المدرسة العثمانية.
المدرسة
العثمانية
.
يمكن القول
إن تطور خط النسخ في الشام، والثلث والثلثين في مصر شكّلا منهلاً نهل منه الخطاطون
الأتراك وأساسًا اعتمدوا عليه ليحدثوا نقلة مهمة في تجويد بعض أنواع الخط المنسوب.
وقد أدى استقدام السلاطين لخيرة خطاطي العراق والشام ومصر، ضمن من استقدموهم من
فنانين وصنّاع إلى الآستانة، دورًا كبيرًا في النهضة الخطية التي شهدتها الدولة
العثمانية. وكان الأتراك يستخدمون خط التعليق الفارسي في كتابة لغتهم التي كانت قد
تحولت أيضًا إلى الحروف العربية، بالإضافة إلى الخطوط المنسوبة التي كانت لها
استخدامات مختلفة. وقد برز في أواخر القرن التاسع خطاطان اتبعا طريقة عبدالله
الصيرفي البغدادي كان لهما دور كبير في تطور تجويد الخط العربي. أولهما الشيخ
حمدالله الأماسي الذي جمع خطوط ياقوت المحفوظة في الخزانة العثمانية، فدرسها،
وانتقى من حروفها أجمل الأشكال والأساليب، لتكون هاديًا ودليلاً له في تطويره
للأداء الجمالي للخطوط المنسوبة؛ وثانيهما الخطاط أحمد القره حصاري الذي برع في
التراكيب والتشكيلات الخطية. وقد أدى التنافس بينهما إلى توسيع دائرة المجودين
لتنتهي في أواخر القرن الحادي عشر الهجري إلى الحافظ عثمان بن علي الخطاط المجود
الشهير صاحب المصاحف الذي استقرت الأقلام الستة بطريقته. ثم أتى الخطاط المبدع
مصطفى راقم في أواخر القرن الثاني عشر الهجري ليضع اللمسات الأخيرة على طريقة
تجويد جليّ الثلث التي لا تزال متبعة حتى الآن. وقام الخطاط سامي أفندي بتطوير
الأرقام وعلامات التشكيل وإشارات الحروف المهملة حتى بلغت شكلها المعروف اليوم.
وقد تسابق الخطاطون في تراكيب خط الثلث وجليّه مما أدى إلى تطور جمالي كبير فيها
كان من نتيجته إجراء بعض التعديلات في مقاييس بعض الحروف بما يخدم التشكيل الخطي،
وإحداث علاقات من التناغم بين غلظ القلم ورقة التشكيل وإشارات الحروف المهملة.
وانتهى تجويد الثلث والنسخ والرقاع إلى فرعين على درجة عالية من الجمال يقف على
رأس أولهما الخطاط قاضي العسكر مصطفى عزت، ويقف على رأس الثاني الخطاط محمد شوقي
.
من ناحية
أخرى، كان خط نسخ التعليق الفارسي يتطور بشكل تدريجي، عندما أتى الخطاط الشهير مير
عماد الحسني في أواخر القرن العاشر الهجري فدرس هذا الخط، وارتقى به إلى درجة
عالية من التناسق والجمال والرقة. وقام تلميذه درويش عبدي البخاري بنقل طريقته إلى
إسطنبول، حيث أقبل الخطاطون على استخدامها في كتابة القطع الخطية، وقام محمد أسعد
اليساري باشتقاق طريقة جديدة منه أقبل عليها كثير من الخطاطين، وخصوصًا جليّها الذي
طوره الخطاط مصطفى عزت أفندي ابن اليساري، إلا أن خط التعليق التركي لم يرقَ إلى
جماليات الفارسي، فلقد أهمل الأتراك الشكل التركيبي منه، وقللوا من مرونته ورشاقته
.
وقد أضافت
المدرسة العثمانية بعض الإضافات النوعية، فظهر الخط الديواني الذي تعود جذوره إلى
التوقيع والرقاع والتعليق، وتطور بشكليه العادي والجلي، فوضع أصوله الخطاط محمد
منيف في عهد السلطان محمد الثاني، ثم طورها ونشرها الصدر الأعظم شهلا باشا في عهد
السلطان أحمد الثالث وجوّدها السلطان مصطفى خان، ثم طورها الخطاط نعيم. وبرع في
هذا الخط الخطاط سامي، والحاج أحمد الكامل آخر رئيس للخطاطين في الدولة العثمانية،
بالإضافة إلى ممتاز بك الذي وضع في عهد السلطان عبدالمجيد خان قاعدة لخط آخر أضافه
العثمانيون، هو خط الرقعة الذي طوره الخطاط محمد عزت أفندي، وهو خط يصلح للاستخدام
اليومي وليس للأعمال الفنية. وابتكر الخطاط عارف حكمت خطًا سماه السنبلي، إلا أنه
لم ينتشر رغم أنه على درجة لابأس بها من الجمال. وطور الخطاطون العثمانيون تصميم
الطغراء
التي
تعود بداياتها إلى سلاطين المماليك في مصر، واستخدمها السلاطين العثمانيون جميعًا
.
كما اهتمت
المدرسة العثمانية بتعليم الخط وتنشئة الخطاطين، حتى إن كثيرًا من سلاطينها
ووزرائها تعلموه. وقد استفادت هذه المدرسة من التقاليد التي كانت المدرسة المصرية
قد أرستها، وأصبح سائدًا نظام منح الشهادة أو الإجازة الذي كان ابن الصايغ قد
وضعه. وقد مال الخطاطون، حتى المتميزون منهم، إلى محاكاة خطوط سابقيهم وتقليدها،
الأمر الذي يمكن أن يكون أحد أسباب الروح المحافظة التي سادت المدرسة العثمانية
بعد المجودين الأعلام
. تركيا.