الآثار السلبية للع
الآثار
السلبية للعولمة
تمتد جذور
الآثار السلبية للعولمة في المجال اللغوي إلى استغلالها في فرض الفلسفة النفعية
المادية العلمانية، وما يتصل بها من قيم، وقوانين، ومبادئ على سكان العالم كله .
ولا تستثنى الثقافة العربية الإسلامية، واللغة من التأثر السلبي بعمليات العولمة
في هذا المضمار, وهي عمليات تعد استعماراً ثقافياً من الناحية السياسية، وتعلن على
رؤوس الخلائق أن عليهم أن يتحدوا ضمن العولمة الغربية الأمريكية مع السماح لهم
بالحفاظ على التنوعات الثقافية واللغوية التي تتعارض مع مصالح هذه العولمة،
وسياساتها، وأهدافها المرسومة.
من أبرز
هذه الآثار طغيان اللغة الإنجليزية في التحاور الحضاري والتبادل التجاري الدولي،
وإقصاء غيرها من اللغات إلى التعامل الإقليمي، أو المحلي . وشاع استعمال اللغة
الإنجليزية في مواقف اجتماعية، واقتصادية كثيرة، وفي تخصصات علمية تقود الولايات
المتحدة الأبحاث العلمية فيها، وفي العلاقات الشخصية بين الأفراد المنتمين إلى
لغات، وثقافات متنوعة وبلغ من هيمنة اللغة الإنجليزية في المجال العلمي أن تمسكت
بعض الجامعات العربية بتدريس بعض التخصصات العلمية الطبيعية والتطبيقية باللغة
الإنجليزية ، أو غيرها من اللغات غير العربية. صار هذا النوع من التعليم تقليداً
علمياً عميق الجذور، وخلق نوعاً من الثنائية اللغوية العلمية فضلاً عن ظاهرة
الثنائية اللغوية الأجنبية الشعبية الاجتماعية والفردية في هذه الدول.
ساعد سبق
الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية في استخدام الإنترنت على تسخير هذه الوسيلة
في نشر اللغة لإنجليزية، وخدمة غيرها من اللغات الغربية. بل أصبح لزاماً لمن يرغب
في الإفادة التامة بهذه الوسيلة المهمة إجادة اللغة الإنجليزية، ومن ثم يكون من
الأيسر تأثره بالممارسات التعبيرية الإنجليزية، والنمط الخطابي الإنجليزي على
الإنترنت، ونقل هذه الممارسات، والأنماط، والانشغال بها، والبحث عن مقابل لها في
لغته، وثقافته. وذلك ما يحدث للغة العربية.
من ذلك
محاولات نشر اللغة الإنجليزية في البلاد الإسلامية، وإقصاء اللغة العربية. وتؤدي
العولمة اللغوية، أو بالأحرى، "الجلنرة" إلى قطع المسلمين غير العرب عن
تراثهم وتاريخهم المسجل باللغة العربية في أغلبه، وإلى قطع الروابط الثقافية بين
الشعوب الإسلامية التي كانت تستعمل اللغة العربية لغة علم وفكر وبين الأمة
العربية، ويفضي ذلك على المدى البعيد إلى طمس الهوية الإسلامية لهذه الشعوب.
للعولمة
مخاطر على الهوية اللغوية الثقافية العربية. فإذا علمنا أن النمط الثقافي المسيطر
في العولمة هوا لنمط الغربي الأمريكي، فإن ذلك يستلزم تهميش غيره من الأنماط
الثقافية. وقد لوحظ أن أسوأ أمر في العولمة هو أن يكون كل شيء متشابهاً في العالم
كله. وبالنسبة للغة العربية تؤدي أحادية الأنماط والممارسات التعبيرية، والخطابية
إلى قطع العرب والمسلمين عن تراثهم على المدى البعيد لتحول الاهتمام العالمي
والمحلي عنه، وقلة قرائيّته خارج الدول العربية. ومن البديهي أن الغربيين لا
يخدمون أي تراث غير تراثهم إلى مستوى يؤهله ليكون مكوّناً أساسياً من العولمة
الثقافية واللغوية. لقد أصبحت القوى العالمية التي تشكل الأذواق الثقافية والأفكار
المعرفية التي تحكم الأغلبية الكبيرة خارج الحدود السياسية لهذه القوى واستطاعت أن
تقنع أغلب الناس في كل مكان بأن سيطرتها طبعية وعادية.
