جماعة أبوللو2
جماعة أبوللو
تطلق على هيئة أدبية جديدة أعلن ميلادها في القاهرة الشاعر المصري (د. أحمد زكى أبو شادي) (1892- 1955م) في سبتمبر سنة 1932م سماها "جماعة أبوللو" .
وجعل مركزها القاهرة وتجمع طائفة من أعلام الأدباء، والشعراء والنقاد، ومعهم جماعات (من أدباء الشباب) ومن بين هؤلاء أحمد محرم، إبراهيم ناجى، على محمود طه، كامل كيلانى، أحمد ضيف، وعلى العنانى، وأحمد الشايب، ومحمود أبو الوفا، وحسن كامل الصيرفي، وأبو قاسم الشابي , وغيرهم وتولى أبو شادي أمانة سر هذه الهيئة بصفة دائمة واختير أمير الشعراء (أحمد شوقي) (1868 –1932م) رئيسا لها.
وفى يوم الاثنين العاشر من أكتوبر عام 1932م عقدت الجلسة الأولى له برئاسة "شوقي" فى داره( كرمة بن هانئ) بالجيزة، لوضع الأسس العامة لنظامها الإداري ، والأدبي، ولم يعش "شوقي" بعد ذلك إلا أياما معدودات ففي فجر يوم الجمعة الرابع عشر من أكتوبر سنة 1932 م
انتقل شوقى إلى رحاب ربه وقد اختار أعضاء الجماعة، الشاعر (خليل مطران) (1872- 1949م) رئيسا للهيئة وكان أحمد محرم، وإبراهيم ناجى (وكيلين).
وكانت عضوية الجماعة مفتوحة فى مصر وجميع الأقطار العربية للشعراء خاصة والأدباء ومحبي الأدب عامة، ومن يهمهم تقدم أغراض الجمعية.
وكانت أغراض الجمعية كما أعلنت منذ ميلادها هي ما يلي:
1- السمو بالشعر العربى
2-توجيه الشعراء توجيها شريفا.
3- مناصرة النهضات الفنية فى عالم الشعر.
4-ترقية مستوى الشعراء ماديا وأدبيا واجتماعيا، والدفاع عن كرامتهم .
ومنذ ميلاد هذه الهيئة الأدبية، صدرت مجلة تحمل اسمها وتنشر أدبها وتذيع أفكارها وهى مجلة
(أبوللو)
وهى أول مجلة خصصت للشعر ونقده في العالم العربي.
وفى صدر العدد الأول نفسه قصيدة "لشوقي" حيّا بها ميلاد هذه الجماعة ومجلتها- وجاء فيها:
أبوللو!! مرحبا بك يا أبوللو
فإنك من عكاظ الشعر ظل
عكاظ، وأنت للبلغاء سوق
على جنباتها رحلوا وحلُّو
عسى تأتيننا بمعلقات
تروح على القديم بها تدل
لعل مواهبا خفيت وضاعت
تذاع على يديك وتستغل
ولم تلبث هذه الجماعة ومجلتها أن أحدثت دويّا في الأدب والنقد والشعر في مصر وسائر أنحاء العالم العربي.
وشعراء أبوللو ممن كانوا أعضاء في جمعيتها يكونون مع رائدهم أبى شادي مدرسة متميزة في الشعر المعاصر، لها خصائصها وآراؤها.
وقد أطلق أبو شادى عليها هذا الاسم "مدرسة أبوللو" وهى مدرسة شعرية مذهبها "الرومانسية"وهى تستلهم فى شعرها الحياة وتحرص
على الأصالة وتدعو إلى العاطفة الصادقة، والوحدة التعبيرية والتعبير الطليق، وشعرها هو شعر الطبع والجدة، والوجدان المعبر عن واقع الحياة فى نفس الشاعر.
1- من العجيب أن تظهر مدرسة أبوللو الشعرية ومجلتها فى جو يسوده الظلام والحزن، وفى فترة ليس لها مثيل في تاريخنا القومي، وفى خلال أزمة عالمية عاتية.
