الزخارف الكتابي
1- الزخارف الكتابية:
لعبت الزخارف الكتابية دوراً كبيراً في تاريخ الفنون الإسلامية: إذ أننا نستطيع أن نتخذها أساساً وسبيلاً لتأريخ العمائر والتحف ذات الكتابات، لأن كل عصر ولكل إقليم في العالم الإسلامي أسلوبه في الخط وزخرفته.
ولم يقتصر استخدام الزخارف الكتابية لغرض تأريخ العمائر أو التحف الفنية وإنما لغرض التبرك ببعض الآيات القرآنية أو العبارات الدعائية، بالإضافة إلى أن تكون عنصراً زخرفياً قائماً بذاته، أو ليكون الغر منها تنويعاً في الزخرفة لتبعد ما قد ينشأ من ملل بسبب سيادة عناصر زخرفية من نوع واحد سواء أكانت هندسية أم نباتية، ولاسيما أن الفن الإسلامي يتميز بتكرار العناصر الزخرفية لحرصه على تغطية المساحات بها لكراهية الفنان المسلم للفراغ.
والواقع أن فن الخط لم ينل عند أمه من الأمم من العناية والتقدير بقدر ما ناله لدى المسلمين، ووصل إلى أسمى مكانة بين فنونهم جميعاً، ويرجع هذا إلى أن الخط العربي كان الوسيلة الأساسية للعلم والتعلم عند المسلمين. ولقد أشاد الإسلام بالعلم وحث على إنمائه ونشره، وقد قرن الله سبحانه وتعالى بين العلم والكتابة ونسبها إلى نفسه في أولى الآيات نزولاً على النبي عليه الصلاة والسلام كما ورد في سورة العلق آيات 3- 5 "إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم". كما أقسم عزوجل بالقلم والكتابة كما ورد في سورة القلم آية 1 "ن والقلم وما يسطرون" ووصف الله سبحانه وتعالى ملائكته بالكتاب فقال في سورة الانفطار آية 11 "كراماً كاتبين".
بالإضافة إلى أن الخط العربي كان الوسيلة الأساسية التي حفظ بها القرآن الكريم، وضرب النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين المثل في العناية بالكتابة حين كان يطلق سراح الأسير إذا علم الكتابة لعشرة من الصبيان.
وبظهور الإسلام أخذ شأن الخط العربي في الازدهار فقد امتد نفوذ العرب المسلمين في نحو قرن من الزمان من حدود الهند شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباء، ومن ثم أصبحت اللغة العربية ذات قيمة سياسية إلى جانب أهميته الدينية والأدبية، وزادت أهمية الخط العربي والعناية به وانتشاره عندما قام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بتعريب الدواوين، إذ أدى استخدام اللغة العربية في الدواوين إلى إحلال الخط العربي في دواوين الأقطار المختلفة ومكاتباتها الرسمية محل الكتابات الأخرى. ولقد أدى ذلك إلى الإقبال على تعلم الكتابة العربية وانتشار الخط العربي في الأقطار التي خضعت لحكم العرب، بحيث صار الخط العربي من أهم مظاهر سياسة الدولة العربية الإسلامية، بل صار كثير من اللغات غير العربية تكتب بخط عربي مثل الفارسية والتركية وغيرها.
هذا وقد ساعد على تطوير الخط العربي وتحسينه بصفة عامة استخدام المسلمين للورق وتعلم صناعته. ولقد عرف المسلمون صناعة الورق منذ أواخر القرن الأول الهجري/ 7م. ومنذ ذاك الوقت انتشر استخدام الورق في مختلف الأقطار الإسلامية. وأدى استخدامه إلى الإقبال على نسخ الكتب والتالي إلى كثرة النساخ والوراقين والعاية بالخط.
وكان يوجد صورتان من الخطوط العربية في فجر الإسلام:
· صورة لينة يميل فيها الخط إلى التدوير، وكانت تستعمل في أعمال التدوين السريع والمكاتبات المختلفة لأنها أطوع وأكثر مرونة وأوفر للوقت ومن المرجح أن كتاب الوحي كانوا يكتبون به القرآن الكريم فور نزوله على النبي بهذا الخط حتى يلاحقوا النبي عليه الصلاة والسلام وهو يتلو القرآن.
· صورة جافة يميل فيها الخط إلى التربيع، وكانت تستعمل في كتابة الشئون الهامة التي يراعي في كتابتها التأني والتؤدة. ومن المرجح أن كتاب الوحي كانوا يعيدون كتابة ما دونوه بالخط الين في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام بالخط الجاف تعظيماً لكلمات الله سبحانه وتعالى وتقديراً له.
