محنة المعتمد بن عب
محنة المعتمد بن عباد في سجن أغمات
مثلما يتذكر التاريخ أبا فراس الحمداني من خلال رومياته، التي نظمها في حصن منيع للروم على نهر الفرات، يوم كان أسيرا عندهم، يتذكر الناس المعتمد بن عباد من خلال أشعاره التي قالها في محنته بأغمات. هناك، وعلى مقربة من العاصمة مراكش، قضى أمير إشبيلية أربع سنوات أسيرا لدى يوسف بن تاشفين.
محنة المعتمد بن عباد إحدى أروع المآسي الملوكية. وجد المعتمد نفسه، بعدما أطيح به من عرش إشبيلية، أسيرا غريبا في قلعة أغمات، يقاسي الاعتقال والأغلال والذل. ولم يكن صاحب نكبته سوى أمير المرابطين يوسف بن تاشفين. محنة خلدها المعتمد بشعره وتناقلتها الأجيال جيلا بعد آخر.
السفارة المشؤومة
جلس المعتمد بن عباد على عرش مملكة إشبيلية، واسطة عقد الأندلس وأفضل مدنها، سنة 1069م، وهو بالكاد يتجاوز ثلاثين سنة. واستطاع، خلال عشرين سنة من حكمه، أن يضم إلى إمارته مدن بلنسية وقرطبة ومرسية، مؤسسا أعظم مملكة للطوائف. لكن والده المعتضد، وإن أورثه عرش إشبيلية، فقد ترك له معه دينا ثقيلا: جزية سنوية يؤديها إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة. وشاءت الأقدار أن يكون الخلاف حول هذه الجزية فتيل شرارة الأحداث الخطيرة التي انتهت بخلع المعتمد، على يد يوسف بن تاشفين، وترحيله أسيرا إلى أغمات.
ولد المعتمد بن عباد سنة 1040م، في مدينة باجة شرق الأندلس. وآل إليه أمر إشبيلية، بعد وفاة والده المعتضد، فخاض سلسلة طويلة من الحروب مكنته من توسيع مملكته، لتصبح الأعظم على الإطلاق في الأندلس. يصفه ابن الأبار في كتابه «الحلة السيراء» بأنه كان: «من الملوك الفضلاء، والشجعان العقلاء، والأجواد الأسخياء المأمونين. عفيف السيف والذيل، مخالفا لأبيه في القهر والسفك والأخذ بأدنى سعاية. رد جماعة ممن نفى أبوه، وسكن وما نفر، وأحسن السيرة، وملك فأسجح، إلا أنه كان مولعا بالخمر، منغمسا في اللذات، عاكفا على البطالة، مخلدا إلى الراحة. فكان ذلك سبب عطبه وأصل هلاكه».
في سنة 1082، أي بعد 13 سنة من حكم المعتمد، وصلت سفارة ألفونسو السادس المعتادة بطلب الجزية السنوية، وعلى رأسها يهودي يدعى ابن شالب. ينقل لسان الدين بن الخطيب في الكتاب المنسوب إليه، «الحلل الموشية»، ما جرى بين المعتمد ورسل ملك قشتالة. يقول الوزير الشاعر: «فوجه إليهم المعتمد المال المعلوم مع بعض أشياخ إشبيلية، منهم الوزير ابن زيدون وغيره. فلما وصلوا إلى خبائه وأخرجوا إليه المال العين والسبائك، قال لهم اليهودي: والله لا آخذ منه هذا العيار ولا آخذ منه إلا مشحرا (أي ذهبا خالصا شُحِرَ على النار)… وزاد في كلامه ونقص، وأساء الأدب، فبلغ المعتمد بن عباد خبره. فدعا بعبيده وبعض جنوده وأمرهم بالخروج لقتل اليهودي ابن شالب وأسر من كان معه من النصارى ففعلوا ما أمرهم به من ذلك».
