الاخلاق في النصران
وفي أواخر القرن الثالث للميلاد انتشرت النصرانية في أوربا فتغيرت الأفكار ونشرت أصول الاخلاق التي وردت في التوراة وعلمت الناس ان الله مصدر الاخلاق فهو الذي يضع لنا القواعد نراعيها في معاملاتنا وتبين لنا الخير من الشر ، والخير كل الخير في إرضاء الله وتنفيذ أوامره وقد أقامت الأولياء والقديسين مقام الفلاسفة عند اليونان الوثنيين وافقت النصرانية في بعض تعاليمها فلاسفة اليونان ولاسيما الرواقيين ولم تخالفهم كثيرا في تقويم الاشياء خيرها وشرها وإنما أهم ما خالفتهم فيه النظر إلى الباعث النفسي على المعاملة فعند فلاسفة اليونان كان الباعث على عمل الخير المعرفة أو الحكمة مثلا وعند النصرانية إنما ينبعث عمل الخير عن حب الله والإيمان 0
كانت النصرانية تطلب من الإنسان ان يجتهد في تطهير نفسه فكرا وعملا وتجعل للروح سلطانا تاما على البدن والشهوات 0 ولذلك غلب على ابتاعها الأولين احتقار البدن واعتزال العالم والميل إلى الزهد والتنسك والرهبانية 0
الاخلاق في القرون الوسطى
كانت الفلسفة – ومنها علم الاخلاق – مضطهدة في القرون الوسطى في أوربا فقد كانت الكنيسة تحارب فلسفة اليونان والرومان وتعارض في نشر العلم والمدنية القديمين لأنها اعتقدت ان الحقيقة قد وصلت إليها من الوحي المعصوم ، فما أمر به فخير وما قال به فحق ، فلا معنى بع للبحث عن الحقيقة ، وكان يسمح بقدر محدود من الفلسفة لتأييد العقائد الدينية وتحديدها وتنظيمها فكان بعض رجال الدين يبحثون في فلسفة افلاطون وأرسطو والرواقيين لتأييد التعاليم المسيحية وتطبيقها على العقل وما يعارض النصرانية منها كان نبذ نبذا وكان كثير من آباء الكنيسة فلاسفة بهذا المعنى 0
وفلاسفة الاخلاق الذين ظهروا في هذا العصر كانت فلسفتهم مزيجا من تعاليم اليونان وتعاليم المسيحية ومن أشهرهم أبيلرد فيلسوف فرنسي (1079-1142) وتوماس أكويناس فيلسوف لاهوتي إيطالي (1226-1374)
وقد لقيت النظرية اليونانية معارضة كبرى من جانب رجالات المسيحية : إذ ذهب المفكرون المسيحيون إلى ان معرفة الخير لا تكفي وحدها لحض " الإرادة " على فعل الخير أو لتوجيهها نحو ممارسة حياة " الفضيلة " وآية ذلك ان الإنسان كثيرا ما يعرف وصايا الله وأوامر الاخلاق ولكنه مع ذلك قد يخالفها أو يتعدي عليها ، وربما كان السبب في ذلك هو ضعف الارادة البشرية من جهة وقوة الشر من جهة أخرى ، وإذا كان الإنسان كثيرا ما يرتكب " المعصية" عن "جهل" أو " نقص في المعرفة " فإن الخطيئة مع ذلك ليست مجرد " خطأ عقلي " أو " جهالة في الفهم " والحق ان ما تسميه المسيحية باسم الخطيئة هو شيء أكثر بكثير من مجرد الخطأ أو الأثم لأنه ليس للإنسان على الخطيئة يدان كما أنه ليس في استطاعة "المعرفة " ان تجنب المرء خطر الوقوع في المعصية وربما كانت خطورة " المعرفة " ان تجنب المرء خطر الوقوع في " المعصية " وربما كانت خطورة " المشكلة الخلقية – فيما يقول رجالات المسيحية – كامنة على وجه التحديد في قدرة الانسان او عدم قدرته على اتباع ما تقضي به المعرفة الاخلاقية 0 ومعنى هذا ان " المعرفة " هنا ليست ملزمة لصاحبها بل لابد للمرء حتى بعد معرفته بالشريعة الاخلاقية – من ان يحزم إرادته على العمل بمقتضاها أو ان يتخذ قراره برفضها والتمرد عليها 0 هذا إلى ان هناك " قوة " مظلمة لا معقولة من شأنها ان تجيء فادخل في هذا الصميم ألا وهي قوة الشر أو الغواية أو الإغواء 0 وسواء أرجعنا القول إلى المادة أم إلى الشيطان فإن المهم ان " الجسد" في نظر المسيحية ضعيف وأن الله وحده هو الذي يستطيع ان يأخذ بيد الموجود البشري وان يحرره من آسر ذلك " القوة الشريرة" 0 ولاشك اننا هنا إزاء نظرية اخلاقية معارضة تماما لنظرية سقراط : لأن المسيحية تؤكد ان الفضيلة لا يمكن ان تعلم ما دامت المعرفة وحدها هي التي يمكن ان " تعلم" ولا غناء في المعرفة حين نكون بصدد السلوك العملي 0 صحيح أنه في استطاعة " علم الاخلاق " ان " يعلمنا" ما ينبغي لنا ان نفعله ، ولكن هذه " المعرفة بطبيعتها عاجزة قاصرة لأنه ليس في وسع الانسان ان يتبعها ويسير على نهجها ، ولئن كانت الاخلاق معيارية – من حيث المذهب أو التفكير النظري – إلا أنها ليست معيارية – من حيث الواقعية أو التأثير العملي – وهكذا يخلص مفكروا المسيحية إلى القول بأنه ليس من شأن الاخلاق ان ترشد الانسان في حياته العملية وبالتالي فإنه لا موضع للقول بوجود " فلسفة عملية " (8)