معلقة امرئ القيس و
معلقة امرئ القيس وأثرها في الشعر العربي (WORD)




معلقة امرئ القيس
وأثرها في الشعر العربي
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)
المعلقات هي أشهر ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي، وأطولها نفسًا، وأبعدها أثرًا، وقد كان الشعر أعظم مفاخر العرب قديمًا، ومآثر قبائلها، ومصدر عزهم وسؤددهم، يقول "ابن عبدربه" في "العقد الفريد": "قد مَضى قولُنا في أيام العرب ووقائعها وأخبارها، ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في فضائل الشعر ومَقاطعه ومَخارجه، إذ كان الشعر ديوانَ العرب خاصة والمنظومَ من كلامها، والمقيِّدَ لأيامها، والشاهد على أحكامها. حتى لقد بلغ من كَلَف العرب به وتَفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تَخيَّرتها من الشعر القديم، فكتبتها بماء الذهب في القبَاطيّ المُدرجة، وعَلِّقتها بين أستار الكعبة"؛ واشتهرت هذه القصائد باسم المعلقات وصارت ديوان شعر العصر الجاهلي، وكان على رأسها معلقة "امرؤ القيس" التي مطلعها:
قِفَا نَبْكِ من ذكرى حبيب ومنزل
![]()
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
![]() |
وهذه المعلقة هي أشهر المعلقات الجاهلية، وأكملها دربة فنية، وأقصاها بعدًا نفسيًا، وقد سار على نهجها معظم قصائد العصر الجاهلي، وردحًا بعيدًا من شعر ما بعد دخول الإسلام، من حيث الابتداء بالبكاء على الطلول، ومناجاة الأصحاب، وذكر الخواطر النفسية والوجدانية التي تضطرم بها نفس الشاعر، حيث يقص الشاعر فيها نفسَه في عواطفه، وخواطره، وتأملاته، إلى جانب ذكره عناصر البيئة التي تحيط به في جانب وصفي متقصٍ كان عليه مدار الشعر وصنعته حتى وقت قريب.
وقد جاءت دراسة الأستاذ الدكتور "عبدالحميد محمد بدران" - أستاذ اللغة العربية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر - والتي عنوانها "معلقة امرئ القيس وأثرها في الشعر العربي" بمثابة أطروحة بحثية حول قيمة تلك المعلقة في الشعر العربي ككل، حيث ذاعت وانتشرت و"مثلت منهجًا متميزًا من مناهج المعالجة الشعرية في الأدب العربي"، ويرى الكاتب أنه على الرغم من تأرجح الشاعر الجاهلي في تلك القصيدة بين الذكرى الوجدانية والشهوة الإباحية؛ إلا أنها بما أحدثته من رصيد فني عميق التأثير ظلت حاضرة في وجدان الشاعر العربي المسلم على مر العصور، حيث تناول كثير من الشعراء والنقاد القصيدة بالتضمين والترميز والتشطير والمطارحات الشعرية، حتى أن الشعر الحديث أو شعر التفعيلة وليد بدايات القرن العشرين قد أخذ حظه من التأثر بهذه القصيدة؛ على الرغم من الفارق الزمني البعيد واختلاف الأسلوب الشعري بين المدرستين!
ووضح الكاتب أن بحثه بمثابة "إلقاء الضوء على شعر امرئ القيس، ومدى ما حققته بعض قصائده من شهرة، ومدى تأثير معانيه الجيدة في الشعراء من بعده، ثم إلقاء الضوء على أثر معلقة امرئ القيس في الشعر القديم..... ثم إلقاء الضوء على أثر المعلقة، الذي تعدى نطاق الإعجاب والاحتذاء، إلى امتصاص نص المعلقة من خلال التناص، ومحاولة تحويله في نص جديد، يتخذ من النص القديم نصًا غائبًا حاضرًا في آن معًا".
ويرى الكاتب أن قصيدة امرئ القيس "تمثل اتجاهًا فريدًا في معالجة التجربة يقوم على المغامرة والقص، ويتكيء على التشويق والإثارة في إجادة الحكي وتتابع الأحداث"، وهذا ما برز بشدة من حيث "الترميز"والإشارة لقصيدة امرئ القيس في قصائد عدد من الشعراء في العصور اللاحقة لعصر امرئ القيس، ولمَ لا؟!!، وصاحبها يعد في الطبقة الأولى من الشعراء الجاهليين إن لم يكن أولهم جميعًا، وهو صاحب لواء الشعراء جميعًا، فنجد تسليطًا للضوء على أبياتها، وذكرًا لها في أشعار ابن نباتة، وأبوالبركات بن الحاج، وأبي بكر أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي، وأبي الحسين الجزار المصري، وأبي الحسين الإشبيلي... وغيرهم الكثير.
