المقال الكاريكاتور
توطئــــــــة : …أجد نفسي وجها لوجه، متورطا دون أن أدري بتقمص دور الكاريكاتوري البارع . فما أكتبه ، وما يرسمه رسام الكاريكاتير وجهان لعملة واحدة. –
إني أحاول جاهدا أن أنحت أفقا للأمل المستحيل …وللرؤيا ، ولأحلامنا المشروعة . أن أنحت في صمت العاشقين شيئا شبيها بما أسميه لأول مرة :” فن المقال الكاريكاتوري ” *. إنه وصفة سحرية لايستطيع الكثيرون أن يكتشفونها بسهولة ، إنها مزيج رائع من توابل..
- فن البناء اللغوي والجمالي للمقال الكاريكاتوري
- وحضور خاصية الإدهاش ومتعة القراءة
- ونمط الكتابة السردية وشاعرية الأدب
- وحضور الذات المبدعة بلمساتها الطاغية والمسحرة
- وقلق الأسئلة الملتهبة والوعي الحاد
- وجدة الأفكار واستفزاز السائد
-و تنمية وتثقيف الرأي العام
- وطغيان ملكة الخيال الإيجابي
تلك هي بعض وصفات فن ” المقال الكاريكاتوري” ،هو أشبه برحلة القنص المظفرة بالكلمات والصور. فتمتعوا أصدقائي عميقا ، في خبايا النص ، لتكتشفوا أسرار فن هذا المقال . هي باختصار مغامرة محفوفة ومفتوحة على أفق العطش الجمالي الإنساني نحو الكمال الأدبي.
—————————————–
كم قرأت من مقال ، فشدك عميقا بحبال شباكه اللامرئية السميكة !! ، فأثار حواسك دفعة واحدة ، وهزك بفتنة صوره ومعانيه المتلاحقة، وخياله الخصب. وأدهشك بوابل أسراره الخفية. ليبقى “هذا النص” راسخا في بئر وجدانك، مثلما أجمل ذكرياتنا الدفينة والنفيسة. فهل يحقق – المقال المتميز – كل هذه المتعة الروحية !! ويشد أفق انتظار المتلقي !! . وبالتالي هل يستطيع كل كاتب ، أو مبدع ما ، أن يحتل ببساطة متناهية مساحات شاسعة من وجدان مملكة القارئ لساعات ، أو لأيام ، أو حتى لسنوات !. هل يملك قوة هذا السحر – فن المقال الكاريكاتوري !- ومن ثم يستطيع بسهولة اكتساح ما تبقى من الحواس الأخرى ، حواسنا الذكية والمدهشة.
هي أسئلة قلقة ومشروعة تبحث لها تحت شمس القراء والمهتمين على إجابات ما ..وتصورات محتملة وممكنة. وإذا كان الشعـر كما يقال ، ” أعذبه أكذبه” فإننا نستطيع المجازفة بالقول : ” أجمل المقالات .. أدهشها !!! . وبدون تحقيق خاصية – الإدهاش – ومتعة الإبداع في فن المقال ،يبقى مقالا في مهب الريح !! باردا شاحبا ، لاطعم له ، وأشبه بالفاكهة الفاسدة التي لايلتفت إليها أحدا!.وكل فاسد ومزيف غير مرغوب فيه بالمرة. لذا فمتعة – الإدهاش – سواء من حيث طريقة تناول الأفكار، وصيغ الكتابة الفائقة الدقة ، ومجهرية التفاصيل ، والبناء المعماري للمقال ، وحضور أسرار ملكة التخييل لدى الكاتب ، والمضامين العميقة لفلسفة المبدع، كل ذلك يجب أن يكون حاضرا وبقوة ، ولهذا السبب ترى نصا ما ، يتلقفه الجميع دون سواه ، وتراه يكتسح أحداق وقلوب الغاويين للمعرفة الجمالية ، والأدب الرفيع. فالنص الذي لايغريك ، ولا يمنحك أشياء جديدة ، فهذا لايثير فضول أحد أو الآخرين . لذا يتطلب – جهدا مضنيا – وقدرا لابأس به من الاحترافية ، والتأمل العميق ، وخططا طارئة لمختلف تصاميم المقال ، كما يتطلب نصيبا وافرا من ” الموهبة الخاصة ” ولمسات المبدع المبهرة التي يستطيع أن يحول الأشياء العادية ، إلى أشياء مدهشة ، وثمينة. كأن يحول تراب التبر إلى ذهب خالص !! ، ومجرد أفكار هشة ومشوشة ، ومتواضعة إلى أفكار مدهشة تسترق الإعجاب والثناء الكبير.
