الانتقال إلى مجتمع المعرفة
الانتقال إلى
مجتمع المعرفة
في الطبيعة المعرفية للمجتمع المعاصر
كثيرة هي الأحاديث المتداولة اليوم في مقالات الرأي في الصحف الأميركية الواصفة للمجتمع المعاصر بكونه "مجتمع المعرفة". ولم يبق هذا الوصف مجرد دلالة على قيمة الفكرة في البناء المجتمعي، وإنما تجاوز ذلك إلى تمرير نمط في الثقافة نراه يمسخ دلالة المعرفة ذاتها!
ونحن وإن كنا معتقدين قيمة وفعالية الفكر في المجتمع، فإننا ننظر بحس نقدي إلى طبيعة النمط الثقافي المراد له أن يعولم ويسود تحت عناوين معرفية جذابة، ولذا نقف في مقالنا هذا لتحليل متأن لشعار مجتمع المعرفة لدرس مضامينه وغاياته.
لقد كانت المعرفة وستبقى محدداً أساسياً لكينونة الإنسان ووجوده النفسي والاجتماعي، لكن تطور الحياة البشرية رفع اليوم من تأثير الفكرة، وجعلها من أقدر أدوات التغيير وأكثرها فعالية. والنظر إلى التطور الجذري الذي لحق تقنيات الاتصال في زمننا الراهن، لابد أن يخلص إلى أن البشرية مقبلة في قادم الأيام والسنين على تحولات نوعية ستشمل مختلف بنياتها وقواعد انتظامها، فضلاً عن قيمها وأعرافها وأذواقها.
ومثل هذا التحول النوعي، الذي ذوب الحواجز المكانية وقارب بين المسافات الجغرافية الفاصلة بين الشعوب، لابد أن يجعل من المعرفة نقطة ارتكاز لهذا الفضاء التواصلي الذي يتمدد وينفتح على الكرة الأرضية بكامل أقطارها.
وفي هذا السياق الباحث عن ماهية وملامح هذا التحول الجديد الذي ارتسم في حياة الإنسان المعاصر يرى الكثير من الباحثين مثل بيتر دراكر، ورودولف ستيشوي وميشيل كارتيي أن البشرية قد شهدت اليوم ميلاد نمط مجتمعي جديد هو "مجتمع المعرفة"، الذي يؤشر إلى لحظة انتقال وتحول جذريين.
بيد أن السؤال الذي يطرح هو هل معنى هذا أن المجتمعات القديمة لم تكن مجتمعات معرفة؟ هل معنى لفظ الانتقال هذا أن المعرفة لم تكن تشكل من قبل عنصرا مكونا في البناء المجتمعي؟