التذوق الفني
التذوق الفني
لقد سبق الإنسان في عصوره الأولى إنسان العصر في ممارسة الرسم والتصوير والنحت بحس ونقاء طبيعيين فالإنسان كان يتمتع بغريزته بملكة حسية أولية تدفعه لخلق شيء يتسم بالثبات والجمال 0
أما عن المشاهد الذي يتأمل عملا فنيا فسيستوقفه ويثيره ما فيه من قيم تشكيلية مميزة له أو بمعنى آخر ما فيه مما يجذبه 0
وهكذا نجد الاستمتاع التشكيلي الخالص لصورة ما سيقتصر على الخطوط والألوان والأشكال والاحجام التي يشتمل عليها العمل الفني وأول خطوة في طريق التذوق والتقدير الجمالي لأعمال الفن التشكيلي هو استرجاع العين فطرتها الأولى في سرعة الاندماج في موضوع ما بحثا عمل يستمتع به النظر وكان المشاهد مقدم على تجربة مباشرة بينه وبين الصورة 000 لأن المرء لا يمكنه ان يستمتع بالفن الأصيل وهو ومغمض العينين أو عاطيا له ظهره وإنما عندما يمكنه ان يتمتع بما فيه من خصائص شكلية وجمالية بانفتاح وتعاطف وكأنه في استقبال صديق او قريب حينئذ سيعبر موضوع العمل عن كوامنه من أسرار الجمال 0
والواقع ان أهمية الذوق تمكن فيما يؤدي إليه من إيجاد تغيير في حياتنا وبالتأكيد كلما ارتقى الإنسان في ذوقه كلما تقدم في سلم المدنية درجات وهو ما يمكن ان نسميه تطور المجتمع وتحضره لأن المجتمعات المتحضرة ترقي بأبنائها أولاٌ كي يتم الارتقاء بالذوق لدى أفراد المجتمع يجب أ,لا نشر الوعي بأهمية الفنون وكيف نتذوقها ودورها في تربية النشء والحقيقة أن هناك أجيالا من أبناء المجتمع لم تأخذ القدر الكافي من التوعية الفنية 0
كما أن الحاجات العاطفية الانفعالية تختص بالإنجاز والكفاءة والقدرة والمسئولية والشخصية والحاجات الاجتماعية ترتبط بالانتماء إلى الجماعة وتقدير الآخرين والتقدم في المجال المهني0
وأخيراٌ فإن الحاجات القيمية تتضمن النظام والمثل العليا والخلق 0 أيضا فإن الكثير من الدراسات السيكولوجية أوضحت أن مفهوم تكامل الشخصية باعتباره نوعا من التوازن والتوافق بين الاستعدادات والقدرات المتميز للفرد والتي تشكل في مجملها الصورة العامة للشخصية 0 وتعتبر ممارسة النشاط الفني الإبداعي والتذوق الفني جزءا هاما من هذا التكامل والهدف الأول للتربية هو تكوين الشخصية عن أي جانب آخر 0
سيكولوجية الوعي الجمالي والتذوق الفني
أهتم الناس بمسألة الوعي الجمالي والتذوق الفني وتنمية الحس الجمالي منذ العصور القديمة ، ولكن الدراسات التي تناولتها في الماضي لم تعطها المكانة اللائقة بها ، والقضية باتت في الآونة الأخيرة قضية أساسية من قضايا الدراسات الجمالية المهتمة بالفن فالجميع اليوم يتحدثون عن ضرورة الاهتمام بتنمية الحس الجمالي والارتقاء بالذوق لخلق بيئة جمالية ، وأيضا دراسة الأسس النفسية المتعلقة بالمشكلة ، ومن المعروف ان مستويات التذوق الفني تتوقف على عوامل عديدة منها : ثقافة المتذوق ، وقدرته على إدراك منظومة التفكير الفني للمبدع والاشتراك فيها وخصائصه النفسية والفيزيولوجية وظروف حياته 0 مشكلة التذوق الفني يتحدد أطرافها في الفن والجماهير من خلال جانبين ، الأول : كيف يمكن تغيير اتجاه الوعي في النظر إلى هذه الفنون ؟ وثانيا : كيف يمكن ان نصوغ من مجالات الفن المتعددة " رسم ، تصوير ، أدب ،شعر ، موسيقى ، مسرح ، زخرفة ، نحت 000الخ
والواقع ان تذوق الجمال ليس بالأمر الهين رغم أنه في متناول الجميع ، لأن مشاهدة هذا الجمال وتذوقه يحتاج إلى جهود متصلة تحرر الفرد من حصار وقائع الحياة اليومية الخاضعة للرغبات والمصالح ، ومن ضغط النظم الاجتماعية و التقاليد الموروثة , و من سطوة أساليب العلم الحديث حتى يتكشف للإنسان الجمال واضحا جليا , فإذا كان الأمر كذلك فما هو السبيل الذي يمكن الفرد من تذوق هذا الجمال.