من الآثار
السلبية للعولمة إضعاف اللغة العربية بتشجيع اللهجات العامية الإقليمية لكي يبقى
باب الثقافة العربية مفتوحاً للغارة العالمية المتمثلة في الثقافة الأمريكية
الشائعة عبر الأقمار الصناعية، والإنترنت ، وغيرهما. ومخاطر العولمة في هذا الجانب
أكبر من تأثير استعمال اللهجات العامية، أو الضعف اللغوي، على الرغم مما بينهما من
صلة. فبالإضافة إلى إحلال الأزياء الأمريكية والإنجليزية محل الأزياء العربية، فإن
المواد الغذائية تحمل أسماء إنجليزية، كما تكتب اللافتات والإعلانات التجارية بالإنجليزية،
دون العربية، أو بالجمع بينهما. ويفتح الطفل العربي عينيه على كتابات بالإنجليزية
على ملابسه وملابس أفراد أسرته وأحذيتهم، وعلى اللعب والهدايا، وعلى كل شيء من
حوله. وقبل أن يعرف شيئاً من لغته، تدخل اللغة الإنجليزية مدرسته منذ الصف الرابع
الابتدائي لتصبح مشكلته الأزلية، وتحظى بجل اهتمام والديه من أجل أن يحرز معدلاً
رفيعاً في الشهادة الابتدائية على أمل أن يتأهل للتسجيل للقسم العلمي في المرحلة
الثانوية .
تعد
"العولمة" غزواً فكرياً ثقافياً لغوياً لما تقتضيه من انصهار الأمم
والشعوب الضعيفة بقيمها الثقافية، وممارساتها اللغوية في الأنماط الغربية
الأمريكية الأحادية المتعاظمة. ويتجلى الغزو اللغوي في شيوع القيم، والممارسات
الغربية بمصطلحاتها الأصلية، ومفاهيمها الأمريكية الإنجليزية. وتكم أخطار هذه
المصطلحات، والمفاهيم في تأثيرها في إعادة تشكيل تصورات الناس لقيمهم الثقافية،
وممارساتهم الاجتماعية، ومعتقداتهم الدينية، وفي إعادة تصنيف ممارساتهم،
وعلاقاتهم، وتوجيه طريقة تفكيرهم، فضلاً عن ارتباط هذه المصطلحات، والمفاهيم
بالتراث الغربي المسيحي والعلماني. والتعامل مع هذه المصطلحات بوجهية في اللغة
العربية دليل على الهزيمة، فإذا اعتبرت من الدخيل واعتمدت كتاباتها بالحروف
العربية حسب تهجيها فإن تكاثرها يفضي إلى مسخ اللغة العربية، ويقف شعاراً
للاستسلام للثقافة الغربية. وإذا جرينا وراء تعريبها فلا ضمان لإمكان ملاحقتنا
لها، فضلاً عن عجز المؤسسات العربية عن تنسيق جهودها في التعريب فيما بينها، وكون
التعريب للمصطلحات محاولة لدمج المفاهيم الغربية في المفاهيم العربية الأصيلة
لتفرض علينا إعادة تصنيف مفاهيمنا، ودليلاً على الرضا بها وقبولاً بها، واقتناعاً
بالبقاء صدى للصيحات الغربية. ولا ينجو من الخيارين استعمال المصطلحات التراثية
للمفاهيم الغربية الحديثة ، لما في ذلك من إشكالات دلالية، وفكرية وحضارية.
ومن مخاطر
وجود اللغة العالمية خلق طبقة من أحاديي اللغة في المجتمع العالمي تحاول استغلال
معرفتها بهذه اللغة في الاتصال الثقافي والتجاري والمعرفي، واستغلال القوة اللغوية
الناتجة عن معرفة اللغة العالمية بوصفها لغة أولى في التفوق على الآخرين في مختلف
المجالات، حيث يستغل أصحابها الأصليون المدة الزمنية التي يقضيها غيرهم في إجادة
اللغة وتبين المحتويات الدلالية للمعاهدات في هضم المادة العلمية أو الإسهام في
التقدم العلمي، أو التفكير في المفاوضات وكسب الموقف.
ومن هذه
المخاطر أيضاً الكسل اللغوي، فلا يرغب متحدثو اللغة العالمية بوصفها لغة أولى في
تعلم لغات أخرى، كما أن متحدثيها بوصفها لغة ثانية قد يتكاسلون في تطوير لغاتهم في
الوظائف اللغوية التي يتعاملون فيها دولياً باللغة العالمية، ومنها أيضاً الموت
اللغوي لعدد من اللغات بسبب إهمالهما في التواصل الإنساني.