأفكار. فالتجربة الشعرية ليست مجموعة من المعانى المتناثرة يفرغها الشاعر فى قوالب من الشعر، إنما هى مجموعة من المعانى يوقعها الشاعر فى نفسه، ويشبعها من وجدانه، ويفيض عليها من مشاعره وإحساساته. فتخرج عملاً فنياً رائعاً منبثقا من وجدانه. أما الأفكار فهى التى تشرف على الأحاسيس وتنظمها، وينبغى للشاعر أن يحترس من العقل ولا يغلبه على شعره، فيخرجه من دوائر الشعر إلى دوائر النثر.
ومهما قيل عن صلاحية إحداهما للشعر وعدم صلاحية الأخرى لـه، فكلتاهما لا يستغنى عنهما الشاعر.
وحتى تخرج التجربة الشعرية إلى النور عملاً شعرياً تاماً فثمة أمور كثيرة تستوفيها ([3]):
1- أن تتضح فى نفس الشاعر عناصرها، وأبعادها ومعالمها فيلم بها إلماما تاما، حتى تكتمل هيئتها، ويتم تكوينها، فهو الذى يذوق حلاوة كأس الفن ومرارتها، قبل أن ينطلق من قفص نفسه، فيخوض عباب الحياة ويستغرقها، ويتغذى من رحيقها، كالزهرة تنبت وتنور فى الحقول التى أودع الله فيها ناموس الحياة، كالزهرة المصنوعة فى بيت الزجاج.
2- أن يقف فكره فيها إلى جانب خياله، يرتب عناصر تجربته، ويلحم أجزاءها، لتبدو كائنا سويا، لكل عنصر وجزء فيه مكانه المحدد، ودوره المرسوم، وإلا جاءت التجربة هيكلا مشوهاً، وبناء مختلا.
3- أن يظهر فيها عنصر الصدق والاقتناع النفسى للشاعر، فتجىء تعبيراً أمينا عن شعوره ووجدانه، لأن ذلك الصدق هو الذى يمنحها القوة والقدرة على إثارة المتذوق والتأثير فيه، وكلما علا روح الشاعر وارتقى شعوره وصدق وجدانه، فرض وجوده على أدوات العمل الفنى من ألفاظ وعبارات وصور، وفى هذا أصالة، وفيه أيضاً مصدر للذة والإحساس بالجمال. ولا يراد بصدق التجربة مطابقتها للحقيقة والواقع، فإنما هذه من شأن التجارب العلمية، أما التجارب الشعرية فصدقها فى مطابقتها لوجدان الشاعر، وتعبيرها عن حقيقة مشاعره وانطباعاته ؛ فإذا خلت التجربة من هذا الصدق كانت زيفاً وبهرجا، وسقطت قيمتها.
4- أن يكون وراء التجربة مغزى، يفيد الحياة شيئا، ويبرر تعب الأديب فى تصويرها، والمتذوق فى تذوقها، فالتجارب القيمة الناجحة، هى التى تمد الإنسانية بشىء جديد ومفيد، وإلا كانت عبثا لا خير فيه، وعبئا على الفن.
5- ضرورة أن توضع التجربة فى صياغة فنية متكاملة لأنها الطريق إلى إبراز المشاعر، والصور الخيالية بكل ما تحمل من إيحاء وتأثير. ومن الضرورى أن تكون تلك الصياغة قادرة فى لغتها، وفى صورها، وفى إيقاعاتها، وتكون قدرتها مرتبطة بشخصية الشاعر ومشاعره، حتى تبدو مرآة نفسه، ومجلى ذاته ومظهر شخصيته الفنية ([4]).
ـ أنواع التجـارب الشعريـة:
مجال التجربة الشعرية غير محدود، فكل ما فى الحياة صالح لأن يكون مادة للآدب، ولا حظر على الشاعر فى أن يتناول ما يشاء ما دام يشعر أن ذلك صالح لأن يعبر فيه تعبيراً أدبياً، يسجل فيه خواطر نفسه، وتأمل فكره، وإحساس قلبه.
