جماليات الأدب
الأدب الإسلامي.. جمالياته
يتبدي جمال الأدب الإسلامي عند مقارنته "بأدب عصر العولمة الثقافية" التي تستبدل "ثقافة وصناعة الكلمة" لتكرس "صناعة الصورة وثقافتها"، وتحول العناصر الجمالية مثل البلاغة والبيان والاتفاق والتطابق والموضوعية والإحالة المرجعية والواقعية إلى "بيت مرايا"، أو "بيت رعب غير مستقر"، "فثقافة العولمة" هي ثقافة التهكم والسخرية أكثر من الجدية، والتغيير والإرجاء والتكرار، أكثر منها ثقافة التحديد والتجديد، وتماهي الأنساق الثقافية والأدبية أكثر من استقلالها، فتتداخل الأساليب (الشاكة والمُشككة في كل المقولات، وغير المنسجمة مع أي موروث) إلى الحد الذي يصبح بلا أسلوب، فمن خصائص ممارساتها الأسلوبية: الاستخدام الشديد للتناص الانعكاسي الأسلوبي Reflexive intertextuality، والتأكيد على أن النص / الكتابة هو أولا وأخيراً للكاتب وليس للقارئ(7)، ويرى مروجو هذه الآداب ـ استعلاءً بتلك السمات التي ينبغي أن تسود العالم طوعاً أو كرهاًـ أنها لن تسود إلا بتفتيت الثقافات المحلية، وصياغتها ضمن منظومة ثقافية نمطية واحدة، بلا تمايز أو اختلاف أو خصوصية للثقافات المتعددة. في حين يصف "ابن خلدون" في مقدمته جماليات وبراعة "الأدباء الإسلاميين" فيقول: "إن كلام الإسلاميين من العرب أعلي طبقة في البلاغة وأذواقها من كلام الجاهليين في منثورهم ومنظومهم.. والسبب في ذلك أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا لطبقة عالية من الكلام في القرآن والحديث، والذين عجز البشر عن الإتيان بمثلهما، فنهضت طباعهم وارتقت مكانتهم في البلاغة، علي ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية ممن لم يسمع هذه الطبقة أو نشأ عليها، فكان كلامهم في نظمهم ومنثورهم احسن ديباجه، واصفي رونقا من أولئك، وارصف مبني، واعدل تثقيفا، بما استفادوه من الكلام العالي". وحين جاء النص الإلهي والخطاب القرآني باللغة العربية نالت من الشرف والقدر ما لم تنله لغة أخرى، وجعل الأدباء يتبارون في صيانتها والعناية بها علي شتي الأوجه، فهي رمز الأمة والمعبرة عن حضارتها ووعاء آدابها وأفكارها ووجدانها ومشاعرها، وحين أقسم الله تعالي "بالقلم" أداة الكتابة ارتفع شأو الأدب والكتابة. لقد ابتكر النظم القرآني صورا أدبية مدهشة بدت غريبة عما كان العرب يعرفونه في نثرهم وشعرهم وهي أروع مما نعرفه في أدب العصور الحديثة"(8)، فلقد وردت فيه القصة والقصص علي نحو غير مسبوق ولقد بات واضحا بروز جماليات الأجناس الأدبية، شكلا ومضمونا، وتوجه آداب ـ وإن كان يستلزم المزيد والمزيد ـ نحو الفن الملتزم الذي ينحو للتحرر الحقيقي، وتجريد المرء من كل قيد إلا رضا ربه، أنماطا فنية لها لغة رائعة، وآدابا بليغة، وقواعد رفيعة، وأفكارا سامية، سموا بالذائقة الفردية والجمعية والإنسانية.
