عيد الفطر في عيون شعراء الأندلس

عيد الفطر في عيون شعراء الأندلس




يحتفل المسلمون في مَشارق الأرض ومغاربها في شهر شوال من كل سنة بعيد الفطر المبارك، وقد اهتمَّ مسلمو الأندلس كغيرهم من الشُّعوب الإسلامية بهذا العيد، فاحتفلوا به أيَّما احتفاء، وبما أن الشِّعر ديوان العرب، ومستودع تراثهم وثقافتهم، فلا غَرْوَ أن يطرق أبواب الأندلسيين؛ ليواكب احتفالاتِهم بهذه المناسبة، وليطلعنا على بعض التقاليد والعادات المرتبطة بها، التي من بينها خروجهم في مثل هذه المناسبة لاستطلاع هلال شوال، وقد استغل بعضُ الشعراء ذلك للتغزُّل بمحبوبيهم والموازنة بينهم وبين الهلال، على شاكلة أبي الحسن بن هارون الشنتمري الذي قال:
يَا لَيْلَةَ الْعِيدِ عُدْتِ ثَانِيَةً
![]()
وَعَادَ إِحْسَانُكِ الَّذِي أَذْكُرْ
![]()
إِذْ أَقْبَلَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى
![]()
هِلاَلِكِ النِّضْوِ نَاحِلاً أَصْفَرْ
![]()
وَفِيهِمُ مَنْ أَحَبَّهُ وَأَنَا
![]()
أَنْظُرُهُ فِي السَّمَاءِ إِذْ يُنْظَرْ
![]()
فَقُلْتُ لاَ مُؤْمِنًا بِقَوْلِيَ بَلْ
![]()
مُعَرِّضًا لِلْكَلاَمِ لاَ أَكْثَرْ
![]()
بَلْ أَثَّرَ الصَّوْمُ فِي هِلاَلِكُمُ
![]() |
فقد ربط الشاعر بين محبوبه وبين الهلال، مُعتبرًا كليهما ناحلاً أصفر من تأثير الصيام.
وقد يتَّخذ بعضُ الشعراء من هلال الفطر مادةً يسترفدون منها تشبيهاتِهم، على نحو ابن السيد البطليوسي الذي شَبَّه شوقه إلى فرس كان ملكًا للظافر عبدالرحمن بن عبدالله بن ذي النون بتشوق الناس لرؤية هلال الفطر:
كَأَنَّ هِلاَلَ الْفِطْرِ لاَحَ بِوَجْهِهِ
![]() |
ويُبيِّن هذا البيت الشعري مدى ابتهاج الأندلسيِّين برؤية هلال الفطر، ويعكس المكانة التي احتلَّها عيد الفطر في نفوسهم؛ لهذا كانوا يحرصون فيه على ارتداء الثياب الجديدة، وهو ما تُصوِّره لنا أبيات شعرية لأبي إسحاق الإلبيري يُعرِّض فيها برجل رآه يوم عيد الفطر يجر ثيابه الجديدة مزهُوًّا مختالاً:
مَا عِيدُكَ الْفَخْمُ إِلاَّ يَوْمَ يَغْفِرُ لَكْ
![]()
لاَ أَنْ تَجُرَّ بِهِ مُسْتَكْبِرًا حُلَلَكْ
![]()
كَمْ مِنْ جَدِيدِ ثِيَابٍ دِينُهُ خَلِقٌ
![]()
تَكَادُ تَلْعَنُهُ الْأَقْطَارُ حَيْثُ سَلَكْ
![]()
وَكَمْ مُرَقَّعِ أَطْمَارٍ جَدِيدِ تُقًى
![]() |
فالشاعر يرى أن العيد الحقيقي يوم يغفر للإنسان، فيكسب حياته الأخرى، لا أن يلبس الثِّياب الجديدة ويختال بها وهو متغافل عن أمور دينه.