وليس شرطاً فى التجربة أن تكون تجربة شخصية وقعت للشاعر حقاً، وعاناها بنفسه، فإن هذا الشرط يُضِّيق من مجال الأدب والشعر، وينضب موارده، ويجعله لا يستقى إلا من معين قريب الغور، ضيق الأرجاء، ويجعل الشاعر واقفاً مكتوف اليدين، إزاء أحداث ومواقف لم تحدث لـه، ولكنه يستطيع بخياله أن يشارك فيها، وأن يخرجها بحذقه ومهارته كأنها وقعت لـه، والأديب ذو الخيال الخصب يستطيع أن يخلق تجارب قد تكون أعمق صدقاً وأكثر غنى من واقع الحياة.
فالشاعر إذا كان موهوباً استطاع بقوة خياله أن يخلق فى نفسه الجو الشعرى الذى يريده، ومتى خلق هذا الجو استطاع أن ينقل إحساساته إلى أى موضوع.
ولا مفر من الاستعانة بالتأمل والخيال والملاحظة فى التأليف الشعرى وصوغ التجارب.
وعلى هذا الأساس من الحرية فى طرق الشاعر لموضوع من الموضوعات يصح أن تتنوع التجارب الشعرية، كما يرى الدكتور محمد مندور إلى:-
1- تجربة شخصية : وهى التى تسوقها للأديب أحداث الحياة، وليست هى التى يفتعلها الأديب افتعالاً.
2- تجربــة تاريخيـة: وهى التى تؤخذ من أحداث التاريخ وتجارب البشر فيه، فباستطاعة الأديب أن يتخير منها ما شاء، ويجعله موضوعاً ومادة لأدبه، بحيث يحول الخاص إلى شىء عام، ويجعل منه أمراً إنسانياً عاماً، يستطيع كل إنسان أن يرى فيه نفسه، دون التقيد بالتفصيلات التاريخية والاكتفاء بالخطوات العامة، ومن هذا المستقى التاريخى كانت أعمال شكسبير الأدبية الخالدة مثل " هملت " و " مكبث " و " يوليوس قيصر " و " الملك لير "، فقد خرج بها من واقع زمنها الخاص إلى مجال الإنسانية والنفس البشرية العام.
3- تجربة اجتماعية: وهى ما يأخذه الأديب أو الشاعر من محيطه الاجتماعى المعاصر من أحداث ووقائع، وهو فى تصويره لها يعتمد على الخيال والملاحظة، وليس من الضرورى أن ينغمس فيها بشخصه لكى يحسن تصويرها بل ربما كان النظر من بعيد أدعى لنفاذ الرؤية والوقوع على الصواب، والأديب الحق هو الذى يستطيع أن يتحدث عن آلام الحرمان ومشتقات البؤس دون أن يخبر بنفسه بالفعل هذا الحرمان ؛ لأن ذلك يدل على قوة البصيرة ونفاذ الخاطر، وشفافية الحس، وكم من محروم أو بائس يحس فى لحمه ودمه آلام البؤس والحرمان، ومع ذلك لا يستطيع أن يصوغ تجربته أدباً، ولا أن ينظمها كلاماً لأنه لا يملك القدرة الأدبية اللازمة لهذه الصياغة.
4- تجربـة أسطوريـة : وهى التى تحدثنا عن
موقف الإنسان من قوى
الطبيعة، وما فى الكون من كائنات خيالية وواقعية، وباستطاعة الأديب أن يأخذ من هذه
الأساطير والمعتقدات الشعبية الشائعة، ما يجعله ماده لأدبه، بشرط أن يكون لـه من
الخيال القوى ما يستطيع به أن يجسِّم الرموز، وأن يحولها إلى كائنات بشرية تحس
وتتألم وتفكر، كما فعل توفيق الحكيم حين اتخذ من أسطورة " بجماليون "([5]) رمزاً لتجربة بشرية عاتية، تقص مأساة الفنان الذى يتأرجح بين جاذبية الحياة،
والنزعة الفنية التى تريد عزله فى محراب الفن.
