العولمة والثقافة
العولمة والثقافة اللغوية وتبعاتها للغة
العربية
د. أحمد عبدالسلام
الجامعة
الإسلامية العالمية/ ماليزيا
تتجاوز
العولمة المجالات التجارية إلى مجالات أخرى تتأثر بالاقتصاد، ومنها القضايا
الاجتماعية والثقافية واللغوية، فلتنقلات السلع التجارية تبعاتها للممارسات
الثقافية، والتقاليد الاجتماعية، والمعتقدات الدينية، وقد تتحول الممارسات
الثقافية واللغوية إلى سلع تتداول لأغراض تجارية، وليس أدل على ذلك أكثر من تعليم
اللغات الأجنبية الواسعة الانتشار. إن للعولمة صلة بالهيمنة السياسية والثقافية للولايات
المتحدة وحلفائها من الدول الغربية، وتمتد الآثار التجارية إلى الممارسات الثقافية
والتعبيرات اللغوية، وإلى اختيار اللغات في الاتصال العالمي، وفي التعامل بين
الأفراد عبر الحدود الثقافية والقومية والسياسية، كما تمتد إلى تعلم اللغات،
وتكتسح الهوية الثقافية للمجتمعات اللغوية عبر الإنجليزية في أوروبا وسائر دول
العالم، وتجلب الخصائص الثقافية للعولمة اهتماماً كبيراً عبر عدد من التخصصات
العلمية.
العولمة
يفيد مصطلح
"العولمة" مفهومين أساسيين. ففي الجانب النظري تعني العولمة تطوير الأسس
والأصول المهمة الكفيلة بتشكيل العالم المعاصر في وضع يحقق وييسر تنقل
"السلع" بين المجتمعات (أ) . ومن الجانب العملي تشير إلى الاتصالات
المتبادلة للنشاط الإنساني على المستوى العالمي، وإلى التنقلات التي لم يسبق لها
مثيل لرؤوس الأموال، والعمالة، والتقنية، والمؤسسات، والمهارات، والخبرات، والأفكار،
والقيم عبر الحدود القومية، والدولية (ب). وتتم هذه التنقلات بطريقة لا يتيسر
للقوميات والدول توجيهها، والتصرف فيها بصورة مجدية.
كان المحور
الأساسي للعولمة هو الاقتصاد، ثم المجال السياسي، ولكن الدراسات الحديثة تؤكد
أهمية عولمة الممارسات الثقافية لأهداف اقتصادية؛ فقد أصبح "للسلع
الثقافية" أهمية اقتصادية متزايدة في العلاقات الدولية المعاصرة. ومن
المجالات المهمة للعولمة، فضلاً عن التطور الاقتصادي والعولمة الاقتصادية، تبادل
المعلومات، والعلاقات الدولية، وحقوق الإنسان، والقيم والممارسات الثقافية وتعليم
اللغات. وتمثل الممارسات الثقافية واسطة بين العولمة ونشر اللغات وتعليمها، وينظر
إلى العولمة في هذا المجال من منظور تكاملي بين التخصصات العلمية، مثل اللغويات
والعلوم السياسية، أو الاقتصاد، أو الاتصال. وتوجد صورة داخلية للعولمة متمثلة في
التنقل داخل المجتمعات المتنوعة ثقافاتها. ولتداخل قضايا العولمة مع القضايا
المحلية والإقليمية تأثير كبير على الاتصال اللغوي، والتبادل الثقافي بشكل عام.
للعولمة
اتصال وثيق بالهيمنة العالمية لعدد قليل من الثقافات واللغات وبصفة خاصة
الإنجليزية، والفرنسية إلى حد ما. ويؤدي هذا النوع من الهيمنة والسيطرة إلى تجاهل
التنوع الثقافي، واللغوي، وعدم احترام الخصائص الثقافية المميزة لمعظم سكان
العالم. والهدف من هذه العملية تغيير أنماط الحياة والتقاليد، والتحكم فيها لتصبح
نسخة طبق الأصل من النمط الغربي، وصياغة العولمة لتمثل الثقافة العالمية التي
ينبغي أن تقلد في جميع أنحاء العالم. لقد أصبحت المعتقدات الدينية والثقافية مهددة
في عالم العولمة حيث أصبح السوق إلها جديداً، واعتبر الإنتاج والاستهلاك مفتاحين
لإنقاذ الإنسان من المخاطر التي تحدق به في وجوده . إن التحكم الذي تمارسه مراكز
القوة في العالم الغربي على العلوم ، والتقنية أهم بيان للهيمنة الغربية، وهو
الدافع وراء التوسع الاقتصادي للدول الغربية. وقد مكنت إجادة الهندسة الاتصالية
المتعددة الأغراض، في الأعوام الأخيرة، تلك المراكز من نشر الأفكار، والقيم
الغربية إلى كل أرجاء المعمورة.
من
التساؤلات الواردة عن عمليات العولمة إمكان تأويلها سياسياً لتعني الاستعمار
الثقافي، أي الإمبريالية الثقافية، أو تأويلها في ضوء هيمنة الممارسات التعبيرية،
وأساليب استعمال الخطاب في النظام العالمي الجديد؛ وذلك إذا تم تقويم القوة
القيادية عالمياً في إطار العلاقة بين الأمم القوية والضعيفة في الممارسات
الثقافية، وقد تعكس القضايا الدولية خصائص الثقافات القومية الفاعلة في المجال
الدولي. ولهذا يرى أن للعولمة جذوراً في الولايات المتحدة، ودول أخرى. وقد ينبئ
التعقد الملحوظ في تداخل التنقلات وسرعة تغير الممارسات الثقافية بانفتاح عملية
المساومة في الخلافات بين المجتمعات والثقافات، بدلاً من فهمها على أساس من تأثير
القوة القيادية الدولية الغربية والقوة الحليفة لها.