إن القبض على ماهية سر ” الكتابة المتألقة” لفن المقال الكاريكاتوري ، وكميائه الزئبقي ، يتطلب موهبة عميقة ، والأمر أشبه بامرأة فاتنة ، تشعل الحرائق تلو الحرائق ، أينما استقر بها المقام أو ارتحلت . تسحرك من أول وهلة تماما مثل المقال المتميز بعنوانه المستفز والصادم ، وغير المتوقع.
هو إغراء محبوك التفاصيل ، هذه الفاتنة لن تتذوق حلاوة شهد قبلتها الأولى هكذا ببساطة شديدة ، بل لابد لك أن تمتلك مفاتيح أسرار توغلك في ثنايا النص، عفوا أسرار الفاتنة. وبالتالي فليس كل من هب ودب سينجح في امتلاك نبض هذا المقال الساحر، أو هذه المرأة اللعوب.فهذا محض خيال واهم وغير واقعي. الرحلة شاقة ، ولابد لك من مهارات وأدوات معرفية لكي تستطيع السباحة في مياه المقال الكاريكاتوري العميقة ، أو في بحيرة الفاتنة العذبة. إنها باختصار مغامرة الكشف الصعب ، أن تربك دفاعات المبدع ، وتحصينات الفاتنة ، أن تقتحم حصونها بشتى مهاراتك السرية كي تظفر بتلك” اللذة اللذيذة ” للنص ، أو بعض الفاتنة !!!.
المقال الإبداعي الكاريكاتوري الذي ننشده ونشيده بإصرار كبير ومنذ أكثر من 14 عاما خلت في صمت وعشق رائعين بعيدا جدا عن ضجيج الأضواء الكاشفة والمزيفة، فلا نكتفي بتصوير الواقع المأزوم، أو ذرف مزيد من دموع الشفقة ،أو دموع التماسيح الإفريقية الشرسة على أوضاعنا الكارثية.و لانكتفي أيضا بوضع أصابعنا على الجرح وكفى المؤمنين شر النزال العنيف . بل نرنو أن نجازف عميقا ، ونقيس درجات وسمك هذه الجراح الغائرة وكميات الحزن المبثوثة .إننا ننبش في تفاصيلها الدقيقة ، ونحاول أن نقتنص – المجرم بالجرم المشهود- . إنه مقال تثويري بالدرجة الأولى ضد الزائف ،والسائد والمألوف . إنه باختصار شديد ” ما اصطلحت عليه ” المقال الكاريكاتوري”
خلاصة القول ، أجد نفسي متقمصا دور ” الكاريكاتوري” البارع ، هذا الرسام البارع جدا .. قد يحرك نصف الأمة بلمساته القليلة . إنه فنان ماهر بامتياز .. ويجيد مطاردة واقتناص الأفكار البعيدة والوحشية ليروضها سريعا .
ما أكتبه من مقالات مشاغبة ، وما يرسمه رسام الكاريكاتير وجهان لعملة واحدة. هكذا أتخيل الأمر من وجهة نظري . وهذا ما كنت أحلم به دائما .(وسيخرج إلى النور عمل إبداعي لنا يجمع فن المقالات وهي مرسومة بفن الكاريكاتير مع أحد المبدعين المميزين في ميدان فن الكاريكاتير بسوريا الشقيقة).
تذكير هام : (*) ربما كان مصطلح “المقال الكاريكاتوري” الذي يشاع لأول مرة وعبر موقع دروب تحديدا . وأرجو من كل قلبي أن يعمم هذا المصطلح لينضاف لقائمة المصطلحات الأخرى .ولتبقى حقوق ملكية مصطلح – المقال الكاريكاتوري- الفكرية لصاحبها المبدع المغربي بوزيان حجوط .وللأمانة الأدبية قبل كل شيء.
-—————
كاتب ساخر مغربي