وإذا كان الشعر ـ موهبة ومهارة ـ هو\" تصوير ناطق\"، وتنظيم للخيال بحيث يتحول من أخلاط مشوشة جامحة، وتجارب ذاتية، إلي أشكال جميلة وقوالب بديعة تستحث الوجدان والفكر وتحفظ توازنهما بما لها من معان وأهداف عامة لا تنفصل عنه. وتبقي روح الشعر هي جوهر الفن وأشكاله المختلفة. لذا برز الشعر الإسلامي الذي يتميز بالوضوح والشفافية والقوة. والأعمال الأدبية التي تخلو من روح الشعر ليست أعمالا فنية. بينما الحاجة للنثر حاجة عقلية وفكرية ومنطقية لأنه يخاطب تلك الجوانب من المرء. ففي الكتابة عن السيرة النبوية يبدو عبد الحميد جودة السحار وعمله في عشرين جزءا في أسلوب شائق رائع نموذجا يحتذي في هذا المجال. وهناك العقاد و"عبقرياته"، وكتابات أنور الجندي، وعماد الدين خليل، وحلمي القاعود علامات مضيئة علي طريق الأدب وحركة النقد الإسلامي.
ولقد نشا المسرح من رحم الشعر، فلغة المسرح لغة خصبة ذات إيقاع موحى، وفي المسرح الإسلامي برزت نصوص وأعمال مسرحية معاصرة جديرة بالذكر والإشادة منها: "الملحمة الإسلامية الكبرى..عمر" في تسعة عشر جزء للأديب الكبير علي أحمد باكثير، وله نصوص مسرحية أخرى كـ "إله إسرائيل، مسرحيات عبد الحميد جودة السحار ومنها "الله أكبر"، ثم هناك "عالم وطاغية"، و"يوسف الصديق" ليوسف القرضاوي، و"عروة بن حزام" لهاشم الرفاعي، و"محكمة الصلح الكبرى" لمحمد ماضي أبو العزايم، و"النجاشي ملك الحبشة" و"جوار الله" و"الأبطال" و"هرقل عظيم الروم" لمحمد عبد المنعم العربي، و"مسرور ومقرور" لأحمد بهجت، و"محاكمة رجل مجهول" لعز الدين إسماعيل، و"محكمة الهزل العليا.. تحاكم الأيدي المتوضئة" لجابر قميحة، و"أصحاب الأخدود" لمحمود أحمد نجيب، و"عودة هولاكو"، و"القضية"، و"الواقع.. صورة طبق الأصل" لسلطان بن محمد القاسمي وغيرهم. كما برزت فرق مسرحية كـ"فرقة الشبان المسلمين". كما تلقت الجماهير بشوق ولهفة الأعمال الدرامية التلفزيونية من سيناريو وحوار أمينة الصاوي: "محمد رسول الله" من إخراج أحمد طنطاوي، عن إبداعات القصص الموسوعي لعبد الحميد جودة السحار، و"علي هامش السيرة"، و"فرسان الله، و"الكعبة المشرفة"، و"الأزهر منارة الإسلام".
أما فن الرواية والقصة فعلاقة خاصة بين الروائي والقاص وقارئهما تتسم بالاندماج المباشر والشخصي في تجربة ومضمون ما يريده الكاتب، وهما مزيج من أجناس شتي: المقال والخطابات الشخصية والمذكرات والتاريخ والوثائق الرحلات والسلوك الاجتماعي والتحليل النفسي للشخصية. ويشكل دراسة موقف الإنسان من الكون البؤرة التي تنبع منها الأحداث ومواقفها وبنائها الدرامي. ففي الرواية نجد نجيب الكيلاني ورواياته الرائدة في الأدب الإسلامي: ليالي تركستان، وعمالقة الشمال، وعذراء جاكرتا، وعمر يظهر في القدس، ورحلة إلي الله. ويـُعد محمد عبد الحليم عبد الله معلما بارزا والذي قدم للمكتبة العربية ثلاثين كتابا معظمها في فن الرواية "13 رواية" وعشر مجموعات قصصية قصيرة، واعتني فيها بالقضايا الإنسانية والقيم العامة ونادي بالأمل والوقوف بعد الانتكاسات التي يتعرض لها شخوصه، مع بروز عنصر الخيرية وانتصاره أمر باد في أعماله وتُعد روايته "الباحث عن الحقيقة" أنموذجا تطبيقيا للأدب الإسلامي(9).