لذلك فان دراسة الجانب النفسي لعملية التذوق الفني والحسي بالجمال من أصعب المسائل ، وذلك لأن الفرد المتذوق هو المجال الهام الذي يدور حوله صراع الأفكار الفنية، لذا فما من شيء يحدد درجة تطور المجتمع وتطور ثقافته مثل مستوى الوعي الجمالي والتذوق الفني 0 ويتحدد الإطار النظري لهذه القضية في مسألة تذوق الفن وتنمية الحس الجمالي بوصفهما حلقة من الظاهرة الثقافية المتشابكة الأطراف ، كما أن هذه المسألة يجب دراستها بمشاركة إيجابية من المعرفة الإنسانية والعلوم الطبيعية والرياضية المتعددة ومنها علم الجمال ونظريات الفن وعلم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم الآثار وعلم النفس ، والواقع أن الحديث عن الجانب النفسي والذي يمثل العالم الداخلي للإنسان وصلته بالوعي الجمالي والتذوق الفني لم ينقطع على مر الأزمنة التاريخية ، ولكن الذي أعطي هذا الجانب معناه الكامل وحدد معالمه على نحو منهجي منظم ومحدد المفاهيم والمصطلحات المتعلقة به وشرح طريقة علم الدوافع الداخلية وأحدث الثورة الحديثة في صلة التذوق الفني بالنفس الإنسانية هو عالم النفس " فرويد Fruad " ثم من سار على الدرب من بعده ، والجدير بالذكر أن أفكار " فرويد" هي التي جعلت من الحديث عن الجانب النفسي " السيكولوجي " في الوعي الجمالي والتذوق الفني أمرا ممكنا ، كما جعلت منه منهجا له حدود وطرق للبرهنة عليه ، وله أدواته المعرفية في التحليل والتعليل ، كما أن هذه الأفكار قد ساعدت على إحكام الصلة بين النظرية السيكولوجية والفن مما انعكس أثره على إنتاج الكثير من فناني الاتجاه " السريالي " والذين جعلوا أسلوبهم الأساسي في التصوير ارتياد العالم الخفي " اللاشعور " من النفس البشرية 0
نستنتج مما سبق أن عملية التذوق الفني لا تحدث دفعة واحدة ، فعند قراءة العمل الفني ، ففي البداية يتعرف المتذوق علي العمل وأسلوبه الفني ، وغير ذلك من الأمور التي تدخل في قوام معرفة الإنسان لأية ظاهرة من ظواهر الحياة ، ثم ينفذ في المرحلة التالية إلى فكرة العمل وتتبلور أفكار المبدع في وعيه ، فالتذوق الرفيع المستوى يتطلب من المتذوق قدرة عالية على تجاوز النمطية السائدة في تلقي وتذوق الأعمال ، أن هذه القضية هامة جدا وضرورية نظريا وعمليا من أجل صياغة طرق ووسائل لزيادة فعالية الفن من خلال رفع مستوى الثقافة الفنية عند المتذوق 0
ومعالجة مسألة التذوق من منطق علمي يستند إلى فهم نظري صحيح للعلاقة بين الفن والواقع ، ان التفسيرات الخاطئة لهذه العلاقة لا تساعد في تحديد أسلوب التذوق ، فهو محدد بالضرورة بالواقع الموضوعي ويتأثر بعوامل كثيرة في حياة المتلقي ، والواقع الذي نعيش فيه ، وهذا يؤثر بدوره في إدراك المتذوق للحياة المصورة في العمل الفني ، إذ يقوم التثبت من صحتها بمقارنتها بتصوراته عن الحياة فيقبلها أو يرفضها فيرتبط بذلك تقويمه الجمالي والعاطفي للعمل الفني والحالة النفسية التي تتكون لدى الفرد على مدى حياته الطويلة هي المسئولة عن تشكيل كل تصرفاته واستجاباته تجاه تقدير وتذوق الفن ،
والحقيقة ان المسألة شائكة وليس من السهل تلقين التذوق الفني فهو يكتسب عن طريق الممارسة ويرتبط بالأشياء التي يعملها الإنسان ولا يمكن ان يكتسب كمادة مستقلة في معزل عن سائر الخبرات ، لذا فمن الضروري الاهتمام بالوعي الجمالي والتذوق الفني وتطور الفن بمعنى ان تكون التربية الجمالية مادة أساسية وضرورية في العملية التربوية بحيث يكون تذوق الفن والإحساس بالجمال قيمة تربوية يمكن من خلالها تجسيد الواقع وتفسيره والحكم عليه ، مما يؤدي إلى فهم العلاقات الجمالية بين الفن والواقع فهما صحيحا وهذه الوظيفة هي التي تحدد ضرورة تذوق الفن وحاجة الإنسان " مبدعا ومتذوقا " إليه 0 كما يمكن من خلاله تنمية الحس الجمالي والارتقاء بالذوق ، تنمية عادات الفهم الجمالي لأمور الحياة 0
