التكنولوجيا تاريخيا :
التكنولوجيا تاريخيا :
من أكثر الألفاظ استخداما في يومنا هذا – حتى من قبل المواطن العادي- لفظ "التكنولوجيا". ويبدو أنه بقدر ما يزداد الغموض واللبس اللذين تكتنفانه. فقد اكتسب لفظ "التكنــولوجيا" الكثير من المطـــاطية وأصبح يعني أشياء مختلفــة – بل في أحيــان كثيرة, متناقضة-حسب مستخدم اللفظ المذكور. كما اكتسبت كلمة "تكنولوجيا" قوة ميتا فيزيقية وسحرية متزايدة. (2) ص11-12
و تشتق كلمة Technology من اللغة اللاتينية, حيث تتكون من مقطعين techno و تعنى الفن أو الحرفة أو تقني و logia و تعني الدراسة أو العلم.
فمصطلح التقنية يعنى التطبيقات العلمية للعلم و المعرفة في جميع المجالات.(3)
وتعرف إجرائيا بأنها استخدام الآلات والأدوات والمعدات الكبيرة والصغيرة من قبل الفرد أو الجماعة أو المجتمع في ميدان العمل وذلك بتحويل الأفكار والمفاهيم النظرية إلى ميدان تطبيقي لغرض زيادة الإنتاج والإنتاجية والجودة معتمدة على البحث العلمي وميادينه النظرية والتطبيقية بقصد رفاهية المجتمع وتطوره.(4)ص6
و مهما يكن تعريف التكنولوجيا الذي سنأخذ به, فإنه من الواضح أن الآثار التي تخلقها التكنولوجيا تصل في يومنا هذا إلى شتى مجالات الحياة, بما في ذلك قيمنا وحياتنا الخاصة الحميمة, سواء أتت هذه الآثار بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي حين يرى البعض في التكنولوجيا الحديثة تتويجاً باهراً لنجاح العقل البشري في السيطرة على الطبيعة وتطويعها لمصلحة الإنسان والبشرية, نجد أن البعض الآخر يرى في نفس التكنولوجيا شبحاً مخيفاً يهددُ البيئةَ بالتلوثِ والخراب, والإنسانية بالدمار(الحرب الذرية, الكيماوية....الخ), والحياة الخاصة بالاختفاء.(2) ص11-12
وتاريخ التكنولوجيا يبين أن التدرج في هذا المجال كان أكثر من أي مجال آخر, فسيطرة الإنسان على الطبيعة وتطوير التكنولوجيا المساعدة على ذلك تحققت بشكل تدريجي ومتعرج وهكذا يبدو أن "الإنسانية صعدت سلم الحضارة درجة درجة".
فقد كان الإنسان الأول واقعيا, وبراغماتيا,. وفي معركته من أجل البقاء والارتقاء أخذ يستخدم الخامات المتاحة له لصنع الأدوات التي تزيده قوةً وإنتاجية, فاستخدم الحجارة- وبالأخص الصوان- والعظام والخشب ليكون ما في جعبتهِ الأولى من التكنولوجيا.
وإكتشاف الإنسان للنار دون غيره من المخلوقات يبرهن على مقدرة الإنسان الفريدة في استغلال كل ما حوله, وهكذا تطور الإنسان ببطء في استخدام كل ما يحيط به فصنع أدوات الزراعة والسلاح ثم التعدين ثم العربات ذات الدواليب المعدنية وهلم جراً. وإن كانت التطورات التكنولوجية الأولى من نصيب الحضارات الأسيوية (بما فيها حضارة وادي النيل), وإذا كان التفكير العلمي المنظم قد ابتدعه الإغريق , فقد كان على العرب في المرحلة التالية أن يستفيدوا من انجازات الشرق العملية وانجازات الإغريق النظرية ليتوصلوا إلى"أول زواج" بين العلم والتكنولوجيا, إذا جاز التعبير, بحيث لم يعد الفصل جائزا بين التفكير النظري والتطبيقات العملية. فقد كان العلماء العرب العظام بين التأملات النظرية والتطبيقات المختبرية وقسموا عملهم بين هذين النشاطين.(2)ص18
لكن نتيجة للتفكك الداخلي والحروب الأهلية وهجمات التتار والمغول والأتراك والصليبيين كلها اتحدت في وقتٍ واحدٍ لانتزاع الشعلةٍ الحضاريةٍ من أيدي العرب إلى الأيدي الأوروبية وهنا أهّل القدر ظروفا موضوعية مواتية للنهضة الأوربية – وبالأخص في مجال العلم والتكنولوجيا- فمنذ الحروب الصليبية بدأ الاتجاه نحو تعظيم العقل عند الإنسان وقدرته على الإبداع , فقد استطاعت الأزمات السياسية والدينية والنزوات وتفشي الأمراض أن تلحق أضرارا كبيرة بسكان أوروبا في نهاية القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر, لكن يبدو أنه كانت صدفة عجيبة, فان هبوط السكان في أوروبا, وانخفاض الأيدي العاملة المتاحة, ساهما في تسريع بروز عصر الآلة.(2) ص18-19
ثم ظهرت الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر ثم أتت "ثورة العلم والتكنولوجيا" منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ليس لتربط التكنولوجيا بالعلم على أوثق ما يكون, وإنما لتحدث تغييرات جذرية في البيئة الطبيعية والاجتماعية, تغييرات لم يعرفها المجتمع البشري منذ نشأته والتي أدت إلى اهتزاز الأسس التي كانت تتشكل عليها ثروات الأمم ودور الفرد في المجتمع, كما بدأت تختل القوانين الطبيعية للبيئة, ومن الواضح أننا نلمح هنا إلى التطورات في مجال الطاقة, وفي مجال "الثورة الخضراء " والى "الثورة البيولوجية" التي أدت إلى التلاعب بأنواع وسلالات الحبوب والحيوانات والبشر. كما نلمّح إلى"ثورة المعلومات" التي جسّدها اختراع الحاسب الالكتروني.(2)ص22-23 ثم ظهور الشبكة العالمية المعلوماتية(الإنترنت