النص والتناص في ال
النص والتناص في الشعر التركماني
د. فاروق فائق كوبرلو
ماذا نعني بكلمة
النص : مفرد نصوص وهو في الاصل بمعنى الرفع والأسناد الى الرئيس الأكبر ثم نقلت من
المصدرية الى الأسمية ولذلك جمعت على نصوص النص لغة : معناه ( التعين ) ومن المعنى
العام هو القول الموثوق ، والنصوص هي أقوال المؤلف الأصلية يذكر هذا اللفظ لتميزها
من الشروح والتفسير وكلمة نص في سبيل المجاز بمعنى Texte بالفرنسية و Text بالانكليزية وهما
تعنيان الفقرة والجمل الأصلية المكتوبة للمؤلف ومنه نص الحديث الشريف أي أسناده
مرفوعاً الى النبي ( محمد ) عليه الصلاة والسلام .
أما اصطلاحاً :
فهي تحقيق النصوص الاجتهاد في جعلها ونشرها مطابقاً لحقيقتها كما وصفها صاحبها
ومؤلفها من حيث الخط واللفظ والمعنى أي البحث عن الاصول الخطية للنصوص وأصحها
وأصدقها ما كتبه المؤلف بخطه .
التناص : مصطلح
نقدي معاصر شاع في فرنسا على يد الناقدة ( جوليا كريستيفا ) ودخل ثقافتنا الأدبية
الجديدة ومنها الى الخطاب النقدي المعاصر . هناك تعاريف كثيرة للتناص ومنها تعريف (
كريستينا ) بقولها ( إنه ترحال للنصوص وتداخل نصي ، ففي قضاء نص معين تتقاطع ،
وتتنافى ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص اخرى ) هنا يعني ان النص الحقيقي تختلط فيه
أفكار ومعاني للشاعر آخر ، وربما يرى البعض إنه باب من ابواب السرقة خلافاً ما يرى
الحافظ بأن المعاني مطروحة في الطريق أي ليست ملكا للاخر وهذا ما يسوغ مشايعتها .
ولعل الآمدى ( 371 ) هـ خير من نبه على ذلك حين أكد أن ( ما يشترك فيه الناس من
المعاني والجاري على ألسنتهم ... ولا يقال انه مسروق لانه جر في عادات الناس ) ولذا
اجمع النقاد القدامى على ان سرقة في المعنى المشترك ولعلهم في موقعهم هذا كانوا
اتباع مخلصين لنظرية الجاحظ ( 255 هـ ) . وفي الحقيقة نستطيع ان نقول سرقة النص ما
كانت نصاً وفصاً ولفظاً ومعنى وشكلاً من نص شاعر آخر . وهذا لايكون سرقة ربما توارد
الخواطر أو ما يشبه كتابه ( من النظائر ) يأتي الشاعر ياخد في قصيدته نفس الوزن
وربما القافية والموضوع ايضاً من نص شاعر آخر ولكنه باسلوبه الخاص وبلغته الشعرية
الخاصة إذن التناص مصطلح نقدي بمفهومه الحديث هو ( الأخذ ) او ( الأستمداد ) او (
الأستعانة ) ويري أبن رشيق القيرواني ( 456 هـ ) عن المواردة وهو مصطلح مؤداة تشابه
نصين لشاعرين من عصر واحد مع عدم سماع أحدهما بالاخر وقد ساق قصة طريفة لكي يبعد
تهمة السرقة عن هذين الشاعرين المتواردين يتفقان في المعنى ويتواردان في اللفظ .
ولم يلق واحد منهما صاحبه ولم يسمع شعره ؟ وسُئل أبو الطيب عن مثل ذلك فقال الشعر
ميدان والشعراء فرسان وربما يقع الحافر على حافر آخر ) وقد عبر القيرواني عن حجم
المشكلة الثقافية أحدتها المصطلح هذا بقوله ( لايقدر أحد من الشعراء انه يدعي
السلامة منه ) فهو كالتناص في لغة النقد المعاصر ...
