الأخلاق عند العرب
الأخلاق عند العرب
لم يعرف العرب في جاهليتهم فلاسفة دعوا إلى مذاهب معينة كالذي رأيناه عن اليونان من أبيقور وزينون وأفلاطون وسقراط ، لأن البحث العلمي لا يكون إلا من حيث تعظم المدنية 0 إنما كان عند العرب حكماء وبعض شعراء أمورا بالمعروف ونهوا عن المنكر وحثوا على الفضائل وحذروا من الرذائل المتعارفة لعهدهم ، كما نرى في حكم لقمان وأكتم بن صيفي وأشعار زهير بن أبي سلمى وحاتم الطائي 0
الفكر الأخلاقي في الإسلام
حتى جاء الاسلام فدعا إلى الاعتقاد بأن الله مصدر كل شيء في العالم فما في الكون من ظواهر مختلفة ومخلوقات متنوعة من الحبة في ظلمات الأرض إلى السماء ذات البروج فإنما عنه صدر وبه قام وانتظم 0
وكما خلق الإنسان وضع له نظاما يتبعه وطريقا يسير عليه شرع له أمورا من صدق وعدل أمره باتباعها وجعل السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة جزاء من اتبعها 0 وجعل عكسها من ظلم ورذائل نهي عنها وحذر من ارتكابها وجعل الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة عقوبة من ارتكبها " أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي " "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن لنحينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون 0"
وان الله لم يأمر اعتباطا ولا نهى عما نهى كذلك ، بل ان الله جعل صلاح الدنيا يتوقف على أمور : من عدل وصدق وأمانة وجعل فسادها بأضدادها فأمر بما يتوقف عليه صلاح الدنيا وانتظام شئونها ونهي عما يسبب فسادها " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس وأثمهما أكبر من نفعها " 0 إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلو أوأن يصلبوا " 0 وما توقفت عليه مصلحة الناس وبدونه يفسد نظامه كالمحافظة على الارواح والأموال أمر به أمر لا هوادة فيه وسماه فرضا 0 ومن أجل هذا أعظم عقوبة القاتل والسارق وما ترتب عليه رفاهية للناس فسب طالب به كطالبة دون الأولى وندب أليه كعيادة المرضى 0
قل من العرب – حتى بعد ان تحضروا – من بحث في الاخلاق بحثا علميا ذلك لأنهم قنعوا أن يأخذوا عن الدين ولم يشعروا بالحاجة إلى البحث العلمي في أساس الخير والشر ولذلك كان الدين عماد كثير ممن كتبوا في الاخلاق كما ترى في كتاب الإحياء للغزالي وأدب الدنيا والدين للمارودي 0
وأشهر من بحث في الاخلاق بحثا علميا ابو النصر الفارابي المتوقي سنة 339ه_ وأخوان الصفاء في رسالة من رسائلهم ،وأبو على بن سينا (37—448هـ) وكان هؤلاء قد درسوا الفلسفة اليونانية فكان فيما درسوا أراء اليونان في الاخلاق 0
ولعل أكبر باحث عربي في الاخلاق ابن مسكويه المتوفى سنة 421 هـ آلف فيها كتابه المشهور ( تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق ) بحث فيه بحثا علميا وحاول ان يمزج فيه تعاليم افلاطون وأرسطو وجالينوس بتعاليم الإسلام وكتان لتعاليم أرسطو الغلبة وكثيرا ما يعزو إليه قطعا في كتابه وقد اقتبس منه كثيرا من أبحاثه في النفس 0
ولكن لم يسر كثيرا من علماء العرب على منواله ، وحبذا لو كانوا توسعوا في نظرياته واستدركوا ما فاته وأحلوا ما تثبت صحته من العلم الحديث محل ما يظهر بطلانه من القديم 0