قطع قتل ابن شالب حبل التعايش بين المعتمد بن عباد وملك قشتالة، فأقسم الأخير أن ينتقم منه أشد انتقام ويقتحم عليه عاصمته، وينتزعه من ملكه. ووجد في حادثة السفارة أمثل ذريعة لشن الحرب. أما المعتمد، فلم يجد – ومعه ملوك الطوائف- بدا من الاستنجاد بيوسف بن تاشفين، أمير المرابطين في المغرب.
استجاب يوسف لنداء المعتمد بن عباد، وعبر إلى الأندلس، وهزم ألفونس السادس في موقعة الزلاقة شر هزيمة، ثم عبر إليها مرة أخرى لنجدة مدن الشرق. وفي عبوره الثالث سنة 1090، كان عازما على استئصال ملوك الطوائف. فشرع في الإطاحة بهم واحدا تلو الآخر، إلى أن وصل القتال إلى إشبيلية، فانتصب المعتمد بن عباد مدافعا عن ملكه وأهله. وانتهى المطاف به أسيرا.
لا يغني حذر من قدر
لم يكن الاستنجاد بيوسف بن تاشفين هينا على المعتمد بن عباد. كان الرجل يعلم، حق العلم، أنه بهذه الخطوة يغامر بعرشه ومدينته. لكنه حزم أمره، وواجه معارضة حاشيته بصرامة: «أن أرعى الجمال خير من أن أرعى الخنازير». يقصد بذلك أنه يفضل أن يغدو أسيرا لدى يوسف بن تاشفين، يرعى جماله، على أن يغدو أسيرا لدى ألفونسو. وتنقل المصادر الأندلسية السجالات التي كان قصر إشبيلية مسرحا لها؛ فقد أصرت حاشية المعتمد على مهادنة ملك قشتالة أيا كان الثمن، وحذرته عاقبة تصرفه بالقول: «الملك عقيم، والسيفان لا يجتمعان في غمد واحد»، في إشارة إلى أن يوسف بن تاشفين متى حل بالأندلس زاحم المعتمد في ملكه. لكن سيد إشبيلية رفض أن يتراجع البثة.
من المؤكد أن المعتمد لم يكن ليلجأ إلى يوسف بن تاشفين لو كان لديه أو لدى أي من ملوك الطوائف القدرة على مجابهة ملك قشتالة. وهو نفسه اعترف بذلك في حوار مع ابنه الرشيد: «إن إخواننا وجيراننا ملوك الأندلس ليس لنا فيهم نفع، ولا ترجى منهم نصرة ولا جنة… ونرى الرأي أن نبعث إلى هذا الصحراوي، ملك العدوة نستدعيه للجواز». فقال ابنه الرشيد عندئذ: «يا أبت أتدخل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا ويبدد شملنا!».
ولما ورد كتاب سلطان المغرب يطلب التنازل له عن الجزيرة الخضراء، كشرط مسبق، للعبور إلى الأندلس، جدد الرشيد تحذيره لوالده، فكان جواب المعتمد: «يا بني، ذلك قليل في حق نصرة المسلمين». على إثرها، جمع المعتمد القاضي والفقهاء، وكتب عقد هبة الجزيرة الخضراء ليوسف. ثم أياما قليلة قبل سقوط إشبيلية، ذكر الرشيد مجددا والده بنصيحته السابقة، ولامه على عدم إصغائه لتحذيره، فرد المعتمد مسلما بالنهاية: «لا ينجي حذر من قدر».
بداية المحنة
لم يكن سقوط إشبيلية وأسر المعتمد وأهله نهاية المحنة، بل مجرد البداية لمحنة أدهى وأمر: المنفى. وكانت طنجة المحطة الأولى في منفى المعتمد بن عباد. وصلها وقلبه يتفطر حزنا وكمدا، بعدما ضاع ملكه وتشتت أهله، وتجرع مرارة الثكل في أربعة من أبنائه: المأمون، والراضي، وعباد، ومالك. مكث أسيرا مدة يسيرة في طنجة، تهافت عليه خلالها الشعراء، كما كانوا يتهافتون على بلاطه في إشبيلية، وألحوا عليه بالسؤال وهو الأسير المعدم. فنظم شعرا يقول فيه إنه أحق بالسؤال لولا أن الحياء والعزة يمنعانه من ذلك. قال المعتمد:
شعراء طنجة كلهــم والمغـرب
ذهبوا من الأغراب أبعد مذهـب
سألوا العسير من الأسير وإنه
بسؤالهم لأحــق منهم فأعـــجب
لـولا الحـياء وعـــــزة لخمـــــية
طي الحشا لحكاهـم في المطلب
و كان من بين هؤلاء الشعراء أبو الحسن بن عبد الغني الفهري المعروف بالحصري الضرير. وفد إلى المعتمد مادحا، لكن الملك الأسير لم يجد ما يثيب به صاحبه سوى صلة هزيلة مع قطعة شعرية للاعتذار، كانت آخر صلاته الملوكية.
