ابن زهر الأندلسي
ابن زهر الأندلسي
وفي القرن السادس الهجري / الثاني عشر
الميلادي يدخل أبو مروان بن أبى العلاء بن زهر في صلات علمية مع الفيلسوف والطبيب
الكبير ابن رشد الذي أثنى على ابن زهر وتفوقه الطبي، فألف له ابن زهر كتابه الأشهر "التيسير في المداواة والتدبير"، ويبدو أن ابن
رشد قد أمره بذلك على ما يذكر ابن زهر نفسه من "إنه مأمور في تأليفه".
وقد أدت أهمية موضوعات الكتاب بابن رشد إلى أن يصرح في كتابه "الكليات"
بأن أعظم طبيب بعد جالينوس هو ابن زهر صاحب كتاب "التيسير". فقد كانت له
معالجات مختارة تدل على قوته في صناعة الطب، وله نوادر في تشخيص الأمراض ومعرفة
آلام المرضى دون أن يسألهم عن أوجاعهم، إذ كان يقتصر أحيانا على فحص أحداق عيونهم،
أو على جس نبضهم، أو على النظر إلى قواريرهم.
واعتمد المنهج العلاجي عند ابن زهر جّل اعتماده على الغذاء، وكان يفضل – متأثرا بالرازي – الاعتماد أولا على الغذاء في المعالجات قبل الأدوية المفردة. وقد ضمن أبو مروان بن زهر منهجه العلاجي هذا في ثاني أهم كتبه وهو كتاب "الأغذية" الذي كان له أثر قوى في تقدم الفن العلاجي في العصور اللاحقة. هذا بالإضافة إلى مؤلفاته الأخرى والتي لا تقل أهمية عن التيسير "والأغذية"، وإن كانت أقل شهرة، وهى: مقالة في علل الكلى، كتاب الزينة.
وترجع أهمية كل هذه المؤلفات الى ما ضمّنه فيها صاحبها من إنجازات، فهو أول من قدم وصفا سريريا – متأثرا بالرازي – لالتهاب الجلد الخام، وللالتهابات الناشفة والانسكابية لكيس القلب. وهو أول من اكتشف جرثومية الجرب وسماها "صؤابة" وأول من ابتكر الحقنة الشرجية المغذية، والغذاء الصناعي لمختلف حالات شلل عضلات المعدة. كما يعتبر أول من استعمل أنبوبة مجوفة من القصدير لتغذية المصابين بعسر البلع، وقدم وصفا كاملا لسرطان المعدة... إلى غير ذلك من الإنجازات الطبية والعلاجية التي جعلت صاحبها أشهر وأكبر أعلام الطب العربي الإسلامي في الأندلس، وعملت على تطور وتقدم علم الطب في العصور اللاحقة حتى وصلت إلى الغرب الذي عرفه باسم Avenzorar، وعده أعظم من ابن سينا، ولا يعدله في الشرق سوى الرازي، والاثنان قد قدما من المآثر ما أفادت الإنسانية جمعاء.