الفن من الناحية الوجدانية أكثر تعبيرا عن الحقيقة من الواقع 0ولابد للمتذوق ان يدرك
أ- الموضوع الذي يتناوله العمل الفني ب-الخامة لمستخدمة في العمل الفني
ج- الحجم الذي يخرج عليه العمل الفني د- الزمن الذي يستغرقه الفنان في إيجاز العمل الفني
هـ- العصر الذي يوجد فيه العمل الفني و- أن يدرك المستمتع مدى التفرقة بين :
ز-التطور العلمي والتغير الفني ح-الفن الجميل والفن التطبيقي
ك- الإنتاج الفني اليدوي والإنتاج الفني الآلي
يندرج تذوق الجمال عامة والفن خاصة داخل ما يطلق عليه بالمكون التعبيري للسلوك وأي استجابة تصدر عن الإنسان تكون مشبعة بدرجة م من هذا المكون ويزداد تشبعها بها كلما كانت تلقائية دون مستوى الوعي ، غير قصدية 0 ومن أهم مميزاته أنه أكثر تعبيراٌ عن شخصية صاحبة ومن الصعب تزييفه 0 ومن أهم العلماء الذين حددوا خصائص هذا المكون التعبيري ( ابراهام ماسلو) 0 ويعتبر المكون التعبيري مجالا خصبا للتعرف على بناء الشخصية في سوائها وحيث بتفكك تماما السلوك الأدائي أو الهادف عند غير الأسوياء بينما السلوك التعبيري لا يمتد إليه التدهور وأن تشبعه بمتغيرات الشخصية يجعله أشبه بمرآة عاكسة لأي تدهور أو نمو في بناء الشخصية 0
وفي حديثه عن التذوق والإلزام ونهاية العمل الفني يشير Lucain karukowski إلى ان التذوق والإلتزام يعتبران من مصطلحات القيمة وأنهما عادة يوجدان في مجالات مختلفة لنظرية القيمة ، حيث يوجد في الجماليات ويوجد الثاني في الأخلاقيات 0
ثم يبين ان التذوق يرتبط بثلاثة مفاهيم أخرى يمثل ( الالتزام ) أحدهم ، أما الأثنين الباقيين فهما الموافقة أو الاستحسان ، والقابلية للتذوق ، وعن الذوق والموافقة يذكر انه عند التعامل مع الموافقة من خلال مفهومها الأخلاقي نجد أننا لنسا في حاجة إلى ان نتذوق ما نوافق عليه ، على الرغم من أننا عادة نوافق على الأشياء التي نتذوقها ، وعن التذوق والقابلية يذكر أننا نتذوق فقط ما نعتبره قابلا للتذوق ،ونحن لسنا في حاجة إلى تذوق جميع الأشياء التي نكتف أنها قابلة للتذوق ، وإذا كان أحد الأشياء قابلا للتذوق فنحن إذن أحرار في تحمل مسؤولية اعتباره جماليات على الرغم من أننا لسنا في حاجة إلى تذوقة 0
ويلاحظ أن المبادئ التي تحكم التذوق تتصف بالقيد والمرونة في آن واحد ، كما أنها عرضة للتغير مع مرور الوقت ، كما يلاحظ أن القوة المؤثرة وراء هذه التأثيرات ، قد تنشأ أساسا من التطورات التي تظهر داخل المجتمع المحيط بالمجال الفني 0 الفنانين ، الخبراء الفنيين ، والنقاد ، والمدرسين كما أنها قد تنشأ بسبب التغيرات السياسة والاجتماعية الأوسع نطاقاٌ 0
ويمكن النظر إلى ظاهرة التذوق الفني كظاهرة سلوكية إنسانية صاحبت الإنسان في عصوره المختلفة كما تؤكد الشواهد التاريخية والواقع الذي نعيشه وذلك منذ أن بدأ يتعامل مع خامات وأدوات الفن التشكيلي سواء كان محاولا السعي ( للبحث عن الجمال والإحساس بالمتعة الفنية أو الجمالية غير المرتبطة بحل مشكلة أو منفعة على مستوى الوعي ) 0 أو كان يحاول التعبير عن بعض المعاني أو الأفكار ، إلى هذا العصر الذي نعيشه 0