العمارة العباسية
الطراز العباسي.
تميز طراز العمائر العباسية في أقطار
العالم الإسلامي، بخصائص فنية متعددة كان من ورائها انتقال الخلافة من الشام إلى
العراق، وما ترتَّب على ذلك من ظهور تأثيرات بيئية وفنية جديدة كانت منتشرة في
العراق إبان انتقال مركز الخلافة إليها. من تلك التأثيرات الفنون الفارسية وفنون
بلاد الرافدين التي كانت شائعة بمنطقة دجلة والفرات، كما ظهرت ملامح التأثير
القديم في العمائر العباسية من خلال استخدام المعمار العباسي اللَّبِن والآجر في
بناء منشآته المعمارية، كذلك انتشر في الطراز العباسي استخدام الجص في تكسية
واجهات المباني.
أما أهم العناصر المعمارية التي كانت شائعة في الطراز المعماري العباسي، فنجدها في الأكتاف
والدعائم التي استخدمها المعمار العباسي بكثرة في عمائره عوضًا عن الأعمدة. كذلك
شاع استخدام التغطيات المقببة والمعقودة إلى جانب استخدام السقوف المستوية
المحمولة على الأكتاف والدعامات المستطيلة. كما شاع في الطراز العباسي استخدام
الأواوين والأبواب المعقودة والأسوار الضخمة المدعمة بأبراج، والعقود المتنوعة
الأشكال منها المدبَّب والمنكسر المعروف بالفارسي والعقد المفصص، إلى جانب استخدام
المحاريب المسطحة والمجوفة.
كما تميزت المآذن العباسية بأشكالها
المخروطية وانفصالها عن كتلة المسجد والصعود إليها بسلم يلتف حول بنائها من الخارج
على شكل حلزوني. وقد وصف المستشرقون هذا الطراز من المآذن بأنه مقتبس من المعابد
القديمة في العراق والمعروفة باسم الزقورات. ومن
أشهر مآذن المساجد العباسية مئذنة جامع سامراء وجامع أبي دُلف بالعراق ومئذنة جامع
أحمد بن طولون بمصر. وقد اشتهرت تلك المآذن في الآثار الإسلامية باسم الملوية.
أما العناصر الزخرفية التي شاع استخدامها في طراز العمائر العباسية، فنجدها في الأكسية
الجصية التي نُفذت بطريقة القالب على كافة واجهات العمائر العباسية من الداخل
والخارج، وكذلك على إطارات العقود وفتحات النوافذ والمداخل والمحاريب. وكذلك اتسمت
العمائر العباسية من مساجد وقصور بضخامتها وكبر مساحاتها وسعة أفنيتها. ومن أهم ما
خلفه لنا الطراز العباسي من عمارة المساجد ما نجده في المسجد الجامع بسامراء وجامع
أبي دلف بالعراق وجامع ابن طولون بمصر وجامع نايين في إيران. وتلك المساجد تمتاز
بعناصر معمارية وزخرفية متشابهة من حيث مادة البناء الآجرية وكذلك استخدام الدعائم
والأكتاف بدلاً من الأعمدة. كما أُحيطت تلك المساجد من الخارج من ثلاث جهات عدا
جهة القِبْلة بزيادة تُعد بمثابة حرم للمسجد.
أما العمائر المدنية في الطراز العباسي، فقد كشفت عنها أعمال التنقيب التي أجريت في المدن
العربية الإسلامية بالعراق. وقد ساعدت تلك الكشوف على التعرف بصورة جلية على تخطيط
تلك المدن. ومن أشهر العمائر المدنية في العصر العباسي مدينة بغداد التي أسّسها الخليفة أبوجعفر المنصور في عام 147هـ. وقد خُططت على هيئة
دائرية الشكل، واستُخدم في بنائها اللَّبِن والآجر. وكان للمدينة سوران خارجيان
بينهما مساحة فضاء مكشوفة عرفت بالفصيل. وكان
للمدينة أربعة أبواب رئيسية محورية هي باب الكوفة وباب البصرة وباب خراسان وباب
الشام. وبحق كانت مدينة بغداد تحفة معمارية تشهد على عظمة المعمار الإسلامي في تلك
الفترة.
ومن المدن العباسية التي حظيت بشهرة
واسعة في الحضارة الإسلامية مدينة سامراء التي شيدها الخليفة المعتصم في عام 221هـ، 835م، بعد أن ضاقت مدينة
بغداد بجنوده. ومن أشهر قصور سامراء قصر الجوسق الخاقاني، وقصر العاشق إلى جانب
كثرة البساتين والبحيرات والميادين، كما اشتهرت سامراء بشوارعها الفسيحة وخططها
المنتظمة.
وقد تجلّت عناصر العمارة العباسية في
قصور تلك المدن من حيث القباب المرتفعة والبوابات الضخمة والأواوين الواسعة،
والحدائق المسّورة.
كما وصلت إلينا من العمائر المدنية
في الطراز العباسي مجموعة قليلة من القصور التي تعود تواريخ إنشائها إلى تلك
الفترة. ومن أشهر تلك القصور قصر الأُخيضر الذي يقع جنوب مدينة كربلاء بالعراق.
وقصر بلكوارا الذي شُيّد في عهد الخليفة المتوكل جنوب مدينة سامراء.
ومن أشهر ما يميز عمائر الطراز
العباسي بناء الأضرحة، إذ يعود أقدم ضريح في العمارة العباسية إلى عهد الخليفة
العباسي المستنصر، وهو الضريح المعروف بقبة الصليبية التي تقع على الضفة الغربية
لنهر دجلة. وهي بناء مثمن التخطيط يتألف من مثمن خارجي داخله بناء مثمَّن الشكل
ضلعه أصغر من طول ضلع المثمن الخارجي. وهذا التخطيط يؤكد مرة أخرى على استمرار
التأثيرات المعمارية الأموية في طراز العمائر العباسية.