لمحة عن الرياضيات
لمحة عن عالم الرياضيات المدهش والمجهول
|
اقدم لك عزيزي القاري جزء من مقال العالم السوداني بروفسور محمد الامين التوم الذي تحدث فيه بعد العودة من مؤتمر للرياضيات في كوريا في أهم وأكبر تظاهرة للرياضيين على مستوى العالم خلال الفترة 13-21 اغسطس من العام 2014م بمدينة سيول، كوريا الجنوبية .الحدث الذي ينظم، تماماً كما في حالة كأس العالم لكرة القدم، مرة كل أربعة سنوات.
المقال بعنوان: عالم الرياضيات المدهش والمجهول
للرياضيات صورة سالبة لدى الكثيرين من عامة الناس بما في ذلك المتعلمين، فكثيراً ما توصف بالتعقيد، والجفاف والبعد تماما عن الواقع. كما ان هناك إعتقاد شائع بأن المتخصصين في الرياضيات غريبو الأطوار ويعيشون في عالم خاص بهم وحدهم. ونتيجة لهذه الصورة السالبة، ضمن عوامل أخرى، لا تجد الرياضيات ما تستحقه من دعم من قبل صانعي السياسة. فالتنمية، وهي الهم الأول والأخير بالنسبة للسياسين، تتطلب جهود المتخصصين في مجالات الهندسة والزراعة والصحة والبيطره والتعليم والإقتصاد، ويعترفون، في حالة تمتعهم بعقول منفتحه نسبياً، بأهمية بعض العلوم الأساسية: علوم الأحياء (لإتصالها الواضح بالمجالات التطبيقية ذات الصلة، والفيزياء (إلكترونيات، طاقة شمسية، أشعة... الخ) وبالكيمياء (الصناعة). ويعتبر إستثناء الرياضيات في هذا الصدد أمراً طبيعياً.
2. أعتقد أن العامل الأساسي الذي يذهب بعيداً في تفسير هذه الصورة السالبة للرياضيات والرياضيين يكمن في تجربة الرياضيات المدرسية. ففي حين ان العلوم تقدَم في المراحل الاولى للتعليم من خلال مواضيع محسوسة وبالتالي تكون اللغة ذاتها قريبة لفهم الدارس (الشمس، الكواكب، الخسوف، النبات، الجذور، الحشرات... الخ) تقدم الرياضيات في هذه المراحل من خلال مواضيع تتصف بالتجريد وبعدها عن الواقع (الخط العددي، نظام الأعداد، الكسور العادية، وغير العادية او المركبة... يا إلاهي ما هذا؟؟؟ ولاحقا، تختصر الكلمات في حروف: س و ص وعندما يبلغ تقديم المادة مستوى الأعداد الخيالية والتفاضل والتكامل، تكون الصلة بين الدارس والمدروس قد إنقطعت تماماً. ويرجع سبب الاهتمام بالمادة، إن وجد، إلى أهمية تحصيل درجة ممتازه في الإمتحانات المقبلة. فالحساب كما درج القول ‘فراق الحبايب’ والرياضيات كما هو معروف على مستوى العالم " تلعب دور ‘حارس الباب’ أو‘ المصفاة’ في خط الأنابيب التربوي.
إنه وضع محزن حقاً : فمعظم الأطفال في المدرسة يعانون خلال كل دقيقة من 30-40 دقيقة التي تقدم فيها المادة لهم، بل ويخافونها. إضافة الى ان هذه التجربة تسهم في إقصاء كامن مقدر من الموهبة الرياضية عن دراسة الرياضيات مستقبلا (يفضل أصحاب هذه المواهب دراسة الهندسة، وعلوم الحاسوب، وتقانة المعلومات وربما إدارة الاعمال). فيالها من خسارة ليس للرياضيات فحسب، بل للقاعدة العلمية والتقنية الوطنية!
3. ثمة عامل آخر هام يسهم في تشكيل هذا الوضع ويدعمه باستمرار، ألا وهو ان الرياضيات في كثير من الاحيان ‘مخفية’ او قل ‘ميتة’ رغم ان العالم من حولنا ملئ بها. ربما يكفي لتوضيح ما أرمي اليه هنا ان اشير الى ان كثيراً من الانشاءات الهندسية ومحركات البحث الناجحة في الانترنت (مثل قوقل) تستخدم بصورة أساسية مفاهيم وأساليب الجبرة الخطية (أحد المقررات الأساسية في برامج البكالريوس لطلاب الرياضيات والهندسة والفيزياء).
4. تضافرت هذه العوامل لتجعل من الرياضيات في بلدنا كما في كثير من البلدان النامية علماً هامشياً ويتسم بالركود – لا تتعدى أهميته عملياً ‘حارس باب’ كما أشرت في 2 أعلاه.
