الحضارة الإسلامية
الحضارة الإسلامية وأثرها في الحياة الاقتصادية والفنون في الغرب
كان للحضارة الإسلامية أثرها البالغ في مختلف الجوانب ولعل منها الجانب الاقتصادي الذي يشكل قطاعا هاما من قطاعات التعاملات، فبدايةً بالزراعة تلك التي أخذت من العناية الشيء الكثير لكونها تزدهر في الحكومات القوية التي تعمل على توفير مياه الري واستصلاح الأراضي وتيسير نقل المحاصيل.
الدولة الإسلامية إشتهرت بزراعة الحبوب والفواكه والقطن والأزهاروالخضروات والنباتات المختلفة التي تُعد مصدراً للأدوية والعقاقير، وقد أدخل العرب تحسينات كثيرة على طرق الحرث والغرس والري، وهذا ماجعل الأندلس مثلاً في عهدهم (جنة الدنيا) ومن هنا نقل الأوروبيون الكثير من الزراعات وطرق الري إلى أوروبا واهتموا بها ليحظوا بمثل ذلك التطور الزراعي الإسلامي ولذلك كان التاثير واضحاً هنا من خلال هذا النقل والتقليد.
أما في المجال الصناعي فقد مارس المسلمون كثيراً من الصناعات ومن أهمها (العمارة) التي ترك المسلمون فيها آثارا كثيرة من العمائر الإسلامية التي بقيت شاهداً من مساجد ومدارس وقلاع وحصون وقصور وأسواق وأسوار ومدن وأربطة ومساكن وغيرها الكثير، إضافةً إلى ذلك قام المسلمون في هذا الصدد بشق الطرق وتعبيدها وكذلك شق القنوات وتشييد القناطر. وتتميز العمارة الإسلامية بميزات خاصة كالمآذن والقباب والعقود والأعمدة والمحاريب، ولعل من أهم العناصر المعمارية الإسلامية (المقرنصات) وهي أشكال زخرفية على شكل محاريب صغيرة وتتم زخرفتها بالخشب والمعدن. كما اهتم المسلمون أيضاً بصناعة النسيج التي ارتقت وتقدمت في العصر العباسي ذلك العصر الذي اشتهر بمعظم تلك الفنون المعمارية الإسلامية حيث وُجدت أنوال للنسيج تُشرف عليها الدولة، وكان يُطلق عليها اسم الطراز، حيث كان أهم مركز لها دمياط والأسكندرية والفيوم بمصر كما كان القطن والكتان يُنسجان من مراكز الصناعة المصرية آنذاك.
وتأتي أيضاً هنا صناعة هامة وهي صناعة الزجاج وصناعة الفخار والخزف حيث ازدهرت في العالم الإسلامي إزدهاراً كبيراً وأشتهرت صنعاة السيوف والرماح والخناجر والدروع والتروس وغيرها وكذلك صناعة الحلي بمختلف أشكالها. وقد عُني المسلمون بضرب النقود وسكها من الذهب والفضة والنحاس في العملة الرئيسية كالدينار من الذهب والدرهم من الفضة.
أما في مجال الأخشاب فقد اشتهر المسلمون بصناعة الخشب المطعم بالعاج والزجاج والبلور الصخري كالمصابيح وصناعة الجلود وصناعة السجاد والورق والحرير. وعندما إتسعت التجارة في الدولة الإسلامية، فقد حدث ازدياد مطرد في النجارة خصوصاً في الدولة العباسية سواءً في التجارة الخارجية أو الداخلية.
اما في التجارة الخارجية كان للعالم الإسلامي علاقات تجارية واسعة مع غرب أوروبا وشمالها ومع الشرق الاقصى ومع القارة الإفريقية حيث كانت العلاقات التجارية مع القارة مع غرب أوروبا تعتمد على تصدير الرقيق إلى العالم الإسلامي، وكان الرقيق يُجلب إلى الموانئ الفرنسية ثم يُحمل منها إلى العالم الإسلامي.
