الاخلاق الاسامية
فلسفة الأخلاق في الإسلام
بعد الدراسات المتعددة التي أعدها الباحثون في مجال فلسفة الاخلاق الإسلامية يعد من باب التجاوز القول مع القائلين انه لا توجد فلسفة أخلاقية في الفكر الإسلامي ، كما يعد من الجور إهمال هذا الجانب الاصيل في الفلسفة الإسلامية 0 قد يكن صحيحا ان هذه الفلسفة لم تأخذ شكل الدراسة أو الكتابة العلمية المنظمة إلا في القرن الخامس الهجري تقريبا 0 وهذا يرجع إلى كفاية الكتاب والسنة للسلف الصالح كهاد ومرشد في حياتهم العملية ، وبيان الصواب والخطأ في أنماط السلوك الإنساني ـ الأمر الذي كفاهم مؤونة البحث والنظر في تصوير قواعد ثابتة لسلوكهم فتكون في مجموعها فلسفة أخلاقية خاصة بهم (18)
وتكاد تكون الفلسفة الأخلاقية من أقل فروع الفلسفة حظا من عناية الدارسين والمؤرخين للثقافة الإسلامية – الأقدمين منهم والمحدثين على السواء ، فأبن خلدون في الفصل السادس منة مقدمته حيث تناول " العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه " ذكر علوم العرب جميعا دون أدنى إشارة للأخلاق 0 كذلك لا يذكر ابن صاعد الأندلسي فيما ذكره عن علوم العرب شيئا عنها 0
حقيقة لقد ذكرها الفارابي وجعلها أحد فروعي العلم المدني في إحصائه للعلوم وكلنه كان في ذلك يترسم خطى أرسطو – سواء في تصنيفه للعلوم – أم في فهمه للأخلاق ، حقيقة لقد أضاف في إحصائه علوما إسلامية كالفقه ولكنه لم يخرج في تصنيفه عن السياق العام لفلسفته من توفيق بين الدين والفلسفة وترسم خطى الفلسفة المشائية بمفهوم افلوطيني ولي أدل على ذلك من انه حين تعرض الإخفاق لم يضف شيئا عما ذكره أرسطو من فهم للسعادة والفضيلة ومن جعل الأخلاق مقدمة للسياسة المدنية أو بالأحرى المدينة الفاضلة 0
أما التهانوي فلقد أشار إلى الأخلاق في مقدمة كتابه كشاف اصطلاحات الفنون حيث صنف فيها العلوم ، ولكنه كانت تعوزه النظرة الكلية في فهم موضوع الأخلاق ، إذ هو يفضل بين النظر والعمل في الاخلاق اما النظر فيفهمه فهما مثاليا إذ الاخلاق أول أقسام الحكمة العملية حيث العلم بمصالح الشخص وليس أدل على اقتفائه أثر أرسطو في ذلك ان جعل القسمين الآخرين للحكمة العملية هما نفس ما ذكره أرسطو : تدبير المنزل والسياسة المدنية ، اما الاخلاق العملية لديه فيضفي عليها معنى إسلاميا إذ جعلها مرادفة للتصوف أو معرفة ما للنفس وما عليها من الاعتقادات فلي الجانب النظري للأخلاق متصلا بها ولكنه علم آخر لا صلة له – في نظره – بالأخلاق ، وهكذا كانت تعوزه النظرة الكلية لفهم طبيعة علم الاخلاق وموضوعه وجانبيه النظري والعملي 0
ولم تأخذ الأخلاق في الاسلام حظها من البحث والدرس والكتابة العلمية غلا بعد الاتصال باليونان على ان الجانب الأصالة والابتكار يعوزاها إذ كانت متأثرة بالأفلاطونية المحدثة ، فضلا على ان آراء الفلاسفة مثل الكندي والفارابي في السعادة كانت تختلط بآرائهم في النفس حينا وبالمباحث الوجودية شيئا آخر ، ومن ثم كانت شهرة هؤلاء الفلاسفة بغير الاخلاق لأن كلامهم فيها جاء في ثنايا عرض النسق الفلسفي العام (19)
