قضايا نقدية حديثة
وحدة العمل الأدبي :
إن قضية "وحدة العمل الأدبي" لا تنفصل بحال عن قضية الشكل والمضمون فهي مرتبطة بها أوثق الارتباط، فقد كان الشكل ضرورياً لإعطاء النص حدوده الخاصة والعامة، أي تفرده وتميزه من غيره من النصوص الأخرى، وتعرفه ضمن جنس معين في الإطار الأوسع. ونضرب، هنا، مثلاً بالقصيدة، فلو قرأنا قصيدة للمتنبي، لوجدنا لها شكلاً متميزاً ضمن قصائد المتنبي أولاً، وقصائد الشعر العربي الغنائي ثانياً، ولو وسعنا الدائرة قليلاً لقلنا: إن هذه القصيدة من "الشعر الغنائي"، تمييزاً لها عن أعمال أدبيّة أخرى كالعمل القصصي أو المسرحي.
وقد جرى النقاد على اعتبار العمل الأدبي وحدة واحدة، وأنكروا على من رأي النقاد القدماء وحدة البيت في القصيدة، وضرورة استقلاله عما قبله وعما بعده، ورأوا، من خلال أمثلة تطبيقية، أن فكرة استقلالية البيت سقيمة وتكذبها القراءة المتدبرة الواعية للقصيد أو العمل الأدبي.
وذهب بعض النقاد إلى وجود خيط نفسي يشد القصيدة من أوّلها إلى آخرها حين تتعدد موضوعات القصيدة وتوحي بالتفكك والاضطراب، وذهبوا إلى أن هذا التعدد الظاهري لا يجوز أن يخفي الوحدة النفسية الفنية العميقة في جسد القصيدة التي أبدعها شاعر، وقع تحت لحظة انفعال الإبداع، وسرت روحه ونفسه في هذه القصيدة.
وقد ذهب النقاد ولا سيّما الرومانتيكيين إلى الحديث عن الوحدة العضوية في القصيدة بوصفها كائناً عضوياً تتحد أجزاؤه وتتفاعل وتتبادل التأثر والتأثير، ولعلهم كانوا يضعون نصب أعينهم مثال الشجرة بما فيها من أجزاء، فنموها تدريجي ولكنه يجمع بين الشكل والمضمون في وحدة تامة. وهذا الشكل العضوي تتوافر فيه القوانين الذاتية التي تنبع من داخل العمل الفني، إذ يمتزج المضمون والهيكل العام في وحدة عضوية حيوية.
وإذا كنّا قد عرفنا أنّ النقّاد حاولوا دراسة الأعمال الأدبيّة بوصفها تمثّل كلاً متكاملاً ملتحم الأجزاء، فإنهم ذهبوا مذاهب في طرائق تحليلهم للعمل الفني، فمنهم من أهتم باللفظة في الشعر، وخصائص الأسلوب الشعري، ووقفوا عند وظيفة الأسلوب الشعري في التركيب، أي التأليف بين المتناقضات أو المتباعدات، إذ تنشأ المعاني الشعرية من الصراع بين ما هو منطقي وما هو غير منطقي، وهم يرون الوحدة في القصيدة وحدة عضوية أو وحدة مغزى يستكشفه الناقد في أثناء تحليله للنزعة الغالبة في القصيدة، ويقسمون القصائد إلى مسرحية وغنائية وقصصية مثلاً ليتمكنوا من فهم بنائها الأساسي.
ومنهم من حاول أن يدرس وحدة العمل الأدبي من خلال الصور والرموز والأساطير ومنجزات علم النفس.