الاخلاق الفلسفية
أما الاخلاق الفلسفية فإنها تريد على العكس من ذلك ان تقدم نظاما متسقا من التعاليم وذلك بالطبع ابتاء من مبدأ مطلق وللوصل إلى هدف متسام يكون واحدا لكل البشر0
ويجدر بنا قبل الدخول مباشرة في عرض المذاهب الاخلاقية في الفلسفة ان نقدم صورة واضحة لتطور الفكرة الاخلاقية على مر العصور لنتبين من خلالها كيف نشأت وأين نشأت وكيف نمت وترعرعت في عناية الأيدي التي كفلتها وأحاطتها بالحدب والرعاية وكافحت دونها ونافحت عنها مسترخصة في سبيل الزود عنها كل ما نفس من جهد ووقت ومال وفضل عبقرية جديرة بتاريخها العظيم وصحائفه البيضاء ونستبين كذلك كيف تطورت تلك الفكرة لعامل الزمان والمكان وكيف كثرت بعد قلة وعزت بعد ذله ازدهرت بعد ذبول ونشطت بعد خمول وكيف أصبحت اليوم الدستور العالمي لجميع أمم الأرض يأخذون بمبادئه ناشئتهم ، ويرضون عليه شبانهم ، إيمانا منهم بأن الاخلاق ليست إلا النجاح في أبهى صورة والمجد في أبهى مجاليه والبطولة في أروع معانيها 0
وراء تلك الغايات السامية قامت المدارس الاخلاقية القديمة والمدارس الوسطى والمدارس الحديثة ، لها أعلامها الباحثون وأتباعها المخلصون ، تنوعت واختلفت وتباعدت ومهما تنوعت وتباعدت واختلفت بها العصور ليست إلا أغصان دوحة واحدة قامت على ساق وإن تفرقت في أفاق 0
إن أصالة الفكرة الاخلاقية واتساقها ووحدتها لن تنزل عن عرش سيادتها ما بقيت مثلها العليا ماثلة في خاطر البشرية 0 أنها لن تبيع قديمها وتقطع بينها وبين الصلات إلا يوم تصبح تلك الفكرة ضربا من الهوس المادي وتنقلب إلى مسخ من غرائز البهيمية البشعة ويومئذ يقال لا إنسانية كما يقال لا أخلاقية 0 وذلك هو ما حدا بنا إلى ان نعرض تلك الصورة من تاريخ الفكرة الأخلاقية وتطوراتها كيما يرتبط حديثها بقديمها ، وتتضح رسومها ومعالمها وتتجلى نواحي التطور والتجديد التي مرت بها على مر العصور