5- تجربـة خياليـة : وهى التجربة التى لم يستطع الأديب أن يعيشها أمراً واقعاً، مغاشها خيالاً، فالشاعر الذى لم تواته الفرصة لكى يعشق ويحس العشق والغرام، قد يستطيع بخياله أن يعيش هذه التجربة فى أدبه.
والتجارب من هذا النوع تحتاج إلى قوة فى الخيال تستطيع أن تجسم التجربة، وأن تصورها فى وضوح، وهنا نحس بصدق الأديب فى أدبه إحساساً فنياً لا يقل قوة عن إحساسنا فيما لو تحدث عن تجربة واقعية.
* وليس معنى هذا أن الشاعر مطالب بالخوض فى هذه التجارب جميعها، وإنما هى وجهة نظر تريد أن توسع من معنى التجربة لتتجاوز بها المدلول الشخصى الضيق حتى تشمل:
عالم الواقع، وعالم الخيال، وعالم الشخص، وعالم الإنسان.
ومن التجارب الشعرية التى تنم عن التصوير الصادق، وعمق المعنى مما يجعلنا نقف أمامها نستوعب جمالها قصيدة " عقوق " ([6]) للشاعرة علية الجعار.
وهى تجربة إنسانية ذاتية عاشتها الشاعرة بمشاعرها وإحساساتها، فقد وقعت فى نفس الشاعرة، وتشبع بها وجدانها، ففاضت فى نفسها أصدائها، وصاغتها فى عبارات ومعانى تكشف عن حدث وجدانى.
والتجربة الشعرية التى بين أيدينا حالة إنسانية أحستها الشاعرة وعايشتها معايشة عميقة حتى استبانت لها بجميع دقائقها وتفصيلاتها فهى تجربة شعرية صادقة نابعة من ذات ووجدان ومشاعر أم باتت تنتظر وليدها الذى حملته فى أحشائها وتحملت من أجله ولأجله متاعب لا حصر لها على أمل أن تختفى أسقامها وهمومها بقدومه، وتحول الكون بمجيئه روضة، وباتت ترضعه حنانها وحياتها، وتصارع وحشة العيش بإيمانها، تبعد عنه مر الحياة حتى لا يذوق سوى حلوها، وترضى من الدنيا الكفاف حتى يتقلب وحيدها فى أحضانها، فقد عصرت حياتها قطرة بعد قطرة حتى يرتوى غصنها، فعلت كل هذا من أجل وليدها الصغير الضعيف الذى كان لا يقوى على الحياة بدونها، فلما صار كبيراً قوياً فماذا كان جزاؤها، كان جزاؤها العقوق الذى أدمى قلبها ومع ذلك إذا أصاب غصنها حتى مرور النسيم أنبت هذا النسيم الذى أصاب فلذة كبدها.
إنها الأم التى أوصى بها الله سبحانه وتعالى ورفع قدرها وأبان الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن قيمتها ومقدارها، ولا يلزم أن تكون الشاعرة قد عانت التجربة بنفسها حتى تصفها، بل يكفى أن تكون قد لاحظتها، وعرفت بفكرها عناصرها، وآمنت بها. " ولابد أن تعينها دقة الملاحظة، وقوة الذاكرة، وسعة الخيال، وعمق التفكير حتى تخلق هذه التجربة الشعرية التى تصورتها من قرب، على حين لم تخض غمارها بنفسها " ([7]).
تقول الشاعرة:
حملتك
فى الأحشاء عبئاً محبباً |
|
فلا
ضاق جسم بات بالحمل متعبا |
وتعتبر القصيدة نداء لكل عاق أن يدرك نفسه، ويعيدها إلى صوابها.
