من مشاهير العرب
هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم واسمه هزومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيىء. وقال يعقوب بن السكيت: إنما سمي هزومة لأنه شج أو شج. وإنما سمي طيىء طيئاً واسمه جلهمة لأنه أول من طوى المناهل وهو ابن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ويكنى حاتم أبا سفانة وأبا عدي. كني بذلك بابنته سفانة وهي أكبر ولده وبابنه عدي بن حاتم وقد أدركت سفانة وعدي الإسلام فأسلما.
وحكي عن علي كرم الله وجهه أنه قال يوماً: يا سبحان الله ما أزهد كثيراً من الناس في الخير عجبت لرجل يجيئه أخوه في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً. فلو كنا لا نرجو جنة ولا نخاف ناراً ولا ننتظر ثواباً ولا نخشى عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق فإنها تدل على سبيل النجاة فقام رجل فقال: فداؤك أبي وأمي يا أمير المؤمنين اسمعته من رسول الله. قال: نعم. وما هو خير منه. لما اتينا بسبايا طيىء كانت في النساء جارية حماء حوراء العينين لعساء لمياء عيطاء شماء الأنف معتدلة القامة ردماء الكعبين خدلجة الساقين خميصة الخصر ضامرة الكشحين مصقولة المتنين. فلما رأيتها أعجبت بها فقلت لاطلبنها إلى رسول الله ليجعلها من فيئي. فلما تكلمت انسيت جمالها لما سمعت من فصاحتها فقالت: يا محمد هلك الوالد. وغاب الوافد. فإن رأيت أن تخلي عني فلا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي. كان أبي يفك العاني ويحمي الذمار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط. أنا بنت حاتم طيىء. فقال لها رسول الله: يا جارية هذه صفة المؤمن لو كان أبوك إسلامياً لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق.
وأم حاتم عتبة بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم وكانت في الجود بمنزلة حاتم لا تدخر شيئاً ولا يسألها أحد شيئاً فتمنعه. وكانت عتبة بنت عفيف وهي أم حاتم ذات يسار وكانت من أسخى الناس وأقراهم للضيف وكانت لا تمسك شيئاً تملكه فلما رأىأخوتها إتلافها حجروا عليها ومنعوها مالها. فمكثت دهراً لا يدفع إليها شيء منه حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من إبلها فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها في كل سنة تسألها فقالت لها: دونك هذه الصرمة فخذيها فوالله لقد عضني من الجوع ما لا أمنع معه سائلاً أبداً ثم أنشأت تقول:
لعمري لقدماً عضني الجوع عضة ... فآليت ألا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
فماذا عساكم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
وماذا ترون اليوم ألا طبيعة ... فكيف بتركي يا ابن أم الطبائعا
قال ابن الكلبي: كانت سفانة بنت حاتم من أجود نساء العرب وكان أبوها يعطيها الصرمة بعد الصرمة من إبله فتهبها وتعطيها الناس فقال لها حاتم: يا بنية إن القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه. فإما أن أعطي وتمسكي أو أمسك وتعطي فإنه لا يبقى على هذا شيء. وزاد الشريشي على هذا قوله: فقالت والله لا أمسك أبداً. قال: وأنا لا أمسك أبداً. قالت: لا نتجاور. فقاسمها ماله وتباينا.
قال ابن الأعرابي كان حاتم من شعراء العرب وكان جواداً يشبه شعره جوده ويصدق قوله فعله. وكان حيثما نزل عرف منزله. وكان مظفراً إذا قاتل غلب. وإذا غنم أنهب. وإذا سئل وهب. وإذا ضرب بالقداح فاز. وإذا سابق سبق. وإذا أسر أطلق. وكان يقسم بالله أن لا يقتل واحد أمه. وكان إذا أهل الشهر الأصم الذي كانت مضر تعظمه في الجاهلية ينحر في كل يوم عشراً من الإبل فأطعم الناس واجتمعوا إليه فكان ممن يأتيه من الشعراء الحطيئة وبشر بن أبي خازم. فذكروا أن أم حاتم أتيت وهي حبلى في المنام فقيل لها أغلام سمح يقال له حاتم أحب إليك أم عشرة غلمة كالناس. ليوث ساعة الباس. ليسوا بأوغال ولا أنكاس. فقالت حاتم. فولدت حاتماً فلما ترعرع جعل يخرج طعامه فإن وجد م يأكله معه أكل وإن لم يجد طرحه. فلما رأى أبوه أنه يهلك طعامه قال له إلحق بالإبل. فخرج إليها. ووهب له جارية وفرساً وفلها. فلما أتى الإبل طفق يبغي الناس فلا يجدهم ويأتي الطريق فلا يجد عليه أحداً. فبينما هو كذلك إذ بصر بركب على الطريق فأتاهم. فقالوا يا فتى هل من قرى. فقال تسألوني عن القرى وقد ترون الإبل. وكان الذين بصربهم عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني وكانوا يريدون النعمان. فنحر لهم ثلاثة من الإبل. فقال عبيد إنما أردنا بالقرى اللبن. وكانت تكفينا بكرة إذا كنت لا بد متكلفاً لنا شيئاً. فقال حاتم قد عرفت ولكني قد رأيت وجوهاً مختلفة وألواناً متفرقة فظننت أن البلدان غير واحدة فأردت أن يذكر كل واحد منهم ما رأى إذا أتى قومه. فقالوا فيه أشعاراً امتدحوه بها وذكروا فضله. فقال حاتم أردتأن أحسن إليكم فكان لكم الفضل علي. وأنا أعاهد الله أن أضرب عراقيب إبلي عن آخرها أو تقدموا إليها فتقتسموها. ففعلوا فأصاب الرجل تسعة وتسعين بعيراً ومضوا على سفرهم إلى النعمان. وإن أبا حاتم سمع بما فعل فأتاه فقال له أين الإبل. فقال يا أبت طوقتك بها طوق الحمامة مجد الدهر وكرماً لا يزال الرجل يحمل بيت شعر أثنى به علينا عوضاً من إبلك. فلما سمع أبوه ذلك قال أبإبلي فعلت ذلك؟ قال نعم. قال والله لا أساكنك أبداً. فخرج أبوه بأهله وترك حاتماً ومعه جاريته وفرسه وفلوها. فقال يذكر تحول أبيه عنه (من الطويل)
وإني لعف الفقر مشترك الغنى ... وودك شكل لا يوافقه شكلي
وشكلي شكل لا يقوم لمثله ... من الناس إلا كل ذي نيقة مثلي
ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن ... تانقها فيما مضى أحد قبلي
واجعل مالي دون عرضي جنة ... لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
ولي مع بذل المال والبأس صولة ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها العصل
وما ضرني أن سار سعد أهله ... وافردني في الدار ليس معي أهلي
سيكفي ابتناي المجد سعد بن حشرج ... واحمل عنكم كل ما حل من أزلي
وما من لئيم عاله الدهر مرة ... فيذكرها إلا استمال إلى البخل
وهذا الشعر يدل على أن جده صاحب هذه القصة معه لا إنها قصة أبيه. وهكذا ذكر يعقوب بن السيكت ووصف أن أبا حاتم هلك وحاتم صغير فكان في حجر جده سعد بن الحشرج فلما فتح يده بالعطاء وانهب ماله ضيق عليه جده ورحل عنه بأهله وخلفه في داره.
- يتبع -