وقد دخل الخط العربي العراق مع الفتح الإسلامي بصورتيه اللينة والجافة، وتعلمه العراقيون، وعني أهل الكوفة بالصورة الجافة منه وهذبوا فيها ونسقوا وأبدعوا لها أشكالاً رائعة هي التي عرفت بالخط الكوفي.
ومن أقدم الأشرطة الكتابية بالخط الكوفي مصر يرجع إلى نهاية القرن 2هـ/ 8م، وهي التي نشاهدها على جدران بئر مقياس النيل بالروضة.
وكان الخط الكوفي أسرع إلى التنسيق والتحسين من الخط اللين (النسخ)، إذ لم يلبث الخط الكوفي أن اتخذ أسلوباً منسقاً مما شجع على استخدامه في تدوين المصاحف، كما أخذت حروفه وكلماته تكتب بأشكال زخرفية مختلفة، مما أدى إلى تفرعه إلى أنواع مختلفة من الخطوط.
ومن أهم هذه الخطوط الكوفية: الكوفي البدائي ويمثله شاهد قبر حجري مؤرخ بسنة 31هـ (لوحة 28) والكوفي البسيط ومن أمثلته كتابات قبة الصخرة من عهد عبد الملك بن مروان سنة 72هـ (لوحة 29)، والكتابات على العملة من العصر الأموي. ولم يعرف في القرن الأول الهجري/ 7م من الخط الكوفي في غير هذين النوعين.
والكوفي ذو الطرف المتقن كما في النص التأسيسي لجامع أحمد بن طولون المثبت بإحدى دعامات ظلة القبلة (لوحة 30)، والكوفي المورق أو المزهر (أطلس شكلاً 51، 578)، (لوحة 32) وهو الذي انتشر على العمائر الدينية الفاطمية (لوحة 31).
والكوفي المجدول أو المضفر (لوحة 33)، والكوفي ذو الأرضية النباتية (أطلس شكل 65) (لوحة 34)، والكوفي المربع كما نراه على سبيل المثال في قبة قلاوون بشارع المعز لدين الله بالقاهرة (لوحة 35).
ودخلت الزخارف الكتابية في منتجات الفنون الإسلامية بوصفها عنصراً زخرفياً إذ لاحظنا أنه في بعض الأحيان كانت التحف تستمل على حروف وألفاظ عربية لا معنى لها (لوحة 65) وأحياناً تصل إلى درجة من الغموض بحيث تتعذر قراءتها وتفسيرها أي دورها زخرفي فقط.
وكان الخط في كثير من الأحيان يمثل أهم العناصر في زخرفة الإنتاج الفني الإسلامي (أطلس شكل 10) بل إنه في بعض الأحيان كان العنصر الزخرفي الوحيد (لوحة 66).
وكان أهم ما يتميز به الإنتاج الفني في صدر الإسلام عن الإنتاج القديم في البلاد المفتوحة هو ما كان يزخرف ذلك الإنتاج الفني في صدر الإسلام عن الإنتاج القديم في البلاد المفتوحة هو ما كان يزخرف ذلك الإنتاج من كتابات عربية: إذ يكاد الخط العربي في صدر الإسلام أن يكون هو الميزة الوحيدة العربية في الأعمال الفنية، ويتجلى ذلك بشكل واضح في قطع النسيج المبكرة التي لم تكون تشتمل على أي مميزات عربية غير ما تشتمل عليه من أشرطة من الكتابة العربية
كما اقتصرت زخرفة بعض أنواع الخزف الإيراني الذي يرجع إلى القرنين 3- 4 هـ/ 9- 10 م على الزخارف الكتابية (لوحات 62- 64)، ونجد على بعض أطباق منه حكماً ومواعظ مكتوبة بأسلوب زخرفي، ومن أشهر نماذج هذا النوع من الخزف طبق يشتمل على الحكمة الآتية "الحلو أوله مر مذاقه لكن آخره أحلى من العسل السلامة"
وأحياناً تحور حروف الخط في الزخارف الكتابية إلى أشكال مختلفة، فمثلاً اتخذ الخط على نوع من النسيج ينسب إلى الفيوم أشكالاً تشبه الأشجار والأغصان . على أن الخطاطين المسلمين لم يقفوا عند حد تجويد الخط وإبداع صوراً مختلفة له، ولكنهم ابتكروا من الحروف والكلمات رسوماً زخرفية لها جمال فائق فجعلوا بعضها على صورة أشكال آدمية (لوحة 36)، أو صور طيو ر، و