تشير أغلب الروايات إلى أن المعتمد انتقل من طنجة إلى مكناسة، لكن عبد القادر زمامة، في مقال له بمجلة «دعوة الحق» سنة 1963، يكشف -نقلا عن كتاب «الاستبصار» لمؤلف مجهول- أن المعتمد قضى مدة في قلعة فازاز بالأطلس المتوسط، ومنها انتقل إلى مكناسة حيث مكث أشهرا، لكن تفاصيل إقامته بهذه المدينة تبقى مجهولة. يقول زمامة: «ولم نستطع أن نجد للمعتمد كلمة سجلها في مقامه بمكناسة، لا مدحا، ولا ذما، ولا شعرا، ولا نثرا، بل لم نعثر له على أي اتصال بينه وبين أهلها… وقد نامت عين التاريخ هذه المرة عن مقام المعتمد في مكناسة، وعن الطريق التي سلكها من الشمال إلى الجنوب، ولم تستيقظ إلا والمعتمد يرسف في قيوده بأغمات».
أسير أغمات
وصل المعتمد بن عباد إلى أغمات في بداية سنة 1092. تقع هذه المدينة الصغيرة الحصينة في سفوح جبال الأطلس الكبير، على بعد أربعين كيلومترا من مراكش، وهي عاصمة المرابطين الأولى. ورافقه في منفاه عبد الله بن بلقين، صاحب غرناطة. لكن مصيره كان أحسن حالا، فقد أنزل دار حسنة وعومل برفق، فيما ألقي بالمعتمد في قلعة أغمات. وظل على هذه الحال أربع سنوات، شهد خلالها زوجته اعتماد الرميكية تذوب أمام ناظريه إلى أن وفاها الأجل تحت وطأة المحنة، وعاين بناته يغزلن للناس ليعلنه في الأسر.
سار المعتمد بن عباد على خطى أبي فراس الحمداني في رومياته، فخلد محنته شعرا تناقله الناس جيلا بعد جيل. في شعره، ندب المعتمد حظه، وبكى ملكا أضاعه، وناجى قيده، ورثى بناته. نظر مرة إلى نفسه أسيرا غريبا، فأنشد:
غريب بأرض المغربين أسيـر
سيبكي عليه منبر وسرير
وتندبه البيض الصوارم والقنا
وينهـل دمع بينهن غزيــــر
وجاء يوم العيد، ودخلت عليه إحدى بناته في أطمار رثة، وقد صرن يغزلن للناس من أجل لقمة العيش، فرق لحالها، وأنشد:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
فساءك العيد في أغمات مأسورا
تـرى بنـاتك في الأطمــــار جائعة
يغزلن للنـاس ما يملكـن قطميرا
برزن نحـــوك للتسليـــم خاشـــعة
أبصـارهـن حسيـرات مكاسيـرا
يطـأن في الطيـن والأقـدام حافيـة
كأنهـا لم تطـأ مسكـا أو كافـورا
ودخل عليه يوما ولده، وكان يسمى أبا هاشم، وهو في حالة الأسر والقيود آلمت قدميه. فلما رآه بكى وأنشد مناجيا قيده:
قيـدي أما تعلمنـي مسلـما
أبيت أن تشفق أو ترحما
دمي شراب لك واللحم قد
أكلته لا تهـشـم الأعظـما
يبصرني فيك أبو هاشــم
فينثـني القلـب وقد هشما
ووصلته في أسره قصيدة من بنته بثينة تطلب منه الموافقة على زواجها. وكانت بثينة هذه مثل أمها في الجمال والذكاء ونظم الشعر، فلما سقطت إشبيلية، بيعت في سوق الرقيق، فاشتراها تاجر على أنها سبية، لكنها امتنعت عليه إلا أن يتزوجها زواجا شرعيا يرتضيه والدها المعتمد. فكتبت إليه شعرا ترجو منه الموافقة على الزواج، فرد المعتمد موافقا بأبيات يقول فيها:
بثينتي كوني به برة
قد قضى الدهر بإسعافه
توفي المعتمد بن عباد في أواخر أكتوبر سنة 1095، بعد أربع سنوات من الاعتقال. ونودي عليه في جنازته بالصلاة على الغريب.
