العلاقة بين العل
العلاقة بين العلم والتكنولوجيا
ليست التكنولوجيا شيئاً مادياً ملموساً فهي نتائج تجسيد وتجميع المعارف والخبرات والمهارات البشرية في شكل وسائل للإنتاج يستخدمها الإنسان لصنع المنتجات أو لإنشاء وحدات تقوم بصناعة هذه المنتجات فهي التطبيق العملي على نطاق تجارى وصناعي للاكتشافات العلمية والاختراعات المختلفة التي يتمخض عنها البحث العلمي بهدف زيادة قدرات الإنسان على تحقيق أهدافه ، ونحن في القرن والواحد العشرين نعيش عصر الثورة التكنولوجية ، وأصبحت العلاقة بين العلم والتكنولوجيا علاقة وثيقة يصعب الفصل بينهما ، فالعلم لا يمكن أن يبقي جامداً ولكنه يتطور بتطور المجتمع وتغيير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وغيرها مما يكون له الأثر المباشر في تطور التكنولوجيا لتفي باحتياجات الطبقات المختلفة من المجتمع ، فالعلم يمدنا بالنظريات والمبادئ ، أما التكنولوجيا فهي تعمل علي تطبيق ما يمكن تطبيقه منها 0 ومن الجدير بالذكر أنه حتى منتصف القرن التاسع عشر كانت العلاقة بين العلم والتكنولوجيا علاقة بسيطة و الفترات التي شاهدت تقدما علمياً كبيراً لم تتوافق مع المراحل التي شاهدت تطوراً تكنولوجيا كبيراً ، وحتى ذلك الوقت فان التقدم التكنولوجي لم يرجع كثيراً إلي التقدم العلمي ، بل أن العلم كان مدينا للتكنولوجيا أكثر مما كانت هي مدينة له ، فمثلا كانت المغناطيسية معروفة كحقيقة علمية واستخدمت في صنع البوصلات لعدة قرون قبل أن يبدأ العلماء في دراسة الموضوع في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر 0 وأخذت العلاقة بين العلم والتكنولوجيا تزداد قوة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأصبح العلم يتقدم الطريق في بعض المجالات ، فمثلا بدايات صناعة الأدوية والأصباغ الصناعية كانت ترجع إلي الاختراعات السابقة في ميدان الكيمياء ، و صارت العلاقة بين العلم والتكنولوجيا في الوقت الحاضر في كثير من جوانبها علاقة تبادلية ، بمعنى أن كل ما يحرزه العلم النظري من تقدم يتمثل بسرعة في اختراعات تكنولوجية جديدة ،وأن هذه الاختراعات تساعد بالتالي في تقدم العلم ، وقد أقتصر وجود التكنولوجيا في الماضي علي عدد قليل من المناطق ، علي عكس ما هي عليه في الوقت الحاضر حيث تنتشر في كل مكان يعيش فيه الإنسان ويرجع ذلك الانتشار إلي ما أحرزته وسائل النقل والاتصال من تطور وتقدم ، وقد أدي التحسن في تلك الوسائل إلى زيادة الاحتكاك الثقافي بين الشعوب ، وبالتالي إحداث تغيرات جذرية يمكن ملاحظتها بكل سهولة ،فنري اليوم كثيراً من الشعوب التي يطلق عليها شعوب العالم الثالث أو الدول النامية ، تنتج أحدث أنواع الأسلحة المعقدة والمنتجات الصناعية الدقيقة باستخدام أحدث تكنولوجيا ، بل وتستخدم في سبيل ذلك المفاعلات النووية ، بعدما كان ذلك قاصرا علي الدول المتقدمة فقط . و القدرة التكنولوجية لأي مجتمع قد أصبحت القدرة الحقيقية التي تفوق الموارد الطبيعة و الموارد البشرية فينبغي لأي مجتمع تنمية قدرته التكنولوجية الذاتية و اتخاذ عمليات إجرائية تتمثل في نقل التكنولوجيا من الخارج ، وليس من الخطأ نقل التكنولوجيا من بلد إلي أخرى ولكن الخطأ يتوقف علي طبيعة النقل هل هو حقيقي أم غير حقيقي ويتوقف النقل الحقيقي علي القدرة علي استيعاب هذه التكنولوجيا وتطويرها، فالتكنولوجيا تطور نفسها بترابط الابتكارات والاختراعات ، وبالتالي فإن اكتشاف شيء جديد عادة ما يساهم في حل مشاكل أخرى كان من الصعب حلها بدون دمج التكنولوجيا الجديدة مع التكنولوجيا الأخرى وتكوين تكنولوجيا متكاملة تمثل آفاقا جديدة ،و معدل التطور الحالي في التكنولوجيا أعلي بكثير مما كان عليه في الماضي مما يشير إلي أن حجم الابتكارات والاختراعات سيكون أكبر بكثير و أن تكنولوجيا اليوم لن تكون تكنولوجيا الغد أو المستقبل القريب ، لذا يواجه المهتمين بدراسة التكنولوجيا مشكلة تقييم تأثيرها والتنبؤ بتطورها ومما يزيد المشكلة صعوبة هو أنه لا يوجد نمط أو نظام تقليدي متعارف عليه في تطور التكنولوجيا.
د/غالية الشناوي