بنية القصيدة
تعتمد بنية القصيدة وتشكيلاتها, على مستوى التركيب والدلالة والصور والايقاع, عند الشاعر عبدالله رضوان, في مجمل أعماله التي نشرها على عمليتي (الازاحة والتحويل) الاسلوبي وانعكاسهما في بنية النص الشعري الذي يستوعب عنده امكانات وهيئات واستضافات لمظاهر أسلوبية وتقنية وآليات شعرية تجسد القصيدة من خلالها هويتها الشعرية وخصائصها الفنية والجمالية والتعبيرية التي يحقق الشاعر فيها تنمية المدلولات واللغات والصياغات مظاهر النصية في فضاءات النصوص بحيث تنصهر هذه المكونات في مجمل تركيبة ونظام التأليف الشعري, ومكوناته التي تنتقل من مستوى البنية السطحية الى مستوى البنية العميقة, من خلال انتهاك قوانين اللغة المعيارية, ومجموع علاقاتها البسيطة والعادية, نحو اللغة المنزاحة والمخترقة التي تبني شعريتها, من خلال علاقات جمالية أو صياغية او دلالية في العمق الموظف لدلالات النص, من أجل خلق الفاعلية والدينامية المنظمة لعملية الرؤية الكلية للنص, والذي يتحول فيه الخطاب الأدبي عن سياقه الاخباري- بتعبير د.عبدالسلام المسدي- الى وظيفته التأثيرية والجمالية حيث يستطيع الشاعر من خلال عملية دفع التركيب اللغوي ودلالاته ومفرداته ومرجعياته الخارجية والقاموسية عبر توكيد وتعميق الدلالة, غير الملائمة والمتنافرة, وتحويلها في تشكيله الاسلوبي, وانعكاس ذلك في تمركز وترتيب وضم هذه العناصر والعلاقات في بؤرة النص, أو مولده, وتنسيقها ضمن رؤية النص الكلية, والتي يحاول الشاعر فيها الهروب من سطوة اللغة ونظامها المعجمي وهيمنة الشكل الشعري التقليدي, وسلطته الوزنية والعروضية التي تتشكل في داخل وأعماق التجربة الشعرية التي تدفع بالدلالات الكلية للقصيدة لامتلاك رؤية مغايرة وتشابك نصي ودلالي لا يستكين الى نمطية محددة ومألوفة داخل النوع الشعري اضافة, وانما من خلال توسيع جسد القصيدة الجديدة وتعيناتها البنائية والتشكيلية, وصلتها المتينة القوية بالمكون الشعري, وهيئاته الفنية وابنيته التي تحتضن هذه الدلالات, وتآزر الانفعالات التي تمتد وتتسع حتى تشمل مستويات البناء والتركيب والدلالات لنصبح أمام نص شعري متماسك ومتطور ونام يحمل نزوعه التجديدي والتحديثي, وجماليته وشعريته.
واذا كان النص الشعري عند الشاعر عبدالله رضوان يمتلك طاقات انفعالية وتأثيرية غنية وحضورية ومتألقة من خلال تعميق رؤيا القصيدة, وعناصرها المهيمنة التي تشع على أطراف النص وأجزائه, فانما شأن كل بنية شعرية متماسكة عفويا تمتلك عناصر حضورية, وأخرى غيابية(بتعبير تزفطان طودوروف) فالعلاقات الحضورية هي علاقات تشكيل وبناء, وهي بهذا تكون على مستوى البنية السطحية للنص, أما العلاقات الغيابية فهي علاقات معنى وترميز ودلالة, فهذا الدال يدل على ذلك المدلول, وهي بهذا تتكون وتتمثل في مستوى البنية العميقة للنص من خلال تنوعها وتعددها,وتحقق استعاناتها النصية والملفوظية في أقصى قدر ممكن من المشاركة والمشاكلة في تشكلات وتركيبات النص وانزياحاته واختراقاته الجزئية والكلية, والتي توفر بثرائها الحضوري والدلالي غطاء تركيبيا يحتضن انفعالات الشاعر وانثيالاته الذاتية, واستجاباته الفردية والجماعية, والتي تصبح مركز الثقل الانفعالي في القصيدة وبؤرتها, وما تحققه من وجود فني وتعبيري وأدائي داخل النص, اذ يتعمق التصور البنائي, ويتضاعف اثر الانزياحات الدلالية, والتحويلات التشكيلية على مستويات الشعور والوعي والارتباط والانعكاس الذي يستكمل فيه الشاعر شعرية نصوصه, والتي تقدم بدورها قاعدة التشكيل الشعري والبنائي والفني الذي تتكئ عليها النصوص في حركاتها ودوراتها وانتقالاتها ومواقفها وحالاتها, فيؤدي الى انصهار هذه البنيات داخل النظام اللغوي للنص والنسيج النصي المتميز, والفاعلية اللغوية والتصويرية التي يؤسسها داخل وحدات البنية, والتي يجعلها وسيلة فنية في استكمال عناصر الشعرية, ومعبرا بذلك عن حجم وقدرة وتركيز الشاعر في تشظيه وتناثر دلالاتها وايحاءاتها وظلالها على وجود النص المتفاعل في مستوياته المختلفة من خلال اضاءة الرؤيا التي تؤثر في كثير من قصائد الشاعر عبدالله رضوان من التجربة والواقعية والشعبية والذاكرة والصوفية- بمعناها الوجودي والكوني- ورؤياتها الاستبطانية التي تريد انتهاك حجب الواقع ومواقفه ومكامنه السرية والمسكوت عنها, اذ ينبني النص عنده معتمدا على كليته وارتباطاته وتعيناته, وعلى خلق ايقاعات ومظاهر وانساق متوازية ومتشاكلة,