على قبر المعتمد
لم يكن منفى المعتمد بن عباد كله قيدا وعزلة. بل، كان المعتمد يستقبل أحيانا زواره في أغمات، ومن بينهم شعراء دولته، مثل أبي بكر بن اللبانة، الذي حافظ على وفائه له، فزاره في سجنه، ونظم له عددا من القصائد، بل وضع كتابا في تاريخ بني عباد أسماه: «نظم السلوك في مواعظ الملوك». وزاره أيضا الشاعران ابن حمديس الصقلي، وأبو بحر بن عبد الصمد. ويلفت الراحل محمد المنوني الانتباه إلى التعاطف الكبير الذي لقيه المعتمد في محنته خلال الأسر. فكما قال ابن الأبار، «جعل الله تعالى له رقة في القلوب، وخصوصا بالمغرب». ومن نماذج هذه الرقة، مشهد أهل أغمات وهم يعبرون بالبكاء والعويل، عن مدى خزيهم على واقع ابن عباد. كان ذلك يوم عيد الأضحى، أياما قليلة بعد وفاة المعتمد، حين زار قبره الشاعر الأندلسي أبو بكر بن عبد الصمد، فجعل يطوف به ويلتزمه ويخر على ترابه ويلثمه. وأنشد في بكائه قصيدة هيجت نفوس الأغماتيين، وكشفت العطف الذي يكنونه لضيفهم وهو في عمق الثرى.
وصف الفتح بن خاقان في «القلائد» مشهد تجمع الناس حول أبي بحر بن عبد الصمد ومشاركتهم له في البكاء، فقال: «فانحشر الناس إليه وأجفلوا، وبكوا لبكائه وأعولوا، وأقاموا أكثر نهارهم مطيفين به طواف الحجيج، مديمين بالبكاء والعجيج، ثم انصرفوا وقد نزفوا ماء عيونهم، وأقرحوا مآقيهم بفيض شؤونهم».
توالى زوار قبر المعتمد بن عباد بتوالي السنين؛ فبعد أكثر من قرنين ونصف على وفاته، زاره الوزير الشاعر لسان الدين بن الخطيب. ووصف وقوفه على قبره في كتابه «أعمال الأعلام»، قائلا: «وقفت على قبر المعتمد بن عباد بمدينة أغمات في حركة راحة أعملتها إلى الجهات المراكشية، باعثها لقاء الصالحين ومشاهدة الآثار سنة 761. وهو بمقبرة أغمات في نشز من الأرض، وقد حفت به سدرة، وإلى جانبه قبر اعتماد حظيته مولاة رميك، وعليهما هيأة التغرب ومعاناة الخمول من بعد الملك، فلا تملك العين دمعها عند رؤيتها. فأنشدت في الحال:
قد زرت قبرك عن طوعٍ بأغمات
رأيت ذلك من أولى المهمات
لم لا أزورك يا أندى الملـوك يـداً
ويا سراج الليالي المدلهــمات
ربما يكون غزو الأندلس وأسر المعتمد بن عباد، النقطة الأكثر إثارة للخلاف في حياة سلطان المغرب يوسف بن تاشفين. فيما عدا ذلك، تجمع المصادر على الإشادة بخصاله وعدله وجهاده. وقد أيد بعضها غزو الأندلس، ورأى فيه إنقاذا لبقعة من أرض الإسلام. في المقابل، رأى آخرون في غزو الأندلس تشوفا وطمعا من يوسف بن تاشفين.
