أبعاد التذوق الفن
أبعاد التذوق الفني :
وقد أكدت العديد من الدراسات إلى ان التذوق الفني – وهو نشاط إنساني – يعتمد في درجة فاعليته على مدى إسهام أربعة أبعاد رئيسية وهي التي تصل بالمتذوق إلى أحدى المستويات التذوقية سالفة الذكر المستوى " العام " " الخاص " " الرفيع " وهذه الأبعاد هي :
بل ان طبيعة العمل الإنساني نفسه وما ينتج عن هذا الفعل من آثار يجئ مشبعا بخصائص الأساس النفسي الفعال وحاملا بصماته وهذا الأساس النفسي يتكون من الجوانب الأربعة التالية :
البعد الذهني : بما يتضمنه من قدرات معرفية واستعدادات عقلية ، فمتذوق العمل الفني لابد ان تكون لديه كفاءة عالية معقولة فمن البديهي أنه غير منطقي ان نتصور أن أصحاب الإعاقات قادرين على إصدار أحكام جمالية سليمة 0 وليس من المعقول أن نعرض على المعاق بصريا لوحة فنية ، ونطلب منه تذوقها أو تقييمها قد يمكن هذا المعاق ان يستمع إلى لحن موسيقي ويتذوقه ويصدر عليه حكما جماليا ، والسبب أن طاقاته الذهنية المرتبطة بشكل ما بحواسه مستندة إلى حاسة ، فضلا عن ان نوعا من التعويض يمكن ان يؤدي إلى تفوق فني في الإدراك السمعي ، مما يجعل المعاق بصريا – أحيانا – أقدر من المبصر على إصدار أحكام تقويمية لما يسمعه ،وهو ينظم قدرات وعميلا أخرى مثل الأصالة والتخيل وهو القدرات المعرفية والاستدلالية الواعية القادرة على استيعاب وفهم ومقارنة عناصر وأسس وقيم العمل الفني 0 وكلما تمتع المتذوق بكفاءة عالية واعية ، يستطيع ان يستثمر تلك الطاقات المعرفية في عمليات ذهنية تعتمد على المقارنة والاستدلال والاستنتاج ويصبح التذوق أعلى قيمة 0
خلاصة القول انالتذوق الفني يستند إلى كفاءة عقلية عالية ، ولا نبالغ إذا قلنا أن تلك الكفاءة العقلية قد تكون أحيانا أعلى من الكفاءة العقلية اللازمة لعملية الإبداع الفني .
البعد الاجتماعي : ويمثل هذا البعد الثقافات التي تمد الفرد وما اكتسبه من المجتمع من عادات وتقاليد وقيم وأعراف وثقافة عامة 0 وما يعتنقه من مثل وما يحركه من أهداف ودوافع ويمد هذا البعد المتذوق بأصول تفصيلية ، كما تقدم له النماذج المختارة وأساليب السلوك المفضلة ، وهي معقدة ومركبة ومتداخلة
ومما لاشك فيه ان نوع الثقافة التي يتعرض لها الإنسان تسهم بدرجة كبيرة في تكوين وجدانه وقيمه ويتضح ذلك عند الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية الغربية لأول مرة ، فإن كل من يمر بهذه الخبرة قد يتحملها على مضض ، وقد تكون هذه هي المرة الأخيرة مع مثل هذا النوع من الفن ، ونفس الموقف ينطبق على الشخص الذي نشأ بثقافة غربية ، عندما يستمع إلى لحن شرقي أن الاستجابة المتوقعة في الغالب هي نوع من عدم الفهم أو العجز عن المواصلة ، هذا مثال واحد يوضح دور الثقافة في عملية التذوق الفني وعمليات التنشئة والتربية والثقافة تقدم للفرد النماذج المختارة وأساليب السلوك المتخذة كما تمد الفرد بمقاييس ومعايير عن الجمال وهذا يؤدي في النهاية إلى شبكة متماسكة من المتغيرات ، يصعب الفكاك منها فيما بعد ، وعندما يكبر الإنسان فإن معتقداته وقيمه وسماته الوجدانية واستعدادته العقلية تصبح مركبة بشكل نسبي متداخل السدى واللحمة وبقدر هذا التماسك فإن تذوق الفن ينعكس في النهاية على كل سلوكيات الفرد في منزله وفي عمله ومع أسرته ، بل ومع كل ما يلقاه من البشر وفي كل لحظة من لحظات الحياة وأمام كل منبه أو مثير جمالي 0