وهى وإن كانت تجربة ذاتية، إلا أن الشاعرة نفذت من خلالها إلى تجربة إنسانية عامة، والشاعر الحق هو الذى يستطيع أن ينفذ من خلال تجربته الذاتيه إلى تجربة إنسانية عامة تتراءى من ثنايا شعوره وإحساسه، فهو لا يحصر نفسه فى نطاق التجربة الخاصة.
" فليس معنى التجربة الذاتية أنها مقصورة على حدود المعبر عنها، بل هى إنسانية بطبيعتها، إذ أن جهد الشاعر منصرف إلى التعبير عن مشاعره بعد أن يتمثلها، وهو لا يحاول نقلها على حالتها الطبيعية، وإلا ندت عن حدود الأدب والشعر، بل يراها بفكره، ويتأملها، ويحولها إلى مادة تعبيرية، عن جهاد وعمل ومثابرة، لا عن مجرد استسلام للخيال والأحلام، ولهذا يرى " كروتشيه " أن التعبير " الذاتى " فى الشعر الغنائى موضوعى بطبيعته ؛ لأن الشاعر يجعل ذاته موضوعية، وكأنه يتأملها فى مرأة فتعبيره ذاتى فى نشأته، ولكنه موضوعى فى عاقبة تعبيره عنه، وهذا التعبير شخصى فى تصوير مشاعر صاحبه، ولكنه عالمى فى صورته الشعرية. وهو بذلك محدد لا محدد معاً، إذ أنه إنسانى عالمى فى نزعته، على أن الشعر لا يفقد ـ بعد ذلك ـ مقومات الشخصية، إذ الشاعر فرد فى بيئة وموقف معينين ([8]) ".
وهناك تجارب ذاتية تحتل ذروة الفن لامتداد ظلالها إلى الخارج واصطباغها بصبغة عامة، وإعرابها عن حقائق نفسية حقيقية عامة ([9]).
ومن تجارب الشعر الأصيل تجربة ابن الأنبارى فى وصف حال الوزير المصلوب، انظر إليه كيف تأمله، وانفعل بصورته واقفا فى العراء، عريانا مهينا، بعد أن كان يراه فى سلطانه جليلا مهيباً، فتمثل صورة الماضى والحاضر، وحلقت به أجنحة الخيال المبدع، فرأى صورة الحاضر امتداداً حقيقياً لصورة الماضى، تخلع على الرجل لباس المجد والهيبة، وهكذا صير الإهانة كرامة، والاحتقار مهابة وجلالة. يقول:
علو
في الحياة وفي المماتِ |
|
لحق
أنت إحدى المعجزات |
وهى من التجارب النادرة الغربية، فقد جال خيال الشاعر فيها جولانا عجباً، فقد عكس على الصالب ما أراد بالمصلوب ؛ حتى جعله يتمنى أن يكون هو المصلوب، ليظفر بالصفات الجليلة والخصال الحميدة التى خلعها الشاعر على هذا الوزير المصلوب، فالموت الذى من شأنه أن يطرح الناس على جنوبهم فى الأرض، لم يستطع أن يطرحه فيها، بل ظل واقفا منتصبا فى علو، والناس الذين طالما وقفوا لـه إجلالا، ينتظرون عطاءه وجوده، أو يستمعون خطابه لا يزالون وقوفا حوله، فى مشهد لم يتغير، وبطن الأرض لم يتسع لأمجاده، فكان فى الجو ما يتسع لها، والرياح التى كان يساميها جوداً وانطلاقا، هى وحدها التى تستطيع أن تنسج لـه أكفانه فى رحابها.