يوسف في الميزان
عن الاختلاف حول شخص ابن تاشفين، يقول محمد عبد الله عنان في كتابه «دولة الإسلام في الأندلس»: «وقد اختلفت الروايات في تصوير البواعث التي حملت يوسف على اتخاذ هذا القرار. بيد أنه يبدو على ضوء مختلف الروايات، أن يوسف قد تأثر منذ البداية بما شهده من اختلال أحوال أمراء الطوائف، وضعف عقيدتهم الدينية، وانهماكهم في مجال الترف والعيش الناعم، وما يقتضيه ذلك من إرهاق لشعوبهم بالمغارم الجائرة… وأن الشقاق الذي استحكم بينهم، ولم ينقطع بعد الزلاقة، سوف يقضي عليهم جميعا، إذا تركت الأمور في مجراها، وسوف يمهد لاستيلاء النصارى على شبه الجزيرة في أقرب وقت. ومن ثم فقد اعتزم أمير المسلمين أمره نحو الأندلس ونحو أمرائها العابثين المترفين». ومما يؤكد هذ الطرح، ما قاله يوسف بن تاشفين لأصحابه، وقد رأى سيرة المعتمد بن عباد في ملكه: «الذي يلوح لي من أمر هذا الرجل أنه مضيع لما في يده من الملك». بيد أن عبد الواحد المراكشي يذهب إلى أن الباعث الرئيس يتمثل في تشوف يوسف وطمعه في امتلاك بلاد الأندلس. وفي ذلك، يقول: «وجعل يظهر التأفف من الإقامة بجزيرة الأندلس، ويتشوق إلى مراكش، ويصغر قدر الأندلس، ويقول في أكثر أوقاته: كان أمر هذه الجزيرة عندنا عظيما قبل أن نراها، فلما رأيناها وقعت دون الوصف. وهو في ذلك كله يسر حسوا في ارتغاء».
وقف يوسف بن تاشفين بنفسه على المؤامرات التي كان يدبرها ملوك الطوائف، والتحالفات التي بدؤوا في عقدها مع ألفونسو ملك قشتالة. كان هذا هو حال عبد الله بن بلقين والمتوكل بن الأفطس والمعتمد بن عباد، الذين عقد بعضهم اتفاقات سرية ومراسلات مع ألفونسو، وقعت إحداها في يد يوسف بن تاشفين. إضافة إلى هذا، فإن أمير المغرب لم يبادر إلى العبور إلى الأندلس إلا بعد الحصول على السند الشرعي المتجسد في الفتاوى التي استصدرها من فقهاء المغرب والأندلس، بل من كبار فقهاء المشرق كالإمام الغزالي.
لكن، ما لم يستسغه كثير من الكتاب والمؤرخين، وبدا ذلك واضحا في مؤلفاتهم، هو المعاملة القاسية التي عامل بها يوسف بن تاشفين المعتمد بن عباد وأهله، حين أسره في أغمات. ووصل انتقاد هؤلاء ليوسف بن تاشفين حد التعريض به، كما فعل ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» حين قال: «إن المعتمد سلم البلد بأمان، وكتب نسخة الأمان والعهد، واستحلفهم به لنفسه، وأهله، وماله، وعبيده، وجميع ما يتعلق بأسبابه. فلما سلم إليهم إشبيلية لم يفوا له، وأخذوهم أسراء، ومالهم غنيمة، وسير المعتمد وأهله إلى مدينة أغمات، فحبسوا فيها، وفعل أمير المسلمين بهم أفعالا لم يسلكها أحد ممن قبله، ولا يفعلها أحد ممن يأتي بعده، إلا من رضي لنفسه بهذه الرذيلة، وذلك أنه سجنهم فلم يجر عليهم ما يقوم بهم، حتى كانت بنات المعتمد يغزلن للناس بأجرة ينفقونها على أنفسهم… فأبان أمير المسلمين بهذا الفعل عن صغر نفس ولؤم قدر».
خالد الغالي