وقد ظل التبادل التجاري مستمراً بين العالم الإسلامي وبين الدولة البيزنطية وكذلك مع شمال أوروبا، لأنه من المعروف أن الدول الإسكندنافية تُصدر (الفراء) إلى العالم الإسلامي، كما كان العالم الإسلامي يقوم باستيراد الحرير من الصين وكذلك الفيلة والتوابل والأخشاب من الهند، وكانت القارة الإفريقية تُصدر الذهب والعاج والأبنوس إلى العالم الإسلامي.
وعن التجارة الداخلية فقد كانت تعتمد في انتقالها على الطرق البرية والطرق المائية والممرات المختلفة من أنهار وقنوات وبحار، ومن الملاحظ هنا أن العرب قد اهتموا بالطرق كوسيلة للمواصلات ونقل المتاجر وسير القوافل فأهتموا بتزويدها بالقصور أو منازل الاستراحات وحفروا كذلك الآبار والعيون لإمداد المسافرين بالمياه اللازمة، ولاشك أن العناية بالطرق من قبل المسلمين من الواجبات الدينية لاستخدامها في الحج إلى بيت الله وزيارة المسجد النبوي الشريف.
ولعل الحضارة الإسلامية بتأثيراتها تلك، قد كان لها أيضاً أثر واضح من خلال الفنون الإسلامية المختلفة، التي نشأت من خلال محورين هامين هما: المسجد والمصحف الشريف، فالمسجد قد اهتم به المسلمون اهتماماً بالغاً من حيث بنائه، بل من حيث الفن المعماري له والزخرفة والعناية بأثاثة والرغبة في تجميله، كما كان للمسلمين اهتمامهم البالغ بالمصحف من خلال الخط وتذهيبه وتجميله وتجليده.
وهذان الأثنان ظلا عاملي توحيد في الفنون الإسلامية التي استوحت روح الإسلام وتعاليمه، وتأثر الفن الإسلامي بالرغبة في تجميل الحياة، فقد بلغ الفن الإسلامي في الزخارف الهندسية مرتبة عظيمة.
وفي مصر وُجد الفن الفاطمي ثم الطراز الأيوبي والمملوكي كما في الأندلس وُجد الطراز الأموي الغربي وفي المشرق الإسلامي حل الفن السلجوقي وقام في إيران الطراز المغولي ثم الصفي وفي الهند طراز إسلامي وآسيا الصغرى طراز آخر.
وهنا نجد أن الفن الأوروبي قد أعتمد في نشأته على الفن الإسلامي مثل الفن القوطي حيث أنه كامن لمجيء الحجاج الأوروبين إلى فلسطين أثر كبير في تبادل العناصر الفنية بين العالم الإسلامي وأوروبا، وقد
ازدهرت في العالم الإسلامي فنون عدة منها الخط العربي أو الكتابة العربية التي تطورت كثيراً بعد ظهور الإسلام وأصبحت هناك أشكال كثيرة من الخطوط لعل من أهمها الخط الكوفي وخط النسخ والخط الفارسي والخط الهمايوني وخط الثلث والديواني والرقعة.
وقد كان للعرب أيضاً فضلٌ على الغرب الأوروبي في الفنون الحسية مثل الموسيقى التي تطورت بفضل علماء المسلمين من خلال السلم الموسيقي الذي اعترف علماء الموسيقى في الغرب بفضل العرب عليهم فيه وخاصةً المدرسة الموسيقية في بغداد، كما ازدهرت الموسيقى العربية في الأندلس فوفد الطلاب الأوروبيون إلى قرطبة حيث ترجموا كتابات العرب في علم الموسيقى إلى اللاتينية، أيضاً في هذا الصدد عرف الأوروبيون كثيراً من الآلات الموسيقية عن طريق مسلمي أسبانيا، وهنا ترك العرب بصماتهم الواضحة بوجود عدد من المصطلحات والأسماء الموسيقية التي نقلها العرب إلى لغات فمثلاً لفظ ((Guitar مأخوذة من قيثارة وكلمة (Ribik) مأخوذة من ربابة وكلمة (kanoon) مأخوذة من القانون وغيرها من الآلات المختلفة.
وعليه فإننا هنا نجد مدى ذلك التأثير الإسلامي للمسلمين على الغرب في شتى المجالات التي برع فيها المسلمون ونقلوها إلى الغرب وهذا بحد ذاته إنجاز سطره التاريخ للمسلمين.