2- في الأدب والشعر كان هناك تيار محافظ يمثله عبد المطلب والرافعي والجارم والكاظمى، ومحمد فريد وجدي، والبشرى- وتيار جديد يمثله "مطران" وشكري والعقاد والمازني.
1- النزعة الإنسانية- الالتفاف إلى تصوير البؤس وإظهار بعض الجوانب المظلمة في المجتمع.
2- الاندماج في الطبيعة، والحديث عن الآمال- خلال البعد عن الوصف الحي.
3- الحنين إلى مواطن الذكريات، وهو نابع من النزعة الانطوائية وتتضح السمات الآتية فى
شعر شعراء مدرسة أبوللو وهى:
1---النزعة الإنسانية الرومانسية.
2---- تحطيم القيود الكلاسيكية والرجوع إلى الواقعية والوحي والإلهام.
3----- ترك المدنية إلى الريف والطبيعة.
4---- العناية بالطابع الذاتي.
5---- التحرر من العالم المادي إلى العالم المثالي.
6---- البساطة فى التعبير عن نزعات المشاعر.
وتسمية جماعة أبوللو بهذا الاسم يوحي من زاوية خفيفة باتساع مجالات ثقافتهم وإبداعهم كما اتسمت بوظائف (الآلة الإغريقية أبوللو التي تتغنى للشمس والشعر والموسيقى ).
التي تتصل بالتنمية الحضارية ومحبة الفلسفة وإقرار المبادئ الدينية والخلقية .
وقد وجد هؤلاء الرومانسيون على اختلاف إبداعاتهم في صورة الحب الحزين والمحروم الذي ينتهي :
معادلا موضوعيا ليأسهم في الحياة . وعجزهم الاقتصادي وعجزهم عن التصدي للواقع. وكانت صورة الإنسان في أدبهم فرد سلبي حزين نجده واضحا في أشعار إبراهيم ناجي وعلي محمود طه وروايات محمد عبد الحليم عبد الله و محمد فريد أبو حديد و يوسف السباعي وازدهار المسرح والرواية في هذه المرحلة يدل دلالة واضحة وأكيده على الرغبة الواعية في الهروب من الواقع. كانت المدرسة أقل إثارة للجدل من مدرسة الديوان. لاحقا أغلقت مجلة أبولو بسبب خلاف مع عباس محمود العقادوكان من أعضائها كبار شعراء وادي النيل منهم خليل مطران احمد محرم ، إبراهيم ناجي ، احمد زكي أبو شادي ، احمد الشايب ، محمود ابو الوفا ،
حسن كامل الصيرفي ، سعيد إبراهيم، إسماعيل سري الدهشان ، محمد الههياوي ، زكي مبارك ، الآنسة جميلة العلا يلي ، مختار الوكيل ، صالح جودت, رمزي مفتاح ، علي محمود طه وكامل كيلاني . تولى رئاستها خليل مطران ثم الدكتور احمد زكي ابو شادي.
ولد الشاعر إبراهيم ناجي في حي شبرا بالقاهرة في اليوم الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر في عام 1898، وكان والده مثقفاً مما أثر كثيراً في تنمية موهبته وصقل ثقافته، وقد تخرج الشاعر من مدرسة الطب في عام 1922، وعين حين تخرجه طبيباً في وزارة المواصلات ، ثم في وزارة الصحة ، ثم مراقباً عاماً للقسم الطبي في وزارة الأوقاف.
وقد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نـهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي.
بدأ حياته الشعرية حوالي عام 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسييه وتوماس مور شعراً وينشرها في السياسة الأسبوعية ،
وانظم إلى جماعة أبوللو عام 1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة .
وقد تأثر ناجي في شعره بالاتجاه الرومانسي كما اشتهر بشعره الوجداني ، وكان وكيلاً لمدرسة أبوللو الشعرية ورئيساً لرابطة الأدباء في مصر في الأربعينيات من القرن العشرين .
