نتائج ناثان نوبلر
نتائج ناثان نوبلر :
يذكر ( ناثان نوبلر) في كتابه ( حوار الرؤية ) انه في البدء يجب أن يوجه المشاهد إلى العمل الفني الذي أمامه اهتماما كاملاٌ ، لكي تكون هناك علاقة مباشرة بين المشاهد والعمل الفني ، أما إذا انشغل المشاهد بأشياء أخرى أو حدث بينه وبين العمل بعض الاتصالات كان ذلك اتصالا غير مباشر ، وقد يمنح المشاهد قدرا من المتعة يصح ان يقال عنه شكل من أشكال التجربة الفنية ، إلا انها تجربة فنية دون توجيه ، فالتجربة مشوشة والتجربة الفنية تتحقق بكل طاقاتها بفضل التفاعل القائم بين المشاهد والعمل الفني عن طريق الاتصال المباشر والمركز0
وما يوازي الانتباه والتركيز في الأهمية بشأن تحقيق المتعة الفنية هو رغبة المشاهد في ان يتخذ من العمل الفني موضوعا قيما ، أي ان يتقبله بوصفه مسعى عقلانيا جاداٌ لفنان عقلاني جاد ، والمشاهد إذا سعى حقا لفهم الفن المعاصر باتجاهاته المتباينة عليه ان يأخذ الاحتمال القائل أن عدم قدرته على استيعاب الأعمال المعروضة أمام ناظريه قد يكون ناجما من عدم فهم وليس مرده نقصا فيها أو عيباٌ ، عليه مؤقتا أن يتقبل نوعا من الإهانة الذاتية بينه وبين نفسه ، وأن يؤجل الحكم حتى يصبح واثقا بأن موقفه يستند حقا إلى فهم وإدراك سليمين لما يرى وعند ذلك سيجد في العمل الفني المعنى الذي فاته إدراكه أول مرة 0
وعندما يتنبه الفرد ، وينظر إلى العمل الفني فإن الأحاسيس التي يتلقاها لن تعني له شيئا إلا إذا عرف كيف ينظمها في إدراك منسق ، فالإدراك يتطلب من الفرد انتقاء ما يلائمه من الاحساسات الكثيرة التي تنتقل إليه في الوقت الواحد وذلك تبعا لمدى مساهمتها في بناء تجربة فريده له ، وهذا يتطلب تدريبا فالمشاهد غير المدرب لن يجد معنى في ما يشاهده أمامه سواء أكان فن أم غير ذلك ، ومن شأن الفروق الثقافية أ، توفر تدريبا لأناس مختلفين للتحسس على نحو مختلف بحيث ان الحوافز الحسية المتماثلة ستولد إدراكات لدى الشخص الذي عاش طوال عمره في الحقل ، أن المعنى الذي تولده لدى كل منهما سيتوقف على ما ينشده ويتوقعه من العالم نفسه الذي حوله 0
ويمكن توضيح عملية الإدراك هذه بالتخطيط الموضح بالشكل
بالإمكان توضيح عملية الإدراك هذه بالتخطيط المبين في الشكل أن الحرف (o) يمثل شيئا أو تجربة موجودة في عالم خارج المشاهد ، قد يكون عملا فنيا مفردا ، وقد يكون نمطا معقدا من أحداث متداخلة ، المعلومة عن هذا الشيء تتجمع عن طريق الأعضاء الحسية (s) ، ففي حالة الفنون البصرية يكون العضو المسؤول في الأغلب عيني المشاهد ، ولكنه قد يكون أيضا أطراف أصابعه المتلمسة لسطح القطعة النحتية ، ولدى تصميم بنايات معينة تعد أصوات المياه أو حفيف الأغصان بفعل هب الريح عناصر لا يستهان بها في التخطيط ترمي إلى إشراك الآذان أيضا في عملية تلقي المعلومات 0
أن التلقيم الحسي (s) يرسل إلى الدماغ حيث يفسر ويصاغ وهذا التفسير يتأثر بتجربة المشاهد الماضية التي يرمز إليها بحرف ( e ) قد تتضمن هذه التجربة تجميع الأفعال اليومية المتمازجة التي تتولد في الوسط الذي يعيش فيه المشاهد ، والموقع الجغرافي له ، وخلفيته الاقتصادية والسياسية ومعتقداته الدينية وأصدقائه ومعارفه ، وقد يتضمن أيضا التدريب المقرر الذي تلقاه في المدارس ، ومما هو جدير بالإشارة ان التجربة ليست حالة نوعية أو عددية ساكنة ، فهي تتغير بفعل الزمن كلما عاش المرء أو قرأ لاحظ او تعلم والتجربة السابقة ( التي يرمز إليها بالحرف ( E ) تختلف من شخص إلى آخر ، إذ أنه حتى في حالة وجود أوجه شبه كبيرة في التجربة السابقة ، لدى الأفراد الذي يضمهم وسط ثقافي مشترك إلا أنه ليس هناك شخصان متماثلين في اكتساب التجربة المستمدة 0
ان تفسير التلقيم الحسي يتأثر أيضا بطول بعوامل أخرى غير التجربة السابقة فالذكاء الذي يرمز إليه بالحرف ( I ) يفعل فعله هنا ، كما تلعب النوازع العاطفية الآنية ودرجة التركيز دورها ، وقد تضفي حالة المشاهد البدنية لونا على التلقيم والنزعات يعمل على خلق الإدراك المتمثل بالحرف (P ) الذي يثيره في الأصل الشيء 0
إن قيمة هذا التحليل الموجز نجده في الخطوات المؤثرة بين الشيء المحرك في الأصل والإدراك ، وفي الأغلب هناك افتراض شائع خاطئ أن الشيء والإدراك هما شيء واحد ، وأن الأفراد إنما يتحسسون الشيء الواحد او التجربة الواحدة ، ( والتي قد تعد لشيء في المخطط المشار إليه ) تحسسا متماثلا ، لكن الأمر ليس كذلك في الواقع ، فالحقيقة ان الفرد الواحد قد يحمل إدراكات مختلفة للشيء نفسه في أوقات مختلفة فالتغير الحاصل في تجربته والتغير الذي يطرأ على موقفه ونظريته ، قد يغير من نوع الإدراك لديه بحيث تحصل له رؤية جديدة وفهم جديد ، وكما الحال بشأن التجربة التي وصفها فإن المشاهد ( الأعمى ) ذات يوم قد توهب له الرؤية 0
إن إدراك المعنى في العمل الفني ليس عملية تلقائية ، حتى لو بدت ففي بعض الأعمال ، ان التدريب والجهد الذي يبذله الفنان لإنتاج عمله غالبا ما يتطلب استعدادا موازيا لدى الجمهور الذي يتوقع ان يتجاوب وإياه ، والفنان الخلاق يبدأ بالسلسلة التي تقود إلى التجربة الجمالية ، لكن مسئوليته تنتهي في الاستديو ، منه تنتقل المسؤولية لتلقي على الأخلاق على عاتق المشاهد ، فإن اقتنع بأن تدريبه الحسي يتكافأ والتطلعات التي يطرحها الفنان يستطيع آنذاك تفحص المضامين التي احتوتها الأعمال الفنية أمامه وتقويمها ، وإن يكن كذلك فإن المشاهد المتزن سيستجيب إلى ما يحمل إليه ، بالذات ، معنى حسب ، أما ما سواه من الرسوم والمنحوتات فسيبقى بالنسبة إليه لغزا حتى يحين الوقت الذي يستطيع فيه الاستجابة له فعلا 0