هنا يتبادر الى
الذهن سؤال أين يكمن الخلق الابداعي أو الوحي الإلهامي ؟ الذي يتقيأ الشاعر من
وجدانه ؟ ومن كيانه .. اين تكون الولادة العسيرة والمكابدة العنيفة ! وأين مهمة
الأبداع الذي يقدم لنا رؤية المبدع للواقع ولا ينقل الواقع . ونحن نعلم بان الحداثة
كما يرى المحدثون انها عملية أبداعية ملموسة ومشهودة أما عملية الابداع والشاعرية
فهي من خصوصية التفكير والتعبير المتسامية فوق الطرق التقليدية والتكرارية الرتيبة
وهي خصوصية ذاتية وولادة مولود بعد مخاض شديد لانها تعكس التفجر الذاتي المتميز
الذي تخص به شخصية الشاعر الموهوب في معطي موضوعي يخلق هزة تطويرية وتصعيداً فنياً
وفكرياً في الواقع الشعري والادبي . وكذلك أسأل هنا اين الخيال ؟
في النص الشعري
وحسب ما اتصور هو نتيجة الطاقة العقلية المتفاعلة مع الواقع والقادرة على توليد
المشاعر والأحاسيس والتصورات والأفكار وجعلها كأنها تجري في مشهد سينمائي مركب من
لقطات وصور ورموز وأيحاءات . صحيح ان مصطلح ( التناص ) بمفهوم العام والذي كان حاضر
في النقد العربي القديم بمجموعة من المصطلحات والأعتبارات النقدية المعروفة كما
يؤكده الناقد الاستاذ ( فاضل عبود ) في بحثه الموسوم ( أصول مصطلح التناص في النقد
العربي القديم ) والمنشور في مجلة الموقف الثقافي في العدد 36 لسنه 2001 وأنني
أشتقيت بعض المعلومات منه كمصدر أو كمدخل في كتابتي هذا المقال . لكن المغالاة في
النقد وفي عمليه وتحويل العقلية النقدية الى معادلات رياضية جافة أمر خطير لا على
الابداع فحسب بل على تكوين الانسان وسلوكه ، ان نقاد العرب القدامى كانوا مدركين
لطبيعة التداخل النصي الذي يتحكم في نسيج النصوص .. ويرى الدكتور عمران الكبيسي ان
السرقة تدخل ضمن مفهوم الاقتطاع ، والتناص جزء من مفهوم الأشتراك ) ويرى ( د. صبري
حافظ ) بان الاقتباس الذي هو مصطلح نقدي يقوم على الأخذ من القرأن الكريم أصلاً من
اصول ( التناص )) .
وأنا اعتقد لو وضع
المأخود من القرأن الكريم بين الاقواس لايمكن اعتباره تناصاً لان قول الله تعالى
لايمكن للبشر ان يحرك ساكنه وهكذا التضمين ايضاً يقوم على استعارة الشعر من مظان
مختلفة " فاذا كان كلام أو نظم الشاعر كالصائغ الذي يذيب الذهب والفضة فيصعد
صياغتها بأحسن مما كان عليه " .
أي المبدع يعتمد
في صياغة أبداعه على مرجعيات سابقة ويكون هذا الكلام قريباً من مقولة الناقد ( جيني
) الذي عرف التناص بأنه ( تحويل وتمثيل عدة نصوص يقوم بها نص مركزي يحتفظ بزيادة
المعنى ، او يكون قريباً بمفهوم بيت الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد العبسي :
هلْ غادر الشعراء
من متردم أم هل عرفت الدار بعد
توهم
اذن يعد ( التناص
) مفهوماً نقدياً أحد الوان النصوص الأدبية التي تقدم للعمل الادبي شعراً أو قصة او
رواية مجموعة من الاقتباس الدينية والأدبية والتاريخية والعلمية ليتم مزجها داخل
النص الأصلي على يد المبدع أو الشاعر نفسه لتشكيل في النهاية نصاً واحدا داخل نسيج
العمل الادبي بمختلف أشكاله ومدارسه المختلفة هذا ما أكده ( محمد رجب السامرائي )
في عرض كتاب ( التناص نظرياً وتطبيقياً ) والمنشور في مجلة الموقف الثقافي في العدد
36 عام 2001 .