وقد قام ناجي بترجمة بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان أزهار الشر، وترجم عن الإنكليزية رواية الجريمة والعقاب لديستوفسكي،
وعن الإيطالية رواية الموت في إجازة، كما نشر دراسة عن شكسبير، وقام بإصدار مجلة حكيم البيت ، وألّف بعض الكتب الأدبية مثل مدينة الأحلام وعالم الأسرة وغيرهما.
واجه نقداً عنيفاً عند صدور ديوانه الأول من العقاد وطه حسين معاً ، ويرجع هذا إلى ارتباطه بجماعة أبوللو وقد وصف طه حسين شعره بأنه شعر صالونات .
لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه ، وقد أزعجه هذا النقد فسافر إلى لندن وهناك دهمته سيارة عابرة فنقل إلى مستشفى سان جورج
وقد عاشت هذه المحنة في أعماقه فترة طويلة حتى توفي في الرابع والعشرين من شهر مارس في عام 1953.
وقد صدرت عن الشاعر إبراهيم ناجي بعد رحيله عدة دراسات مهمة، منها: إبراهيم ناجي للشاعر صالح جودت ، وناجي للدكتورة نعمات أحمد فؤاد ، كما كتبت عنه العديد من الرسائل العلمية بالجامعات المصرية .
ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها أم كلثوم ولحنها الموسيقار الراحل رياض السنباطي .
ومن دواوينه الشعرية :
وراء الغمام (1934) ، ليالي القاهرة (1944)، في معبد الليل (1948) ، الطائر الجريح (1953) ، وغيرها . كما صدرت أعماله الشعرية الكاملة في عام 1966 بعد وفاته عن المجلس الأعلى للثقافة.
وفاته :
وبعد صدور ديوانه الأول سافر في شهر يونيو مع أخيه إلى تولوز في فرنسا، ليساعد أخيه على الانتساب إلى إحدى الكليات هناك، ومنها سافر إلى لندن لحضور مؤتمر طبي، وفي لندن قرأ النقد الحاد الذي كتبه طه حسين عن ديوانه الأول، كما قرأ هجوم العقاد عليه، فشعر بخيبة كبيرة، وبينما كان يجتاز أحد الشوارع، صدمته سيارة، فنقل إلى مستشفى سان جورج، ولبث فيه مدة، فقد دخل رأس عظمة الساق في فتحة الحوض فهشمته، وكان يعاني بالإضافة إلى ذلك من داء السكري، ورجع إلى مصر يائسا من الشعر والأصدقاء، وأخذ يكتب قصائد الهجاء في هذا وذاك، بل أخذ يترجم ويكتب
القصص، فكتب قصة "مدينة الأحلام"، تحدث فيها عن حبه الطفو لي الأول، ونشرها مع قصص أخرى مؤلفة ومترجمة في كتاب يحمل العنوان نفسه، قال في مقدمته: "وداعاً أيها الشعر، وداعاً أيها الفن، وداعاً أيها الفكر". ثم نقل الشاعر إلى وزارة الأوقاف، حيث عيّن رئيس القسم الطبي، فاطمأنت نفسه،
لما وجد فيها من تقدير وتكريم، وقد عاصر ثلاثة وزراء كانوا يقدرون الشعر والشاعر، وهم عبد الهادي الجندي وإبراهيم الدسوقي أباظة وعبد الحميدعبد الحق وفي هذه المرحلة أخذ يمدح كل من له يد العون وكان من أبرز من مدحهم إبراهيم الدسوقي أباظة وزير الأوقاف، وقد جمع كل ما قاله في مدحه من شعر تحت عنوان: "الإبراهيميات" وضمنه ديوانه الثاني "ليالي القاهرة" لكنه أخرج من وظيفته عام 1952، ولم يكن يدخر شيئا فعاش في ضنك وتنكر له أقرب الناس إليه، بمن فيهم زوجته، وأخذ ينغمس في السهر، وفي هذه المرحلة تعرف إلى الممثلة زازا وأحبها ، ونظم فيها قصيدة مطولة باسمها مصوراً إياها بالربيع الذي حل على خريف حياته كان ناجي يهمل صحته، ولا يأخذ العلاج، وقد ألح عليه داء السكري، إلى أن وافاه الأجل في 25 مارس 1953 عن عمر ناهز الخامسة والخمسين، ودفن إلى جوار جده لأمه الشيخ عبد الله الشرقاوي، في مسجده بجوار الحسين .
