أنواع العولمة والف
أنواع
العولمة والفرق بينها وبين العالمية :
ربما كان من أسباب اختلاف تعريفات العولمة وصعوبتها ،
تعدد أنواع العولمة نفسها . فمن الطبيعي أن تختلف تعريفات العولمة باختلاف أبعادها
وتجلياتها ومؤشراتها على أرض الواقع، ويمكن حصر العناصر الأساسية لظاهرة العولمة
الراهنة في مستويات ثلاثة متداخلة ومترابطة هي: الاقتصاد ، والسياسة، والثقافة .
فالعولمة إذن ، تنقسم إلى أقسام متعددة أهمها ما يلي :
1ـ العولمة السياسية وتعني نشر القيم الغربية في مجال
السياسة بالدعوة إلى الأخذ بالديمقراطية الغربية بوصفها نظاما للحكم ، مع ما
يتطلبه ذلك من تعددية سياسية ، وأحزاب ، وحرية في التعبير ، ومجالس تشريعية ،
ودساتير ، ورأي عام ، وغير ذلك . وهذا النوع وإن كان قد تغلغل في مجتمعاتنا منذ
الاستعمار العسكري الغربي في القرنين الماضيين، إلا أنه تزايد وانتشر بعد إطلاق
مصطلح العولمة انتشارا ملحوظا .
2ـ العولمة الفكرية والثقافية والاجتماعية وتعني نشر
الفكر الغربي في النظر إلى الكون والحياة والإنسان ، بوسائل منها : الأدب الغربي
الذي أخذ يتسلل إلى مجتمعاتنا باسم الحداثة ، وشبكة المعلومات الدولية والفضائيات
التي أصبح انتشارها في العالم ممكنا ، بعد أن غزا الغرب الفضاء وثبت فيه عددا
كبيرا من الأقمار الصناعية .
3ـ العولمة الاقتصادية وتعني نشر القيم الغربية في مجال
الاقتصاد مثل: الحرية الاقتصادية ، وفتح الأسواق ، وترك الأسعار للعرض والطلب ،
وعدم تدخل الحكومات في النشاط الاقتصادي ، وربط اقتصاد الدول النامية بالاقتصاد
العالمي ، بحيث يصبح العالم مقسما إلى قسمين لا ثالث لهما ؛ قسم ينتج ويطور ويبدع
ويصدر وهو الدول الغربية ، وقسم يستهلك ويستورد فقط وهو الدول النامية ومنها الدول
الإسلامية. وهذا هو مغزى الاستعمار قديما وحديثا ، أعني امتصاص خيرات الشعوب
الضعيفة وجعلها دائما تابعة للدول الصناعية الغربية .
وقد لا أجافي الحقيقة إذا قلت إن الاقتصاد هو المحرك أو
السبب الرئيس لكثير من الأحداث العالمية ، لأننا نعيش في عالم يقدس المال ويسعى
إلى الحصول عليه بطرق شتى وفقا لمبدأ الإيطالي ميكيافيلي : " الغاية تبرر
الوسيلة " . ومع التسليم بخطر النوعين السابقين من العولمة : السياسية
والثقافية ، فإن العولمة الاقتصادية هي أشد هذه الأنواع خطرا وهي المحرك الحقيقي
للعالم الغربي.
أما العالمية " Globalism" فقد عرفتها الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة
الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي بأنها " مذهب يدعو إلى البحث عن
الحقيقة الواحدة التي تكمن وراء المظاهر المتعددة في الخلافات المذهبية المتباينة
" . ويزعم أصحاب هذه الدعوة أن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد،
تزول معه خلافاتهم الدينية والعنصرية ، لإحلال السلام في العالم محل الخلاف.
وبناء عليه ، يتبين أن العالمية تمثل مجالا واسعا من
مجالات العولمة وهو المجال الثقافي وأن العلاقة بينهما علاقة جزء بكل .
ويرى الشيخ بكر أبو زيد في كتابه معجم المناهي اللفظية
أن العالمية مذهب باطل ينسف دين الإسلام ، بجمعه بين الحق والباطل ، أي بين
الإسلام والأديان كافة ، وحقيقته هجمة شرسة على الإسلام . وأنه لا ينبغي أن نقول
"عالمية الإسلام " فنخضع الإسلام لهذا المذهب الفكري، ولنقل :"
الإسلام والعالمية " لنظهر فضل الإسلام ، ونحط إلى القاع ما دونه من مذاهب
ونِحَل محاها الإسلام.
إلا أن معظم الباحثين المسلمين ومنهم الأستاذ ماجد
الزميع يرون عدم المانع من استعمال عبارة " عالمية الإسلام " ؛ لأن
الشريعة الإسلامية عالمية في أصلها وتفاصيلها، وهي نقطة الفرق الجوهرية بين
الإسلام والديانات السماوية السابقة. فجملة "عالمية الإسلام " يمكن أن
تجمع ثلاثة عناصر هي أن الإسلام رسالة موجهة إلى الخلق جميعهم ، وهم مطالبون
باعتناقه جميعا. وأنه يشتمل على أصول الديانات السابقة جميعها ، فهو اللبنة
الأخيرة في صرحها الشامخ . وأن مبادئ الإسلام صالحة للتطبيق في كل مكان وزمان . ثم
إن الفروق بين العولمة والعالمية بمعناها الجائز كثيرة منها ما يلي:
1ـ أن العولمة مسح للثقافات الأخر وإحلال الاختراق
الثقافي محل الصراع الأيديولوجي . أما العالمية فهي تفتح على العالم وعلى الثقافات
الأخر ، واحتفاظ بالخلاف الأيديولوجي .
2ـ أن العولمة إرادة للهيمنة ، فهي قمع وإقصاء للخصوصية
واحتواء للعالم . أما العالمية فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي ،
وانفتاح على ما هو عالمي وكوني .
3ـ أن طلب العالمية في المجال الثقافي ـ كما في غيره من
المجالات ـ طموح مشروع ، ورغبة في الأخذ والعطاء ، وفي التعارف والحوار والتلاقح .
أما العولمة فهي إرادة لاختراق الآخرين ، وسلبهم خصوصيتهم.
4ـ أن عالمية الإسلام لا إكراه فيها ، ومشروعية الجهاد
إنما هي لإزالة العوائق التي تحول بين الناس وبين سماع الحق . أما العولمة فهي أن
يجبر القوي الضعيف ، ويرغمه على ما لا يريد .
والذي أراه أن عبارة "عالمية الإسلام " إن كان
يقصد بها صهر الإسلام في الأديان الأخر ، وإزالة الفروق بينه وبينها ، والتخلي عن
أحكامه ، فإن تلك العبارة لا تجوز، وإن كان يقصد بها الانفتاح على العالم ،
ومحاورته ومجادلته بالتي هي أحسن ، ودعوته إلى هذا الدين، ومبادلة المصالح
الدنيوية معه ، فلا أرى بأسا من إطلاقها على الإسلام .