ومن التجارب التى تمكن شاعرها من تصويرها تصويراً فنياً جميلاً، من ناحية الصياغة، والأسلوب، والصور والموسيقى، وواءم بين هذه العناصر كلها فخرجت تجربة رائعة، نقلها إلينا نقلا موحياً. قصيدة " أنت منى ولكن ([10]) " للشاعر محمد عبدالرحمن صان الدين وهى تجربة ندرك من خلالها موقف الشاعر من المرأة فى العصر الحديث، فهى صراخ رجل ثائر على أوضاعها يريد لها الكمال لتكون لبنة طيبة فى بناء مجتمع قوى، إنطلاقا من إيمانه بأهمية دورها كأم وربة بيت، وبإعدادها إعداداً صالحاً ؛ لأنها الأساس الذى يقوم عليه الاصلاح. لذا فقد تحركت عاطفة الشاعر لدعوة المرأة إلى الاحتشام وترك التبرج والبعد عن مواضع الفتنة والإغراء، والتمسك بآداب الدين، كما دعاها إلى عدم مخالطة الرجال ؛ لأنها إحدى صور الفساد، ونادى بعودتها إلى بيتها لتؤدى دورها الذى أراده الله لها.
والقصيدة تتسم بوحدة الموضوع، ووحدة الفكرة فيه ووحدة المشاعر التى تنبعث فيه، وقد كان لهذه الوحدة أثر فى صور الشاعر وأخيلته. والقصيدة طويلة. منها:
حواء
يا هيفاء يا غيداء يا نصف الحياة |
وفى فقرة ثانية يصف كيف أنها خدعت بالدعوات الهدامة التى تدعوها إلى مزاحمة الرجال، وتجرها إلى حمل عبئين معاً: عملها خارج البيت وداخله يقول:
خدعوعوك يا بلهاء حتى استنزلوك من
السماء
|
وقد جاءت عاطفة الشاعر مفعمة بالصدق الممتزج بالمشاعر والأحاسيس الفياضة.
كما دلت تجربة الشاعر على أن الباعث لها هو تفاعل الشاعر مع قضايا وهموم مجتمعه الإسلامى المصرى..
فما أروعها من تجربة انبثقت من نفس شاعر، فعاشها متأملا فاسحاً المجال لخياله ولملكاته الشعرية فى التعبير والإيقاعات الموسيقية حتى أخذت صورتها الشعرية الدقيقية التركيب.
[1] ) انظر النقد الأدبى الحديث / 363 .
[2] ) انظر فى النقد الأدبى /د/ شوقى ضيف /ط الخامسة / دار المعارف /139 .
[3] ) راجع اتجاهات وآراء فى النقد الحديث / 39 وما بعدها .
[4] ) انظر قضايا النقد الأدبى الحديث / 85 ، 86 .
[5] ) والأسطورة القديمة تحكى أن بجماليون ملك قبرص كان مثالا بارعاً وذات يوم عزم على أن يصنع صورة لفتاة صغيرة غاية في الجمال . وقد أطلق عليها اسم " جالاتيا " فلما راعه جمال ما صنعت يداه توسل إلى " أفروديت " إلهة الحب أن تنفث نفثة الحياة في الرخام البارد . ويبدو أن " أفروديت " قد أحست بالارتياح بقدر إحساسها بالانتصار إزاء هذا التغيير في الرأى من جانب الإنسان الفانى الذى كان حتى تلك اللحظة برهانا ضد نفوذها . = =وذات يوم تحركت نفس بجماليون لتقبيل شفتى التمثال . وفى تلك اللحظة نفثت إلهة الحب نفثة الحياة في الجسم المقدودوقد أثبتت جالاتيا أنها من حيث هي كائن حى أكثر جمالا منها عندما كانت عملا فنياً . ومع مرور الوقت صار بجماليون زوجاً لها .
[6] ) ديوان على أعتاب الرضا / 45 ـ 48 .
[7] ) انظر النقد الأدبى الحديث / 364 ، 365 .
[8] ) المرجع نفسه / 361 .
[9] ) انظر الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث / مصطفى عبداللطيف السحرتى ط / مطبعة المقتطف والمقطم / 1948م / 44 .
[10] ) ديوان أعاصير وأنسام / 171 ـ 176 .
[11] ) السمهرى : المعتدل كالرمح .