تطور الشعر الحر
لقد كانت فكرة التجديد والتحرر من قيود القصيدة العربية سواء في أوزانها ، أو قافيتها أمراً موجودا منذ القدم عند شعراء العربية بدءا بالتجديد على شكل القصيدة العصر العباسي ، عندما ظهرت موجة التجديد ، والخروج على الشكل التقليدي المألوف للقصيدة العربية ، وبرز بعض الشعراء المجددين ، أمثال بشار بن برد ، ومن جاء بعده ، ليقضوا على الجمود في القصيدة ، ويحاولوا الخروج عن المألوف ،
ويبتكروا شكلا جديدا للقافية عرف بالمخمسات. ثم انتشر التجديد في الشعر العربي على أيدي الشعراء الأندلسيين فظهر منه المشطرات بأنواعها
اما الشعراء المحدثون فقد تفننوا في عملية التجديد الموسيقي ، وتنوع القوافي ، واهتموا بها اهتماما بالغا وأكثر من عني بتطوير الموسيقى الشعرية ، وتفنن في الأوزان والقوافي في العصر الحديث هم شعراء المهجر ك"جبران" و"نعيمة" و"أبي ماضي" ، و"أبي شبكة"، ثم تلاهم مدرسة الديوان ، فمدرسة أبلو ، وما تلاها من المدارس الشعرية الأخرى .
بيد أن هذه المحاولات التجديدية عند الشعراء العرب المجددين لم تتجاوز السطحية المحدودة لتشكيل موسيقا القصيدة ، ولم تتعمق لتصل إلى جوهر التغيير الذي شهدته القصيدة العصرية في ثوبها الجديد الذي يتناسب وما طرا على الحياة من مضامين ، وأفكار وتجارب مختلفة ، وما لازمها من ايدلوجيات وتغيرات حضارية فظهر ما عرف بـ"الشعر المرسل "
ولم يلبث أن بداء اكثر من شاعر في أوائل القرن العشرين بالتحرر من القافية ، مثل "توفيق البكري" الذي صنع قصيدة بدون قافية أسماها "ذات القوافي" ، ثم تلاه الزهاوي ، وعبد الرحمن شكري
تسمية الشعر الحر
ربما يعود اصل التسمية الى الشعور بأن القصيدة العربية الحديثة لم تتحرر بعد كما ينبغي أن يكون التحرر .ومن ثم فقد كان الشعر العربي في حاجة إلى حرية حقيقيه يكتب من خلالها وكأن أصحاب هذه المدرسه الجديده هم أصحاب الشعر الحر في الحقيقه وأن من سبقهم لم يكتبوا الشعر الحر وإنما كتبوا الشعر المقيد بألف قيد فمع مدرسة الشعر الحر خطى الشعر العربي خطوة جديده في سبيل تحريره من القيود التي كبلت الشعراء
أسباب ظهور الشعر الحر:لا شك أن لظهور الشعر الحر أسبابا كثيرة ومتعددة ومن أهمها :
1) الراوة الذين يقيم في برج عاجي وكأنما رأوا الشعراء حين عكفوا على ذاتهم يجترون آلامها الفردية لا يعبرون تعبيرا حقيقيا عن الواقع بمشكلاته الجماعيه وقضاياه العامة ولهذا سعت هذه المدرسة ان تنتقل من الرومانسيه إلى الواقعية وسعت لتنتقل من التعبير عن الفرد إلى التعبير عن الجماعة ومن التحليق في الخيال إلى الإنضباط في الواقع حتى تكون القصيدة نابضه بهذا الواقع معبرة عنه
2) تمرد شعراء هذه الجماعة على الميوعه الرومانسيه التي اتصفت بها قصائد شعراء المهجر والديوان وابوللو حيث كان الوطن العربي في أواخر الأربعينات في هذا القرن يئن بفعل حركات الثورة ضد المحتل الغاصب الذي جعل الوطن العربي رهن الجهل والفقر والمرض وقد وجد شعراء هذه الجماعة الوليدة الشعر العربي السائد بعيدا عن الحياة وعن روح الثورة والتمرد
3)أن أعضاء هذه الجماعة رأوا أن القصيدة العربية القديمة كبلت الشاعر الحديث وقيدت حريته وفرضت عليه قالب شعري قائم على وحدة الوزن والقافية وقد تمرد أعضاء هذه المدرسة الجديدة على وحدة الوزن والقافية لأنهم رأوا فيها تشويه تجربة الشاعر فحين يكتب قصيدة في بحر من بحور الشعر العربي عليه أن يفي بالإكتمال الشكلي لهذه البحر في كل بيت
من أبيات القصيدة حتى نراه يضطر في كثير من الأحيان وفاءً لشكل هذا البحر أن يضيف كلمات أو عبارات أو حتى جمل لا لشيء إلا لكي يستكمل شكل هذه أو هذا البحر كأن الشكل الشعري أصبح قيدا وأصبح يتحكم في الشاعر وليس الشاعر هو من يتحكم بالقيد فكان على الشاعر أن يتحرر من هذا القيد
لذلك بدأ الشاعر يهمل فكرة البيت المكون من شطرين متساويين وأصبحت القصيدة الجديدة تتألف من سطور متفاوتة الطول حسب الدفقة الشعورية فاذا طالت طال معها السطر والعكس صحيح, فلم يعد بحاجة للحشو لتكميل وزن البيت
إذا لم تقف حركة التطور للقصيدة العربية عند حدود التحرر الجزئي من قيود القافية ، بل تخطتها إلى أبعد من ذلك ، فقد ظهرت محاولة جديدة وجادة " الشعر الحر " .