من أشهر قصائده
قصيدة الأطلال
يـا فُؤَادِي رَحِمَ اللّهُ الهَوَى ........ كَانَ صَرْحاً مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
اِسْقِني واشْرَبْ عَلَى أَطْلاَلِهِ....... وارْوِ عَنِّي طَالَمَا الدَّمْعُ رَوَى
كَيْفَ ذَاكَ الحُبُّ أَمْسَى خَبَراً.......... وَحَدِيْثاً مِنْ أَحَادِيْثِ الجَوَى
وَبِسَــاطاً مِنْ نَدَامَى حُلُمٍ ......... هم تَوَارَوا أَبَداً وَهُوَ انْطَوَى
يَارِيَاحاً لَيْسَ يَهْدا عَصْفُهَا .......... نَضَبَ الزَّيْتُ وَمِصْبَاحِي انْطَفَا
وَأَنَا أَقْتَاتُ مِنْ وَهْمٍ عَفَا ........... وَأَفي العُمْرَ لِنِاسٍ مَا وَفَى
كَمْ تَقَلَّبْتُ عَلَى خَنْجَرِهِ ............ لاَ الهَوَى مَالَ وَلاَ الجَفْنُ غَفَا
وَإذا القَلْبُ عَلَى غُفْرانِهِ........... كُلَّمَا غَارَ بَهِ النَّصْلُ عَفَا
يَاغَرَاماً كَانَ مِنّي في دّمي .......... قَدَراً كَالمَوْتِ أَوْفَى طَعْمُهُ
مَا قَضَيْنَا سَاعَةً في عُرْسِهِ ........... وقَضَيْنَا العُمْرَ في مَأْتَمِهِ
مَا انْتِزَاعي دَمْعَةً مِنْ عَيْنَيْهِ.......... وَاغْتِصَابي بَسْمَةً مِنْ فَمِهِ
لَيْتَ شِعْري أَيْنَ مِنْهُ مَهْرَبي.......... أَيْنَ يَمْضي هَارِبٌ مِنْ دَمِهِ
لَسْتُ أَنْسَاكِ وَقَدْ أغريتني .......... بِفَمٍ عَذْبِ المُنَادَاةِ رَقِيْقْ
وَيَدٍ تَمْتَدُّ نَحْوي كَيَدٍ............ مِنْ خِلاَلِ المَوْجِ مُدَّتْ لِغَرِيْقْ
آهِ يَا قِيْلَةَ أَقْدَامي إِذَا .......... شَكَتِ الأَقْدَامُ أَشْوَاكَ الطَّرِيْقْ
يَظْمَاُ السَّاري لَهُ ............ أَيْنَ في عَيْنَيْكِ ذَيَّاكَ البَرِيْقْ
لَسْتُ أَنْسَاكِ وَقَدْ أَغْرَيْتِني ......... بِالذُّرَى الشُّمِّ فَأَدْمَنْتُ الطُّمُوحْ
يَاحَبِيْبي كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءْ.............. مَا بِأَيْدينَا خُلِقْنَا تُعَسَاءْ
رُبَّمَا تَجْمَعُنَا أَقْدَارُنَا..................... ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَمَا عَزَّ الِّلقَاءْ
فَإِذا أَنْكَرَ خِلٌّ خِلَّهُ ....................... وَتَلاَقَيْنَا لِقَاءَ الغُرَبَاءْ
وَمَضَى كُلٌّ إِلَى غَايَتِهِ................... لاَ تَقُلْ شِئْنَا! فَإِنَّ الحَظَّ شَاء