ولا نستغرب صُدور مثل هذا الموقف عن رجل مُتزهد كأبي إسحاق الإلبيري، عُرِفَ بالصلاح والتقوى، وحَثَّ على الابتعاد عن ملذَّات الحياة ومباهجها، وحَذَّر من الاغترار بمظاهرها الكاذبة، وهتف بالآخرة، وحَثَّ على العمل لها، وجعل شعره وسيلةً لنقد المجتمع، ومهما يكن من أمر، فإنَّ موقفه هذا يذكرنا بموقف الحسن البصري[4]، وقد نظر إلى الناس في مصلى البصرة، فقال: "إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - جعل الصوم مضمارًا لعباده؛ ليستبقوا إلى طاعته، فسبق أقوامٌ ففازوا، وتَخلَّف آخرون فخابوا، ولعمري لو كشف الغطاء، لشغل مُحسن بإحسانه، ومسيء بإساءته عن تجديد ثوب، أو ترطيل شعر"[5].
إلى جانب لبس الثياب الجديدة، جرت العادة في مثل هذا اليوم أن يتَّجه الناس إلى المصلى لأداء صلاة العيد، وقد أشار الزجَّال محمد بن عيسى بن قزمان الزهري إلى ذلك في قوله يتحدث عن عيد الفطر: "فقل: هو هلال الفطر، أو قل: هو هلال العيد، فَلَقَه صباحٌ مشى الناس فيه مشي الحباب، ولبسوا أفضلَ الثياب، وبَرَزُوا في مُصلاَّهم من كل باب"[6].
وأشار ابن دراج إلى صلاة العيد في قصيدتين له، الأولى أنشأها في تهنئة المنصور منذر بن يحيى بعيد الفطر، وفيها يقول:
هِلاَلٌ مَسَاءَ بَاتَ يَضْمَنُ لِلضُّحَى
![]() |
والثانية أنشدها في تهنئة المظفر يحيى بن المنصور بهذه المناسبة، ومما جاء فيها:
وَذِكْرٌ وَمِنْهُ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ هَدْيَهُ
![]() |
أما محمد بن عبدالله المعافري الإشبيلي القاضي (ت 543 هـ)، فقد نظر إلى المُصَلَّى يومَ العيد، ورأى كَثْرَةَ الناس فيه واحتفالَهم وتضرُّعهم، فأثار هذا المشهد قريحته التي أرفدته بهذه الأبيات:
إِلَيْكَ إِلَهَ الْخَلْقِ قَامُوا تَعَبُّدًا
![]()
وَذَلُّوا خُضُوعًا يَرْفَعُونَ لَكَ الْيَدَا
![]()
بِإِخْلاَصِ قَلْبٍ وَانْتِصَابِ جَوَارِحٍ
![]()
يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ سُجَّدَا
![]()
نَهَارُهُمُ لَيْلٌ وَلَيْلُهُمُ هُدًى
![]() |
وتعكس هذه الأبيات مدى تأثير الدين وروحه في الوسط الاجتماعي الأندلسي.
وكان الأندلسيُّون عَقِبَ الصلاة يتوجهون إلى المقابر لزيارة موتاهم والترحُّم عليهم، وفي هذا السياق ذكر صاحب القلائد أنَّ الشاعر أبا بكر بن عبدالصمد زار قبر المعتمد بن عباد يومَ عيد الفطر وسط حَشْد من الناس جاؤوا لزيارة قبور موتاهم[10]، كما كانت أعتابُ القصور في هذا اليوم تزدحم بالشُّعراء قصد التهنئة وطلبًا للسنايا والأعطيات، فهذا ابن دراج القسطلي حين هنأ يحيى بن المنصور بعيد الفطر، لم يفُتْه أن يلمح إلى رغبته في نيل رفده قائلاً:
وَأَثْمَرَتَا فِينَا يَدَاهُ بِأَنْعُمٍ
![]() |
أما ابن زيدون فقد تقدم بالتهنئة للوليد بن جهور قائلاً:
هَنِيئًا لَكَ الْعِيدُ الَّذِي بِكَ أَصْبَحَتْ
![]()
تَرُوقُ الضُّحَى مِنْهُ وَتَنْدَى الْأَصَايِلُ
![]()
تَلَقَّاكَ بِالْبُشْرَى وَحَيَّاكَ بِالْمُنَى
![]() |
فالممدوح يستقبل هذا العيد بالبشرى، ويتمنى له الشاعر أن يستقبل كل أعياده القادمة بالسَّعادة.
