الخزف ذو البريق ال
الخزف ذو البريق المعدني:
يعتبر الخزف ذو البريق المعدين من أحسن ما ابتكره المسلمون من أنواع الخزف قاطبة، وهو لم يكن معروفاً قبل الإسلام.
وقد فسر مؤرخوا الفنون انتشار هذا النوع من الخزف ذي البريق المعدني بأنه أغنى المسلمين عن الأواني الذهبية والفضية التي كان الفقهاء في الإسلام يكرهون استعمالها لما يدل عليه من ترف وإسراف، إذ يقول النبي عليه أفضل الصلاة وأزكي السلام "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة"، ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام "الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه من نار جهنم".
ولا ريب في أن هذه الكراهية لم تمنع صنع الأواني من الذهب والفضة منعاً تاماً، ولكنها شجعت المسلمين على الإقبال على الخزف ذي البريق المعدني وعلى الإبداع في تكفيت الأواني النحاسية بالذهب والفضة.
ويرجع السبب في ابتكار هذا النوع من الخزف إلى اهتداء الخزاف المسلم إلى مادة الطلاء الزجاجي المعتم ذي اللون الابيض Opaque & Cloudy بإضافة أوكسيد القصدير إلى السائل الزجاجي الشفاف الذي كان يستعمله من قبل، والواقع أن اهتداءه إلى التزجيج المعتم كان نقطة تحول في صناعة الخزف الإسلامية عامة، وهذا راجع إلى استفادة الخزاف المسلم من تجاربه التي قام بها عندما قلد الخزف البيزنطي ذي الزخارف البارزة (لوحة 57) وحاول أن يكسب الأواني المقلدة بريقاً اقرب ما يكون إلى بريق المعدن.
وقد عثر على هذا النوع من الخزف في كل من إيران والعراق ومصر، كما أن الحفائر التي أجريت في مدينته سوسة والقيروان وتونس أثبتت وجود هذا النوع من الخزف، و في الأندلس أيضاً، الأمر الذي جعل الكثير من مؤرخي الفنون يختلفون على الموطن الأصلي لصناعة هذا النوع من الخزف، وخرجوا بثلاث نظريات هي:
النظرية الأولى:
ويتزعمها العلماء الألمان وعلى رأسهم زرة Sarre وهرتزفيلد Herzfeld ونسبوا أصل موطنه إلى العراق ولاسيما سامرا على وجه الخصوص ودللوا على ذلك بالآتي:
أن معظم القطع الخزفية التي عثر عليها في سامرا قطع ممتازة وكاملة.
لقد عثر على قطع من البريق له بريق أرجواني (أحمر) لم يعثر على مثيل له في المناطق التي قيل أنها مصدر هذا النوع من الخزف (مصر وإيران).
إن الزخارف التي وجدت على هذا النوع عبارة عن زخارف نباتية محورة تحويراً كبيراً وتشبه الزخارف النباتية المحورة على الجص التي لم تظهر إلا في سامرا.
النظرية الثانية:
ويتزعمها العلماء الفرنسيون وعلى رأسهم لام Lamm ونسبوا أصل موطنه إلي إيران، ودللوا على ذلك بالآتي:
استمرار إيران في صناعة الخزف منذ أقدم العصور، وكان المروجة له في وائل العصر الإسلامي وذلك على الأقل في القرنين الأول والثاني الهجريين 7-8م.
عثر في مدينة ساوة على فرن خزفي وحوامل خزفية عليها مادة البريق المعدني وعلى قطع تالفة Wasters من الخزف ذي البريق المعدني.
عثر في إطلال المدن الإيرانية على قطع خزفية ذات بريق معدني عليها توقيعات لأسماء صناع إيرانيين.
النظرية الثالثة:
ويتزعمها العلماء الإنجليز وعلى رأسهم بتلر Butler والذي يؤكد أن أصل الخزف ذي البريق المعدني في مصر، ودلل على ذلك بأنه:
عثر على بعض القطع الخزفية عليها رسوم آدمية ذات سحنات قبطية.
عثر على بعض الخزف عليها رسوم السمك والعنب والطاووس التي تمثل مقاطع من اسم السيد المسيح باللغة القبطية، ولذا فإنه أرجع هذا النوع من الخزف إلى العصر القبطي.
وأثبتت الحفائر التي أجرتها بعثة مركز البحوث الإسلامية الأمريكية بالقاهرة بمدينة الفسطاط عام 1965 م بأن صناعة البريق المعدني كانت معروفة في مصر منذ منتصف القرن 2 هـ/ 8 م على أقل تقدير، حيث عثرت على كأس صغير من الزجاج مزخرف بمادة البريق المعدني العسلي وهو محفوظ بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، ويحمل اسم الأمير عبد الصمد بن علي والي مصر سنة 155 هـ، كما يحتفظ متحف الفن الإسلامي بالقاهرة أيضاً على قاع إناء من الزجاج عليه كتابة كوفية بسيطة بصيغة "مما عمل بطراز الفيلة بمصر سنة 163هـ".
وهذان المثالان يؤيدان نظرية بتلر Butler، ويؤكد أن نسبة أصل موطن صناعة البريق المعدني إلى مصر، حيث أنه لم يعثر في إيران أو العراق على مثال مؤرخ بتاريخ سابق عنهما لمعرفة مصر بطريقة الزخرفة بالبريق المعدني، وكل الآراء التي نسبت أصله إلى إيران والعراق اعتمدت على أدلة ترجيحية.
وخلاصة القول أن الخزف ذي البريق المعدني كان معروفاً في العالم الإسلامي كله منذ القرن 3هـ/ 9م على أقل تقدير، وعرف بصفة خاصة في مصر قبل ذلك بقرن من الزمان أي منذ بداية النصف الأول من القرن 2 هـ/ 8م.