وبالمقابل، نجد ان مستوى الوعي بأهمية الرياضيات في المجتمعات التكنولوجية عال جداً مما يتجلى في إزدهارها ودعمها المتواصل. اسوق هنا مثالين لتوضيح هذا الدعم:
السويد: يعتبر مستوى تمويل البحث الرياضي في السويد منخفضاً مقارنة بنظيره في باقي الدول الاوربية وامريكا الشمالية. وتمثل المؤسسة السويدية للبحث الاستراتيجي أحد أهم مصادر تمويل البحث الرياضي بالسويد. وقد وفرت حوالي 500 مليون كرونة سويدية للبحث الرياضي كل عام خلال الفترة 2000-2006.
الولايات المتحدة الامريكية: لقد رصدت مؤسسة العلوم الوطنية مبلغ 80 مليون دولار عام 1990 لتطوير مناهج الحسبان بالجامعة. كما كانت الميزانية الفيدرالية للعلوم الرياضية للسنة المالية الجارية 454 مليون دولار وإنخفضت للسنة المالية 2015 لمستوى 436 مليون دولار.
5. تتجلى حيوية عالم الرياضيات في المجتمعات التكنولوجية بصورة بارزة في أنشطة مجتمعات الرياضيين (في الجامعات، والمعاهد المكرسة للبحث الرياضي، والجمعيات الطوعية). وأذكر في هذا الصدد، أهم نشاطين للرياضيين السودانيين حتى اليوم. لقد نظم الرياضيون بجامعة الخرطوم عام 1978 أول مؤتمر عالمي لتطوير الرياضيات في الدول النامية. وقد شارك في المؤتمر رياضيين بارزين على مستوى العالم، وتم تمويله بالكامل من قبل الجامعة (كانت الميزانية 13,000 جنيه = حوالي 37,310 دولار امريكي. كم كانت سخية جامعتنا تجاه الرياضيات!) كما نظموا ندوة لمدة عام موضوعها ‘الرياضيات والتنمية’ عام 1980/1981.
ويعتبر المؤتمر الدولي للرياضيين (International Congress of Mathematicians) أكبر وأهم مؤتمر للرياضيات على مستوى العالم. ويعتقد ان رياضيين ألمانيين بارزين، فلكس كلاين وجورج كانتور، هما اول من قدم فكرة هذا المؤتمر في العقد الاخير من القرن التاسع عشر. وتم عقد اول مؤتمر في مدينة زيورخ، سويسرا، عام 1897م. وحضر المؤتمر 208 عالم رياضيات من 16 دولة (تضمنوا 12 من روسيا و 7 من الولايات المتحدة الامريكية).
يرعى هذه المؤتمرات الاتحاد الدولي الرياضي (International Mathematical Union)
6. الاتحاد الدولي الرياضي [1] هو تجمع طوعي للجمعيات الرياضية الوطنية (عدد الاعضاء حاليا 81)؛ وهو المنظمة التي تمثل العشيرة الدولية للرياضيات. وتتمثل احد مهامه في رعاية المؤتمر الدولي للرياضيين الذي ينعقد مرة كل 4 سنوات وتنظمه إحدى الجمعيات العضوة في الاتحاد. وانعقد آخر مؤتمر في سيول، كوريا الجنوبية، في اغسطس من العام الحالي. كما تم عقد المؤتمر السابق لمؤتمر سيول في مدينة حيدر اباد، الهند (عام 2010). ويفتتح هذا المؤتمر عادة رئيس الدولة المنظمة له مما يشير بوضوح الى أهمية الرياضيات في هذه الدولة.
7. جوائز الاتحاد
يمنح الاتحاد في الجلسة الافتتاحية لكل مؤتمر دولي للرياضيين عدد 2-8 جوائز تعتبر ضمن الجوائز الاعلى تميزاً في عالم الرياضيات. وتمنح 5 من بين هذه الجوائز للانجازات البارزة في الرياضيات، وهي:
أ. ميدالية فيلدس (Fields medal)
أُسست هذه الجائزه عام 1936 تكريماً للرياضي الكندي شارلس فيلدس الذي لعب دوراً هاماً في تأسيس الجائزه، وتصميم الميدالية وتوفير المكون النقدي لها.
تمنح 2-4 من هذه الميدالية للمساهمات البارزة في الرياضيات لرياضيين تحت سن 40 من العمر. وتعتبر ميدالية فيلدس اعظم تكريم يمكن ان يحصل عليه رياضي. وكثيراً ما توصف هذه الميدالية (إضافة الى جائزه أخرى باسم الرياضي النرويجي إيبل [2] كجائزة نوبل في الرياضيات. تجدر الاشارة هنا الى أن السيد / ألفريد نوبل لم يُضمن وصيته الخاصة بتأسيس الجائزه الرياضيات [3].
وتختلف ميدالية فيلدس عن جائزة نوبل في أمرين هامين:
• تقييد العمر (تحت سن 40)، و
• منحها مرة كل 4 سنوات
ومنحت الجائزه في مؤتمر سيول لاربعة رياضيين: