بابا للنسيب
عقد ابن رشيق في كتابه العمدة (2/732) بابا للنسيب قال فيه : « ... والنسيب والتغزل والتشبيب كلها بمعنى واحد؛ وأما الغزل فهو إلف النساء، والميل إليهن، والتخلق بموافقتهن. وليس مما ذكرته في شيء فمن جعله بمعنى التغزل فقد أخطأ ».
وتحدث قدامة بن جعفر قبله عن ( النسيب ) في كتابه ( نقد الشعر ) صفحة (134) ولم يتعرض للتشبيب.
لكن ابن رشيق في التطبيق فرق بين النسيب والتشبيب، ولهذا يحمل قوله : « والنسيب والتغزل والتشبيب كلها بمعنى واحد» على المعنى العام الجامع للغزل.
أما من خلال الاستقراء، وفهم كلام المتقدمين، فالذي ظهر لي هو ما يلي :
* أما التشبيب فهو وصف محاسن المرأة الحسية الجسدية كقول عمرو بن كلثوم في معلقته (ديوانه 315) :
ومأكمةً يضيقُ البابَ عنها *** وكشحًا قد جننتُ به جنونا
المأكمة : العجيزة. والكشح : ما بين الخصر إلى الضلع.
وكقول عمر بن أبي ربيعة ( ديوانه 384):
أبتِ الرودافُ والثُّدِيُّ لقمصها *** مسَ البطونِ وأنْ تمسَ ظهورَا
وكقول مسلم بن الوليد الملقب بصريع الغواني (ديوانه 186-187):
زرع الشباب لهن رمان الصبا *** في أنحر قد زينت بترائب
فقطفتُ رمانَ الصدورِ للذةٍ *** ولمستُ أردافًا كفعل اللاعبِ
*وأما النسيب فهو تعبير عن العواطف نحو المرأة، كقول مجنون ليلى :
أحبُّ مِن الأسماءِ ما وافقَ اسمَها *** أو اشْبَهَهُ أو كان منه مُدَانِيَا
وكقول أبي صخر الهذلي (شرح ديوان الهذليين 2/957):
إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها *** كما انتفضَ العصفورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ
ويروى : (وإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ)
أما والذي أبكى وأضحك والذي *** أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد تَرَكَتْني أغبط الوحش أن أرى *** أليفين منها لا يروعهما الزجر
وكقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ( أمالي القالي 3/217) :
تغلل حب عُثْمَةَ في فؤادي *** فباديه مع الخافي يسيرُ
تغلل حيث لم يبلغ شراب *** ولا حزن ولم يبلغ سرورُ
صدعت القلب ثم ذررت فيه *** هواك فليم فالتأم الفطورُ
أكاد إذا ذكرت العهد منها *** أطير لو انَّ إنسانًا يطيرُ
وأنفذ قادحاك سواد قلبي *** فأنتِ عليَّ ما عشنا أميرُ
وأما الغزل فهو اسم جامع لما قيل في المرأة سواء أكان حسيًّا أم معنويًّا.
وقد يقيد هذا الصطلح بـ( العُذْرِيّ ) فيقال : ( الغزل العُذْرِيّ ) تمييزا له عن الغزل الفاحش. و ( العُذْرِيّ ) نسبة إلى قبيلة بني عُذْرَة مِن قضاعة الذين منهم جميل بثينة. وكان فيهم شعراء يتعففون عن ذكر محاسن المرأة الجسدية، فنسب إليهم الغزل العفيف.
معلومات المصادر :
- ديوان عمرو بن كلثوم التغلبي، تحقيق أيمن ميدن، النادي الأدبي بجدة، الطبعة الأولى 1413 هـ
- ديوان عمر بن أبي ربيعة، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى 1371 هـ
- شرح ديوان صريع الغواني، تحقيق سامي الدهان، الطبعة الثالثة، دار المعارف، مصر
- العمدة في محاسن الشعر وآدابه، لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني، تحقيق محمد قرقزان، دار المعرفة، بيروت، لبنان
- نقد الشعر لقدامة بن جعفر، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، الطبعة الأولى، الكليات الأزهرية، مصر