وكانت هذه المحاولة أكثر نجاحا من سابقتها كمحاولة " الشعر المرسل" ، أو " نظام المقطوعات" ، وقد تجاوزت حدود الإقليمية لتصبح نقلة فنية وحضارية عامة في الشعر العربي ، ولم يمض سنوات قلائل حتى شكّل هذا اللون الجديد من الشعر مدرسة شعرية جديدة حطمت كل القيود المفروضة على القصيدة العربية ، وانتقلت بها من حالة الجمود والرتابة إلى حال أكثر حيوية وأرحب انطلاقا .
وبدأ رواد الشعر الحر ونقاده ومريدوه يسهمون في إرساء قواعد هذه المدرسة التي عرفت فيما بعد بمدرسة شعراء التفعيلة أو الشعر الحديث ، وفي هذا الإطار يحدثنا أحد الباحثين قائلا " لقد جاءت خمسينيات هذا القرن بالشكل الجديد للقصيدة العربية ، وكانت إرهاصاتها قد بدأت في الأربعينيات ، بل ولا نكون مبالغين إذا قلنا في الثلاثينيات من أجل التحرك إلى مرحلة جديدة ..." وقد وجدت مدرسة الشعر الحر الكثير من المريدين ، وترسخت بصورة رائعة في جميع البلدان بدءا ( بالملائكة والسياب والبياني ) في العراق في الأربعينيات ، ثم ما لبثت هذه الدائرة أن اتسعت في الخمسينيات فضمت إليهم شعراء مصريين آخرين مثل "صلاح عبد الصبور" و"أحمد عبد المعطى حجازي " وفي لبنان ظهر "أحمد سعيد "( أدونيس ) و"خليل حاوي" و"يوسف الخال" ، وكذلك "فدوى طوقان" و"سلمى الخضراء الجيوسي" في فلسطين
مسميات الشعر الحر:
لقد اتخذ الشعر الحر قبل البدايات الفعلية له في الخمسينيات مسميات مختلفة كانت مدار بحث من قبل النقاد والباحثين ، فقد أطلقوا عليه في إرهاصاته الأولى منذ الثلاثينيات اسم " الشعر المرسل " "و"النظم المرسل "و " الشعر الجديد " و " شعر التفعيلة " أما بعد الخمسينيات فقد أطلق عليه مسمى " الشعر الحر " ومن أغرب المسميات التي اقترحها بعض النقاد ما اقترحه الدكتور إحسان عباس بأن يسمي " بالغصن " مستوحيا هذه التسمية من عالم الطبيعة وليس من عالم الفن ، لأن هذا الشعر يحوى في حد ذاته تفاوتا طبيعيا في الطول كما هي الحال في أغصان الشجرة ولان للشجرة دورا هاما في الرموز والطقوس والمواقف الإنسانية .
اشكال الشعر الحر:
أما اشكال الشعر الحر فهي أيضا كثيرة وقد حصرها ( س . مورية ) في دراسته لحركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث في خمسة أنماط من النظم أطلق عليها جميعا مصطلح الشعر الحر وهي : (بتصرف) (1)
الشكل الأول :
استخدام البحور المتعددة التي تربط بينها بعض أوجه الشبه في القصيدة الواحدة ، ونادرا ما تنقسم الأبيات في هذا الشكل إلى شطرين . ووحدة التفعيلة فيه هي الجملة التي قد تستغرق العدد المعتاد من التفعيلات في البحر الواحد أو قد يضاعف هذا العدد وقد اتبع هذه الطريقة كل من "أبى شادي "و"محمد فريد أبي حديد" .