وأنشأ ابن خفاجة في عيد الفطر قصيدة في مدح الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين أمير شاطبة سنة 510هـ، هنأه فيها بهذه المناسبة، واستنجزه وعدًا بالعطاء، وختمها بقوله:
وَهُنِّئْتَ عِيدًا قَدْ تَلَقَّاكَ قَادِمًا
![]()
وَلَمْ يَكُ لَوْلاَ أَنْ طَلَعْتَ لِيَطْلَعَا
![]()
وَحَسْبُكَ جَدٌّ قَدْ أَظَلَّكَ خَادِمًا
![]() |
وقدمت حفصة بنت الحاج تهانيها بهذه المناسبة إلى السيد أبي سعيد ملك غرناطة داعية له بالهناء:
يَا ذَا الْعُلاَ وَابْنَ الْخَلِيفَةِ وَالْإِمَامِ الْمُرْتَضَى
![]()
يُهْنِيكَ عِيدٌ قَدْ جَرَى فِيهِ بِمَا تَهْوَى الْقَضَا
![]()
وَأَتَاكَ مَنْ تَهْوَاهُ فِي قَيْدِ الْإِنَابَةِ وَالرِّضَا
![]() |
وتلمح الشاعرة في هذه الأبيات إلى أنه بانقضاء شهر الصوم يُمكن للممدوح أن ينطلقَ إلى ارتشاف مَلَذَّات الحياة دونما قيد.
وعلى ضوء ما تقدم، يمكن القول: إنَّ الشعر الأندلسي قد أسهم بمقدار في تصوير مكانة عيد الفطر لدى أهل الأندلس، وفي إلقاء الضوء على بعض العادات والتقاليد المصاحبة له، التي تشبه إلى حَدٍّ كبير عادات المسلمين اليوم في الاحتفال بهذه المناسبة الدينية.
[1] نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري 4/177، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968م.
[2] ابن السيد البطليوسي (مجموع شعره): 109، جمع وتحقيق: صاحب أبو جناح، مجلة المورد العراقية، المجلد 16، العدد1، سنة 1977م.
[3] ديوان أبي إسحاق الإلبيري: 80، تحقيق: محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، دمشق، الطبعة1، 1991م.
[4] هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، كان من سادات التابعين وكبرائهم، وجمع من كل علم وزهد وورع وعبادة، وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوفي بالبصرة سنة 110هـ؛ (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان 2/6970، تحقيق: إحسان عباس، بيروت 1968م).
[5] الكامل، لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد (ت 285)، 1/130، حقَّقه وعلق عليه ووضع فهارسه: محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1993م.
[6] الإحاطة في أخبار غرناطة، لابن الخطيب 2 /501، تحقيق: محمد عبدالله عنان، الطبعة 2، 1974م، القاهرة.
[7] ديوان ابن دراج القسطلي: 156، تحقيق: محمود علي مكي، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة2، 1969م.
[8] نفسه: 202.
[9] قلائد العقيان في محاسن الأعيان، للفتح بن خاقان:34، قدم له ووضع فهارسه: محمد االعنابي، المكتبة العتيقة، تونس.
[10] نفسه: الصفحة نفسها.
[11] ديوان ابن دراج: 202.
[12] ديوان ابن زيدون: 396، تحقيق: علي عبدالعظيم، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الفجالة، القاهرة، 1957م.
[13] ديوان ابن خفاجة: 60، تحقيق: سيد غازي، الإسكندرية، الطبعة 2، 1960م.
[14] الحلة السيراء لابن الأبار البلنسي 2/19، تحقيق: حسين مؤنس، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة1، 1963م.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/literature_language/0/41117/#ixzz3sFfqsLqW