التفاهم المشترك
من
أجل التفاهم المشترك وجو أسرى صحى
لأجل
أن نصل إلى تفاهم مشترك وجو أسريّ صحِّي يسوده الاحترام والمحبّة والتعاون ، لا بدّ لنا أيضاً
كآباء وكأبناء أن نتعرّف على مظاهر الاختلاف بين الجيلين، لكي يفهم كلّ جيل
طبيعة الجيل الآخر، لا أن ينتقده أو ينتقص من قدره أو يهزأ ويسـخر منه ، وإنّما ليُدرِك
الفوارق الطبيعية لكلِّ مرحلة من مراحل العمر، فلا يعدّ شيئاً منها منقصة .
وقد
ذكر بعض الباحثين العديد من الفوارق ، ومنها :
ـ
الشبّان يطمحون إلى الجديد ، فيما الكبار يرفضون الجديد ويألفون القديم .
ـ
الشبّان يعيشون الروح الثورية المغامرة من جرأة وتهوّر واندفاع ، فيما تسيطر على الكبار الألفة للعادات
والتقاليد ، أي أ نّهم محافظون محتاطون .
ـ
الشبّان ـ في الغالِب ـ خياليون نظريّون ، والكبار ـ في العادة ـ نظاميون وعمليون بدرجة أكبر .
ـ
الشبّان ـ في الأعم الأغلب ـ متفائلون ، والكبار ـ بشكل عام ـ يعتقدون بالجدّ والسّعي ـ الشبّان متسرِّعون
، والكبار يتريّثون .
ـ
الشبّان يستغرقون في المستقبل ، والكبار يستغرقون في الماضي .
ـ تجارب الشبّان ـ عادة
ـ قليلة ، وتجارب الكبار ـ في العادة ـ كثيرة .
ـ
الشبّان يسعون
إلى أن تنسجم البيئةُ معهم ، والكبار ينسجمون مع البيئة .
ولكن
هذه الفـوارق
ليست نهائيـة ، ولا هي خاصّة بجيل دون جيل ، فقد تجد شبّاناً متريِّثين ، وقد تجد كباراً
متسرِّعين ، وقد تجد كباراً طموحين وشبّاناً لا يعيشون التطلّع والطموح ، فالأمر
يرجع إلى تربية كلّ شخص وخلفيّته الثقافية وتجاربه التي عاشها . فهي فوارق يُنظَر
إليها في الاطار العام وليس على المستوى الفردي لكل شخص .
والأمر
المهم في معرفة هذه الفوارق أو الاختلافات الطبيعية أ نّها تخفِّف من حملات الهجوم التي
يشنّها كلّ جيل ضدّ الجيل الآخر ، فكما أنّ على الأب الكبير أن يُقدِّر احترام
الشبّان للجديد ، فعلى هؤلاء أيضاً أن يُقدِّروا احترام الكبار للقديم ، ذلك أنّ
طبيعة الأشياء تفرض أنْ ليس هناك مطلقٌ في أفضليّة الجديد على القديم ، ولا القديم
على الجديد ، فلكلٍّ إيجابياته ولكلٍّ سلبيّاته ، والعاقل ـ في الشبّان وفي الكبار ـ
الذي يأخذ من الأشياء أحسنها ومعرفة الفوارق تتطلّب أيضاً معرفة الوضع النفسي لكلِّ جيل ، فالشاب متسرِّع لأنّ
دماء الشباب تفور في جسده ، وهو يريد أن يصل إلى مُبتغاه بأقصى سرعة ، وربّما
يُفكِّر بطيِّ المراحل أحياناً ، وهذا الأمر ليس سلبياً دائماً ولا إيجابياً دائماً ،
فقد تحتاج بعض المراحل
إلى حرق وتجاوز السّير السلحفاتي في قطع المسافات ، خاصّة مع توافر الإرادة والجدِّية والرّوح
المثابرة والاستعداد النفسي لاختصار المسافة ، كما في ضغط بعض المراحل الدراسية .
أمّا
القفز على السلّم وعدم التفكير بعواقب الاُمور وعدم طبخها على نار هادئة ، فقد يجعل الصّدمة في بعض الأحيان كبيرة .
أمّا
الأب الكبير
في السنّ ، فقد يعيش الهدوء والتريّث والصّبر ، وربّما التردّد ليس من جهة وضعه الصحِّي فقط ،
بل نتيجة لما عاشه من بعض التجارب والصّدمات ، وربّما تقديره أنّ اللّهاث خلف بعض الرّغبات قد يمكّن من إدراكها ، لكن ذلك
سيكون على حساب أمور أكثر أهمية ، وما إلى ذلك .
فليس
في تسرّع الشباب عيب إلاّ إذا كان قفزاً على السلّم ، ولا في تريّث الكبار عيب لا سيّما إذا كان زهداً في
بعض مطامح الحياة الدّنيا . ولذا لا بدّ للجيـلين من أن يتّفقا أو يتوافقا على
أنّ في كلّ مرحلة حسنات وسيِّئات ، وأنّ الأجـيال تتكامل ، والحـياة تحتاج إلى
كلّ الجيل الشابّ ، وإلى كلّ الجيل المسنّ ، لأنّ طبيعتها تفرض أن يجتمع ( الحار )
و ( البارد ) في أسلاك الكهرباء حتى يتدفّق النور .
ولقد
أجرى أحد الباحثين العاملين في السلك التربوي حواراً بين (الجذور) في الشجرة وبين ( الأغصان)،
ممثِّلاً للآباء والأجداد بالجذور ، وللأبناء والأحفاد بالأغصان ، فكان الحوار في
البداية يعكس تشبّث الجذور بقيمتها وقيمها ، وتمسّك الأغصان بخصالها وخصائصها .
ومن
النقد الذي وجّهته الأغصان للجذور أ نّها تعيش تحت التربة وتقبع في الظّلام ،
بينما هي تعيش في النور وفي الهواء الطّلِق ، وكان الجواب الحكيم للجذور أنّ غذاء تلك
الأغصان يأتي عن طريقها ( أي من الجذور ) ، كما أنّ الجذور تبقى حيّة بما
تستمدّه الأغصان من ضوء الشمس والهـواء النقي ، فهما (نسغٌ صاعد ) و (نسغٌ نازِل ) ،
ولا يمكن للشجرة أن تقوم إلاّ بهما معاً .
وهكذا
هي شجرة الحياة لا تقوم ولا تستوي على جذعها إلاّ بالآباء والأجداد وبالأبناء والأحفاد ، فلو دام التواصل بين
الجيلين لتجاوزَ الشبّان الكثير من اضطرابات مرحلتهم ، ولاغتنى الآباء بالدماء
الجديدة الشابّة التي تُحرِّك حياتهم في تلمّس نبض العصر وإيقاعه .