الشكل الثاني :وهو استخدام البحر تاما ومجزوءا دون أن يختلط ببحر آخر في مجموعة واحدة مع استعمال البيت ذي الشطرين ، وقد ظهرت هذه التجربة في مسرحيات "شوقي" .
الشكل الثالث :وهو الشكل الذي تختفي فيه القافية وتنقسم فيه الأبيات إلى شطرين كما يوجد شيء من عدم الانتظام في استخدام البحور ، وقد اتبع هذه الطريقة "مصطفى عبد اللطيف السحرتى ."
الشكل الرابع :
وهو الشكل الذي تختفي فيه القافية أيضا من القصيدة وتختلط فيه التفعيلات من عدة بحور ، وهو أقرب الأنماط إلى الشعر الحر الأمريكي ، وقد استخدمه "محمد منير رمزي ".
الشكل الخامس:ويقوم على استخدام الشاعر لبحر واحد في أبيات غير منتظمة الطول ونظام التفعيلة غير منتظم كذلك ، وقد استخدم هذه الطريقة كل من "علي أحمد باكثير" و"غنام".
وهذا الشكل الأخير من أنماط الشعر الحر هو فقط الذي ينطبق عليه مسمى الشعر الحر بمفهومه بعد الخمسينيات ، والذي نشأت أولياته على يد باكثير ـ كما ذكر موريه ـ ومن ثم أصبحت ريادته الفعلية لنازك الملائكة ومن جاء بعدها ، ولتأكيد هذا الرأي نوجز مفهوم الشعر الحر في أوائل الخمسينيات وجوهره ونشأته ودوافعه وأقوال بعض النقاد والباحثين حوله .
مفهوم الشعر الحر{في اوائل الخمسينيات} :
تقول "نازك الملائكة" حول تعريف الشعر الحر: ( هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ويكون هذا التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه).(2)
ثم تتابع نازك قائلة " فأساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم على وحدة التفعيلة والمعنى البسيط الواضح لهذا الحكم. إن الحرية في تنويع عدد التفعيلات أو أطوال الأشطر تشترط بدءا أن تكون التفعيلات في الأسطر متشابهة تمام التشابه ،
ويمضي الشاعر على هذا النسق حرا في اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد غير خارج على القانون العروضي لبحر الرمل جاريا على السنن الشعرية التي أطاعها الشاعر العربي منذ الجاهلية حتى يومنا هذا .
ومن خلال التعريف السابق تؤكد نازك على نماط الشعر الحر - الذي أشرنا إليه سابقا- والذي يعتمد على البحر الواحد في القصيدة مع اختلاف أطوال البيت وعدد التفعيلات.
وقد أشار الدكتور محمد مصطفى هدارة إلى نظام التفعيلة في الشعر الحر وعدم التزامه بموسيقى البحور الخليلية فقال : " إن الشكل الجديد - أي للشعر الحر - يقوم على وحدة التفعيلة دون التزام الموسيقى للبحور المعروفة ، كما أن شعراء القصيدة الحرة يرون أن موسيقى الشعر ينبغي أن تكون انعكاسا للحالات الانفعالية عند الشاعر" .(3)
ومما سبق تتضح لنا طبيعة الشعر الحر ، فهو شعر يجري وفق القواعد العروضية للقصيدة العربية ، ويلتزم بها ، ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل ، والتحرر من القافية الواحدة في أغلب الأحيان . فالوزن العروضي موجود والتفعيلة ثابتة مع اختلاف في الشكل الخارجي ليس غير .
أما من حيث القافية فيحدثنا الدكتور عز الدين إسماعيل قائلا : " فالقافية في الشعر الجديد ـ بباسطة ـ نهاية موسيقية للسطر الشعري هي أنسب نهاية لهذا السطر من الناحية الإيقاعية ومن هنا كانت صعوبة القافية في الشعر الجديد وكانت قيمتها الفنية كذلك ... فهي في الشعر الجديد لا يبحث عنها في قائمة الكلمات التي تنتهي نهاية واحدة ، وإنما هي كلمة " ما " من بين كل كلمات اللغة ، يستدعيها السياقان المعنوي والموسيقي للسطر الشعري ، لأنها هي الكلمة الوحيدة التي تضع لذلك السطر نهاية ترتاح النفس للوقوف عندها ."(4)
ومع أن الشاعر الذي يكتب قصيدة الشعر الحر ، يمكنه استخدام البحور الخليلية المفردة التفعيلات والمزدوجة منها على حد سواء إلا أن البحور الصافية التفعيلات هي أفضل البحور التي يمكن استخدامها وأيسرها في كتابة الشعر الحر ، لاعتمادها على تفعيلة مفردة غير ممزوجة بأخرى حتى لا يقع الشاعر في مزالق الأخطاء العروضية ، أو يجمع بين أكثر من بحر في القصيدة الواحدة .