وقد ورد هذا المصطلح في أدبنا التركماني القديم والى يومنا هذا مثلاً قصة حب للعاشقين قيس ومعشوقه ليلى وحكايتهم الأسطورية والتي تركت هذه الاسطورة الغرامية أثاراً عميقة في نفوس الشعراء في الأدب العربي وسواه في أداب الأمم والشعوب والملل والنحل وعلى غرار هذه القصة نظم زهاء (29) شاعر منظومات في ( ليلى والمجنون ) ابتدأء من فضولي ( 1494-1556 ) وتبلغ منظومة فضولي البغدادي حوالي (3400 ) بيت وتعتبر من أجمل المثنويات التي تضمت بالتركية وهكذا تداخلت نصوصاً أو أفكاراً اخرى سابقة عليه فريق الأقتباس او التضمين او الاشارة او الاخذ والاستعانة وتندمج هذه النصوص مع النص الأصلي فتختلف تناصاً وتأتي بصيغ متعددة كتبت الشاعرة التركمانية ( نسرين أربيل ) قصيدة ( الخانجي ) والتي تنسجم قصيدتها سياق النص الذي كتبه الشاعر جاهد صدقي وكذلك المرحوم عصمت ئرزجان قصيدة ( صقاريا ) فيها تناص ادبي من شاعر تركي آخر أوكتب الشاعر د. عبداللطيف بندر اوغلو قصيدة ( آق صو ) فهي تناص من حيث الافكار والوزن والقافية مع قصيدة ( اق صو ) للشاعر صلاح نورس وكتب شعراء آخرون قصيدة تحت عنوان ( خانجي ) كل من محمد عزت خطاط و أسعد النائب – مصطفى كوك قايا نسرين اربيل وغيرهم يحمل نفس العنوان والافكار وكذلك كتب الشاعر عثمان مظلوم قصيدته المشهورة ( طالعم ) فهي تناص ملموس من نفس قصيدة ( طالعم ) التي كتبها الشاعر خضر لطفي . كتب آخرون ملاحم كثيرة بل دواوين مستلهمين من قصيدة او ملمحة ( حيدر بابا ) أمثال اسماعيل سرت توركمن – محمد مهدي بيات حسين على مبارك و صلاح ناجي اوغلو حازم شكور – رضا جولاق – شمس الدين توركمن اوغلو – صابر ده ميرجي – معتصم نامق صلاحية خضر غالب كهية – حسن كوثر – صباح كركوكلي وغيرهم جاءت نتيجة التأثير بالملحمة الشهيرة ( حيدر بابا ) التي كتبها الشاعر محمد حسين شهريار ومن هذا المصطلح أي ( التناص ) لم يكن متناولاً من قبل نقاد الشعرالتركماني بالرغم لحداثة التسمية لكنه مصطلح ( النظيرة ) أو النظائر هو اوسع شيوعاً من التناص وهذا يأتي نتيجة التأثر او التأثير او توراد الخواطر بين آداب الشعوب المختلفة ربما نعتبر قصائد النقائض و النظائر من باب التناص في مفوهمنا الحديث – ويدخل هذا المصطلح مع تناصات في القوريات التركمانية التي هي شعر شعبي تركماني تعالج موضوعات شتى وتقرأ في مقامات شعبية احيانا وتدخل لغة القوريات الشعبية واسلوب كتاباتها في عصرنا هذا مع النظم القديم وتناص افكار في القوريات يصعب حصرها ولاتنسب لأحد أو تداخل بعض الافكار مع بعض النصوص خفية مثل مواضيع الحرية ، رفع الظلم والدعوة الى السلم والاخاء او العدالة وهذه الانماط تناصت مع اللغة الشعرية أو استعمال اللهجات الدارجة في الأعمال الادبية و الروايات التراثية والقصص الشعبية والامثال المتداولة بين الشعوب الشرقية وحتى الغريب وتدخل افكار الامم وتمتازج مع بعضها ولاتدخل من باب السرقة اطلاقاً والا فما دور الشاعر الذي هو المحلل والمبشر والممهر وكالبلبل الصداح ينتقل بين خمائل الورد ورحيق الازهار يعنصر فيها بكل ما يملك من ادوات الخلق والابداع ثم يفرغها شهداً مصفى ويزلزل أرضية البحور ويفجر براكين اللغة ويدخل الحداثة في قاموس الأدب والفن ففي الحقيقة المعماري يصنع جمالية تتمثل في العمارة ويصنعها من الاجر والجص او الحجر والشاعر يصنع نصاً جمالياً يتشكل من كلمات تومض عبر الخيال والايحاء والجرس والايقاع يعني انه يصنع النص وينتجه ومنهم من النقاد على ضوء المفاهيم الجيدة بخصوص قضية ( التناص ) أنهم ينفون دور الشاعر بك يمسحون ابداعاته الخلاقة هذه هي احد امراض الحداثة اللهم اني اعوذ بل من كامو والكاموية ومن شتراس والبنيوية ومن لفهما . ... إني قد بلغت !!!