البعد الوجداني : ويضم داخله عناصر أصغر مثل الدوافع والعواطف والقيم والميول وخصائص الشخصية والرغبة في اكتشاف المجهول للوصول إلى اليقين ويعبر هذا البعد عن درجة الرضا والميل إلى الانفعال بالعمل الفني 0 والمهم تنمية هذا الجاني عند المتذوق فالشخص محدود الثقافة يمكن ان يشعر بالضياع النفسي والإحباط واليأس عند رؤيته للوحة سيريالية أو سماعه لقصيدة من الشعر الرمزي 0 وهذا يؤدي بدوره إلى الانسحاب وعدم مواصلة النظر أو السماع ، ثم يتبعه عدم التفاعل مع العمل الفني المقدم 0 ، كل هذه المتغيرات تكون ما يعرف باسم الشخصية بحيث يصبح تلك الشخصية هي ما يميز الشخص عن غيره من الناس ، فحينما نعرض على شخص محدود الثقافة لوحة من المدرسة السريالية أو قصيدة من الشعر الرمزي فمن المتوقع ان يصاب هذا الفرد بما يشبه حالة الضياع النفسي وقد لا يقوي على مواصلة النظر او الاستمتاع ، بل قد نجده يهرب او ينسحب أو يصدر منه سلوك عدواني ، إذن لكي يتمكن الإنسان من تذوق العمل الفني ، فمن الضروري ان يتلقى الموضوع بحالة من الهدوء والاستقرار والكفاءة ، وهو ما ينعكس على نوع الحكم الجمالي الذي يصدره وينعكس أيضا على الخبرة الشعورية التي تحق له قدراٌ من تنمية الحس الجمالي والارتقاء بالذوق
البعد الجمالي : بما يحتويه من إعدادات جمالية وعمليات إبداعية وميول تفضيلية وحب استطلاع وميل للاستكشاف والقدرة على التأمل والتحليل وعمليات إيقاعية مزاجية وفيزيقية يتميز بها الفرد عن غيره من أفراد هذه الاستعدادات لها دور هام في عمليات التذوق الفني ، فتذوق الأشياء الطبيعية والفن والجمال كلها تجعل من الإنسان شخصية متكاملة متزنة ذات حس مرهف ، وبصيرة دقيقة وتصبح آخر الأمر قادرة على التأمل والإبداع والتذوق الفني هو تبصر العمل الفني تبصراٌ جماليا لا ماديا ولا عضويا بحيث يمكن للمتذوق ان يعيش نفس التجربة التي عاشها الفنان نفسه ، والتربية الجمالية تساعد على ذلك وتوقظ إحساس الإنسان نحو القيم الجمالية حتى يصبح قادرا على تذوق الحياة 0
كما يتضمن الخصائص الإيقاعية في السلوك كالسرعة والحدة والشدة ، وهي خصائص لا إرادية ولتأكيد البعد الجمالي عند المتذوق ، خاصة الفنون التشكيلية ، فيمكن التعرف على عناصر وأسس وقيم العمل الفني والتي تتمثل في النقطة والخطة والمساحة والشكل والأرضية وملامس السطوح واللون ، وتتمثل أسس العمل في الإيقاع والحركة والوحدة والانسجام ، التباين ، الترديد ، والتكرار والتناغم 00 الخ كما تتمثل قيم العمل الفني في القيم الجمالية ، الإبداعية ، الثقافية ، السياسية ،الاجتماعية 00الخ .
وعملية التذوق تماثل تماما عملية الإبداع التي يمر بها الفنان ، فالمتذوق ينظر إلى العمل وهو يتقدم بعين المثال الذي يقوم بتشكيل أعماله فتنكشف له ملامح العمل الفني مرحلة بعد أخرى ، وهذا التكشف المتتالي يزيد من المساحة المضاءة من عناصر العمل الفني ، حتى إذا وصل المثال إلى نهاية الرحلة وكذلك المتذوق أحس بمتعة لا تعادلها متع أخرى 0