المعتـــــمد بن
المعتـــــمد وابن عمــــــار
والرســــائل المتبادلـــــة
كانت حياة المعتمد عجيبة حقاً، منذ أن كان أميراً وعاملاً لأبيه ( المعتضد )على "شلب" وحاكماً على إقليم الجوف البرتغالي كله، وهناك طابت له الأيام في صحبة صديقه الحميم أبي بكر بن عمار
ويسمع المعتضد بسيرة ولده، وما يقوم به من أفعال في تلك المدينة، ويعزو ما طرأ على سلوكه إلى رفقة شاعره الجديد أبي بكر بن عمار، فيطلبهما إلى إشبيلية، ويذهبان معاً، فيرغم الأب ولده على أن يلزم مجلسه ويباعد بينه وبين ابن عمار.. ولكن ما بينهما من صداقة وود.. يدفعهما إلى التسلل والتجوال معاً في مغاني إشبيلية، حتى عادت سيرتهما مع حسناوات المدينة الساحرة ثانية.. وتصل الأخبار إلى أسماع المعتضد، فيأمر بترحيل ابن عمار إلى شلب منفياً، على ألا يغادرها مطلقاً..!! فيكتب أبياتاً يودع بها صديقة :
سكّن فؤادك لا تذهب بـك الفـكر
ماذا يعيد عليك البث والحـذر
وازجر جفونك لا ترضى البكاء لها
واصبر فقد كنت عند الخطب تصطبر
وإن يكن قدرٌ قد عاق عـن وطـرٍ
فلا مـرد لـما يأتـي بـه القـدر
كم زفرة من شغاف القلب صاعدة
وعبرة عن شـؤون العيـن تنحـدر
رضاك راحة نفسي لا فجعت بـه
فهو العتـاد الـذي للـدهـر أدّخـر
: وبينما كان ابن عمار في مدينة شلب تصله قصيدة المعتمد التي يرد بها عليه
ألا حييّ أوطاني بشـلب أبـا بكـر
وسلهن هل عهد الوصال كما أدري؟
وسلّم على قصر الشراجيب من فتىً
له أبداً شـوق إلى ذلـك القصـر
وليل بسـدّ النهـر لهـواً قطعتـه
بذات سوار مثـل منعطـف البـدر
ويضرب القدر ضربة ظنها الصديقان عودة إلى الماضي القريب السعيد، أيام اللهو والمرح والشباب العابث.. ولكنها كانت بداية لا تنبئ بتلك النهاية التي انتهت إليها.. فقد مات المعتضد.. وقام بالملك من بعده محمد المعتمد..
مـات عبـاد ولكـن بقـي الفـرع الكريـم
فكـأن الميـت حـيّ غيـر أن "الضاد" "ميم"
وكان أول عمل قام به صاحب (الميم) ـ أي المعتمد ـ أن أرسل إلى صديقه ابن عمار الذي لبّى الدعوة بهذه الأبيات:
لبّيـك لبّيـك من منـادٍ له الندى والرحب والندى
هأنا بالبـاب عبـد قنٍّ قبلتـه وجهـك السـني
شرفـه والـده باسـم شرفتـه أنـت والنبـيّ
فغدا ابن عمار وزيره ومدبر دولته
ويصدر ابن عبّاد أوامره إلى صديقه أن يخرج لفتح مرسية وما أن تصير مرسية في يده حتى يثبته المعتمد حاكماً عليها.. وقد كتب له في هذا التعيين أبياتاً :
تغيّر لي فيمـن تغيـر "حارث"
وكل خليل غيّرته الحوادث
أحارث إن شوركت فيك فطالما
نعمنا وما بيني وبينك ثالث
فأجابه ابن عمّار، الذي قرر ألا يعود إلى إشبيلية بأبيات تنبئ عن رغبته هذه :
لك المثل الأعلى وما أنـا "حـارث"
ولا أنا ممن غيّرته الحوادث
ولا شاركتـه الشمـس فيّ وانـه
لينأى بخطى منك ثان وثالـث
فديتك ما للبشر لم يسـر برقـة
ولا نفحت تلك السجايا الدمائث
أظن الذي بينـي وبينـك أذهبـت
حلاوته عنّي، الرجال الخبائث
وهل أنا إلا عبـد طاعتـك التـي
إذا مت عنها قام بعدي وارث؟
ولكن المعتمد لم يكف عن دعوة صديقه إلى العودة.. ولم يكف ابن عمّار عن اعتذاراته.. وقد كثرت بينهما القصائد المتبادلة، حتى يرتكب ابن عمّار خطأً هو أبشع ما يمكن أن يرتكبه صديق في حق صديقه
كانت نار الغيرة تتأجج في صدر ابن عمار، وتوشك أن تنسيه أيادي المعتمد التي امتدت إليه.. حتى أن القصيدة التي بعث بها إليه المعتمد يوماً يمتدحه فيها باعتباره خرج من بيئة غير كريمة كما جاء في هذه الأبيات :
الأكثـرين مسـوّداً ومملـكا
ومتوجاً في سالف الأعصـار
المكثرين من الكبار لنارهـم
لا يوقدون بغيـره للسـاري
والمؤثرين على العيال بزادهم
والضاربيـن لهامـة الجبـار
لما نماهـم للعـلا عمّارهـم
تركوا العداوة قصير الأعمـار
ومرةً أخرى يلح المعتمد على صديقه في العودة إلى إشبيلية بعد أن عيّن لـ مرسية والٍ جديد، ويكون أمر المعتمد هذه المرة، متسماً ببعض الشدة، فيفقد الغضب والخوف ابن عمّار اتزانه، وينسيه حبه لصديقه، وينطلق لسانه في مجلس من مجالسه بقصيدة بالغة العنف موجعة الهجاء، سبّ فيها المعتمد وزوجته الرميكية وأولادهما سبّاً قبيحاً، لا يليق بمنزلة الشاعر ولا بإنسانية الحاكم والصديق..
ويقرأ المعتمد بن عبّاد تلك الأبيات :
ألا حيّي بالغرب حيـاً حـلالاً
أناخوا جمالاً وحازوا جمـالا
وعرّج بيـوميـن " أم القرى "
ونم فعسى أن تراهـا خيـالا
تخيرتها من بنـات الهجـان
رمكيـة ما تسـاوى عقـالا
فجاءت بكل قصيـر العـذار
لئيم النجارين عمـّاً وخـالا
قصـار القـدود و لكـنهـم
أقامـوا عليها قروناً طـوالا
سأهتك عرضك شيئاً فشيئـاً
وأكشف سترك حـالاً فحـالا
حزن ابن عبّاد حزناً شديداً لما آل إليه أمر صديقه من خيانة العهد والتنكر للصداقة.. وقال" أما إنه لو تعرض لي لعفوت عنه بحق الأيام السالفة.. ولكنه تطاول على أولادي وزوجتي:
جراحات السنـان لهـا التئـام
و لا يلتام ما جـرح اللسـان
فامر المعتمد بجلبه في القيود . ويسجن ابن عمّار في غرفة بالقصر الذي شهد مجده أيام حظوته عند المعتمد.. وطال سجنه.. وكثر ما كتب إلى المعتمد من رسائل الاستعطاف حتى كان آخرها :
سجاياك إن عافيت أندى وأسجح
وعذرك أن عاقبت أجلى و أوضح
وإن كان بين الخطتيـن مزيـة
فأنت إلى الأدنى مـن الله تجنـح
حنانيك في أخذي برأيك لا تطع
عدايا ولو أثنـوا عليّ وأفصحـوا
فإن رجائي إن عندك غيـر ما
يخوض عدوى اليوم فيه ويمرحوا
أقلني بما بيني وبينك من رضىً
له نحـو روح الله بـابـاً يفتّـح
ولا تلتفت قول الوشاة ورأيهـم
فكـل إناءٍ بالـذي فيـه ينضـح
ويرقّ قلب المعتمد لصديقه ويذهب لزيارته في سجنه وبعد ان عقد العزم علي ان يعفو عنه وصله الخبر ان ابن عمار كتب لأعدائه ان الملك قد عفا عنه واخذ يتوعدهم من سجنه
فغضب المعتمد فقتله بيده فكانت نهاية ابن عمار
يتــــــــبـــــــــــــع......