إلا انه وبالرغم من ذلك لا يمكن لأحد ان ينكر ان لهذه الفلسفة أصولا عميقة مردها إلى الكتاب والسنة أولا ، وإلى ما سرى إلى التراث الإسلامي من تعاليم الشعوب التي اعتنقت الاسلام فضلا عما أقره الإسلام من سنن العرب في الجاهلية وما انتقل إلى الثقافة الإسلامية من ثقافة يونانية ورومانية أو حكم هندية وفارسية 0
ومن ثم يمكن القول ان الفكر الاخلاقي في الإسلام يسير في اتجاهين واضحين 00
الاتجاه الأول
وهو اتجاه الاخلاق العملية ويقوم هذا الاتجاه على طائفة من الوصايا والنصائح والتوجيهات للملوك والرؤساء والوزراء بل للأفراد وعامة المسلمين معتمدة على الكتاب والسنة ومستمدة منهما في الغالب 0 وقد صدر عدد من المؤلفات في هذا الباب منذ زمن مبكر وحل معظمها عنوان " مكارم الاخلاق " ويمكن ان نذكر بين رجال القرن الثالث الهجري أبن أبي الدنيا والخرائطي والطرابلس 0
الاتجاه الثاني :
وهو اتجاه الاخلاق النظرية ويقوم هذا الاتجاه بعرض القضايا والنظريات الأخلاقية محللا لها ومحاولا تفسيرها في ضوء العقل والنقل كنظرية الخير والشر أو فكرة الإرادة والمسؤولية أو الثواب والعقاب ، أو نظرية الواجب والسعادة ولاشك ان مفكري الإسلام في القرن الثاني الهجري وما بعده ، من فلاسفة ومتكلمين بل من صوفية وفقهاء قد عرضوا الشيء من ذلك ولكن بصور متفرقة 0 ولا يستطيع احد ان ينكر أن المشائين العرب في المشرق والمغرب قد عرضوا لكثير من المشاكل الأخلاقية في استقلال أو مختلطة بالمباحث السياسية او الميتافيزيقية ولعل أوضح مثل للدرس الفلسفي للأخلاق نجده عند " ابن مسكويه "
بعد هذا كله فقد يكون من الخطأ ان يقال ان الفكر الإسلامي لم يتعرض للمشاكل الأخلاقية ولم يعالجها في استقلال أو لم يعرضها عرضا علميا 0 فقد عرض زكي مبارك للأخلاق عند الغزالي ، وعبد العزيز عزت لأبن مسكويه وفلسفته الأخلاقية وحاول محمد يوسف موسى ان يوضح " فلسفة الأخلاق في الإسلام " مبنيا صلتها بالفكر اليوناني ، كما تناول الأستاذ وفيق الطويل في كتابه " الفلسفة الخلقية ، نشأتها وتطورها " ان يقف عند الفكر الأخلاقي الإسلامي ، لهذا نقول أنه من الخطأ القول بأن الفكر الإسلامي لم يتعرض للمشاكل الأخلاقية ولم يعالجها في استقلال (18)
وقد عبر استاذنا محمد توفيق الطويل عن ذلك بوضوح قائلا : تبدو الاخلاق متغلغلة في جميع فروع المعرفة الإسلامية ، يؤكدها القرآن الكريم والحديث النبوي وتمكن لها الوصايا والنصائح والآداب العامة وتتغنى بها الأشعار وتمتدحها القصص والأمثال 0
ولكن حظ الفكير الأخلاقي علما مستقلا عن كل هذه الفروع من المعرفة يبدو ضئيلا بالقياس إلى غيره من ألوان الفكر العلمي والفلسفي عند أعلام مفكري العرب والكثير مما نقرأه لهم من وجوه التفكير الأخلاقي الذي يتسم بطابع علمي أو فلسفي قد ذودهم به التفكير الأجنبي الدخيل الذي تهيأ لهم منذ أن اتصلوا بتراث الأمم القديمة المتحضرة منذ منتصف القرن الثامن (الميلادي) وأخذوا ينقلون إلى العربية كنوزه ويضيفون إليها الكثير من وحي عبقريتهم وفيض خبراتهم الفنية الخصبة 0
وسوف نتعرض الآن للفلسفة الأخلاقية لأحد عظماء المفكرين الإسلاميين إلا وهو أبن مسكويه نظرا لاهتمامه الكبير بفلسفة الأخلاق أكبر من أي مفكر إسلامي آخر إلى جانب ان فلسفته الأخلاقية ذات جوانب عقلية بالقدر الذي تابع فيه أرسطو إلى جانب انه استقى من الشريعة الإسلامية فضلا عن تجاربه الشخصية 0