طبيعة الشعر الحر :
أما طبيعة الشعر الحر وجوهره فهو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية للواقع التي تعيشه الإنسانية المعذبة .
فالقصيدة الشعرية إنما هي تجربة إنسانية مستقلة في حد ذاتها ، ولم يكن الشعر مجرد مجموعة من العواطف ، والمشاعر ، والأخيلة ، والتراكيب اللغوية فحسب ، وإنما هو إلى جانب ذلك طاقة تعبيرية تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة . كما أن موضوعاته – الشعر الحر- هي موضوعات الحياة عامة ، ومن أهم تلك الموضوعات ما يكشف عما في الواقع من الزيف والضلال ، ومواطن التخلف والجوع والمرض ، ودفع الناس على فعل التغيير إلى الأفضل .
بدايات الشعر الحر :
تقول نازك الملائكة " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 م في العراق، ومن العراق ، بل من بغداد نفسها ، وزحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله ، وكادت بسبب الذين استجابوا لها ، تجرف أساليب شعرنا الأخرى جميعا ، وكانت أولى قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا " ، تم قصيدة " هل كان حبا " لبدر شاكر السياب من ديوانه أزهار ذابلة ".
اسباب ظهور الشعر الحر:
لقد أكدت الأبحاث الأدبية والنقدية التي دارت حول مفهوم الشعر وجوهره أن هذا اللون من الشعر لم ينشأ من فراغ ، وتلك قاعدة ثابتة في كل الأشياء التي ينطبق عليها قانون الوجود والعدم تقريبا .
ومن هذا المنظور كان الشعر الحر وليد دوافع وأسباب تضافرت معاً وهيأت لولادته كغيره من الأنماط الفنية الأخرى التي تولد على أنقاض سابقتها بعد أن شاخت وهرمت .
وقد رأى كثير من الباحثين والنقاد أن من أهم العوامل التي ساعدت على نشأة الشعر الحر وهيأت له إنما تعود في جوهرها إلى دوافع اجتماعية وأخرى نفسية إلى جانب بعض العوامل الأخرى المنبثقة عن سابقتها .
فالدوافع الاجتماعية
تتمثل فيما يطرأ على المجتمع من مظاهر التغيير والتبديل لأنماط الحياة ومكوناتها وللبنية الاجتماعية والتكوين الحضاري والأيدلوجي ، والشاعر المبدع - كغيره من أفراد المجتمع ـ يتأثر ويؤثر في الوسط الذي يعايشه ، فإذا رأى أن الإطار الاجتماعي ومكوناته أصبح عاجزاً عن مواكبة الركب الحضاري المتقدم في حقبة زمنية ما أحس في داخله رغبة إلى التغيير ، وأن هناك هاجساً داخلياً يوحي إليه بل ويشده إلى خلق نمط جديد ولون مغاير لما سبق ليسد الفراغ الذي نشأ بفعل التصدع القوى في البنية الاجتماعية للأمة ، ولم يكن أمام الشاعر ما يعبر عنه عن هذا التغيير الملح والذي يؤيده إلا بالشعر ، فهو أداته ووسيلته التي يملك زمامها وله حرية التصرف فيها فيصب عليه تمرده وثورته .
أما الدوافع النفسية:
فهي انعكاس لما يعانيه الشاعر من واقع مؤلم نتج عن الكبت الروحي والمادي الذي خلقه الاستعمار على عالمنا العربي ، وكانت نتيجته منع الحريات في نفوس الشعوب وقتل الرغبة في التطلع إلى الحياة الفضلى مما أدى إلى الشعور بالظلم والاستبداد والضيق الشديد والمعاناة الجامحة من هذا التسلط الذي نمّى في النفوس حب الانطلاق والتحرر من قيد الماضي .
وإلى جانب الدافع الاجتماعي والنفسي ثَمَّ دوافع أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها بل هي وليدة عنها ، منها : النزعة إلى تأكيد استقلال الفرد التي فرضت على الشعراء الشبان البعد عن النماذج التقليدية في الشعر العربي ، وإبراز ذاتيتهم بصورة قوية .