ويبين الكاتب أنه "لم يقف التأثر بشعر امرئ القيس عند حد تضمين قصائد بعينها، وإنما تجاوزه إلى التأثر ببعض معانيه الجيدة التي وقعت في شعره" كما ظهر عند الزمخشري وابن نباتة المصري.
وقد ظهر أثر القصيدة جليًا في الشعر العربي، ووجدان شعرائها في ظاهرة"الإعجاب" أو "الاحتذاء" التي أشار إليها الباحث طوال دراسته، والتي اتخذت أوجهًا عدة، تضمنها البحث شرحًا وتبيينًا وتمثيلًا، ومن أهم تلك الأوجه:
"التضمين" عن طريق ذكر بعض كلام امرئ القيس في قصائد الشعراء، للتدليل بها على المعنى الذي يريدونه، ولعل هذا ظهر واضحًا في قول أبي بكر الصولي:
وقفت على باب ابن عيسى كأنني
![]()
قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل
![]() |
وكذلك نجد جانب من ظاهرة التضمين هذه عند أبي جعفر الألبيري، وأبي الحسن حازم القرطاجني، وسيف الدين على بن عمر بن قذل المشد، ورمضان بن موسى العطيفي وابن نباتة المصري.
أما في جانب "المطارحات" و"المساجلات الأدبية" فحظت القصيدة بالذكر والترميز لها في عدد كبير من تلك المطارحات كما نجد في المطارحة التي حدثت بين محمد بن محمد الطيب المالكي وبعض أحبابه، وفي المطارحة التي دارت بين قاضي القضاة صدر الدين على بن الآدمى الحنفي وتقي الدين ابن حجة، وفي المطارحة التي دارت أبياتها بين الشيخ الصفدي وابن نباتة المصري.
أما جانب "الامتصاص والتحويل" والتي تعرف اصطلاحيًا بظاهرة "التناص" بين النصوص الشعرية، وهي مجموعة النصوص التي نجد بينها وبين النص الذي نحن بصدد قراءته قرابة، أو مجموع النصوص التي نستحضرها من ذاكرتنا عند قراءة مقطع معين، فنراه واضحًا في أبيات لابن الصيقل الجزري، وصفي الدين الحلي، وتعدى هذا التأثير إلى نصوص شعراء العصر الحديث أنفسهم، حيث نرى ملامح جلية لقصيدة امرئ القيس في نصوص شعرية لكل من: فدوى طوقان، وقاسم حداد، ومحمد أحمد العزب، وعبد الحميد بدران.. وغيرهم.
وقد ركز الكاتب في قسمه الأخير من الدراسة على هذا التوظيف الفني، الملاحظ بكثرة، لشعراء العصر الحديث لمعلقة امرئ القيس في أشعارهم، خاصة من جانب استحضار الماضي ودمج الرؤية التراثية في نصوص الشعر الحديث بشكل فريد، واتخذَ مثالًا لهذه السمة الفنية قصيدة الدكتور "محمد أحمد العزب: "معلقة جديدة لامرئ قيس جديد"، والتي مطلعها:
قفا نبك حتى نبل الثرى
ونرحل في ذكريات المكان
إلى اللامكان !!
حيث ركز الكاتب في بيان شرحه لهذه القصيدة وأبياتها بيان "معالجة التجربة الشعرية بطريقة فنية جيدة، يمكن الوقوف عليها من خلال وقوفنا على البناء الفكري والصياغة الفنية، والتصوير الفني والموسيقا الشعرية في القصيدة".
وقد جاء البحث مترابط المعنى، مبينًا لأبعاد الفكرة العامة التي دندن عليها الباحث طيلة الدراسة، وتعد هذه التجربة البحثية الممتعة بمثابة "تأصيل لرؤية عربية نقدية، تنطلق من تراثنا العربي، لتمد القاريء العربي بما يحفظ له هويته، ويحفظ للقصيدة العربية أصالتها وجودتها في آن" كما تمنى الكاتب ذلك في مقدمة دراسته
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Publications_Competitions/0/41725/#ixzz2UEE9ZU7S