كما يؤكد الدكتور محمد النويهي بأن الدافع الحقيقي إلى استخدام هذا اللون من الشعر هو: " الرغبة في استخدام التجربة مع الحالة النفسية والعاطفية للشاعر ، وذلك لكي يتآلف الإيقاع والنغم مع المشاعر الذاتية في وحدة موسيقية عضوية واحدة " . (5)
خصائص الشعر الحر :اما خصائص الشعر الحر فلا تقل أهمية عن غيرها من خصائص المدارس الشعرية الأخرى بل ربما كان هذا اللون من الشعر أكثر تحقيقاً لبعض العناصر التي لم تتوفر في الأنماط الشعرية الأخرى كالوحدة العضوية مثلاً ، وفي هذا الإطار يرى بعض الباحثين : انه إذا كان شعراء المدرسة الرومانسية قد نجحوا في تحقيق الوحدة الموضوعية للقصيدة الشعرية ، فإن شعراء مدرسة الشعر الحر قد وفقوا في تحقيق الوحدة العضوية المبنية على التناسق العضوي بين موسيقى اللفظ أو الصورة وحركة الحدث.
وإن هذا بدوره يؤدي إلى إبراز مظاهر النمو العضوي للانفعالات والمشاعر ، ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا كان الشكل الجديد للقصيدة العربية أقرب معانقة لروح العصر الذي نعيشه وأكثر استيعاباً لمضامينه الحية ، بالإضافة إلى ما يتميز به من مرونة في موسيقاه حيث تتلون بتلون الانفعال ،وكذلك ربما يرمز إليه من تعدد في التشكيل وترادف في التركيب وموضوعية في الرصد وشمولية في التمثيل والهروب من الذات .
كذلك تميزت قصائد الشعر الحر بخصائص أسلوبية متعددة مثل اعتمدادها على الوحدة العضوية ، فلم يعد البيت هو الوحدة وإنما صارت القصيدة تشكل كلاً متماسكاً ، وتزاوج الشكل والمضمون ، فالبحر والقافية والتفعيلة والصياغة وضعت كلها في خدمة الموضوع وصار الشاعر يعتمد على " التفعيلة " وعلى الموسيقى الداخلية والمناسبة بين الألفاظ .
خاتمة:
إن انطلاقة القصيدة العربية وتحررها من عقالها جعلها أكثر مرونة وحيوية وتجاوباً مع نوعية الموضوع الذي تكتب فيه ، ومنحت الشاعر الفرصة في التعبير عن مشاعره وتجاربه الشعورية بحرية تامة فلا تقيد بأطوال معينة للبيت الشعري ولا كد للذهن بحثاً عن الألفاظ المتوافقة الروي ليجعل القصيدة على نسق واحد وما تتهيأ تلك الأمور للشاعر إلا على حساب الموضوع من جانب وفقدان الوحدة العضوية وعدم الترابط بين مكونات القصيدة من جانب آخر ، ومن هنا نجد ميل الشعراء المحدثين إلى استخدام قصيدة الشعر الحر للتعبير عن مشاعرهم وذلك لما تميزت به من سمات فنية جمعت فيها إلى جانب الوحدة الموضوعية ،أضافة إلى تحررها من القيود الشكلية التي تحد من قدرات الشاعر وانطلاقه في التعبيرعن خوالج نفسه بحرية وعفوية
تامتين .
-منقول-
الهوامش:
1/ حركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الجديد - س.موريه -ترجمة: سعد مصلوح – الطبعة الاولى - عالم الكتب- 1969
2/ قضايا الشعر المعاصر-نازك الملائكة- دار العلم للملايين- 1962
3/التغريب وأثره في الشعر العربي الحديث (مقال) - محمد مصطفى هدارة -1993
4/ الشعر العربي المعاصر- عز الدين اسماعيل- طبعة5 - المكتبة الأكاديمية
5/قضية الشعر الجديد - محمد النويهي- الطبعة 2 - دار الفكر الحديث للطباعة والنشر- 1971
المراجع:
*اسماعيل عز الدين - الشعر العربي المعاصر
* الملائكة نازك - قضايا الشعر المعاصر
*النويهي محمد- قضية الشعر الجديد
*هدارة محمد مصطفى - التغريب وأثره في الشعر العربي الحديث (مقال)
س.موريه- حركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الجديد - ترجمة: سعد مصلوح