العمارة العثمانية
الطراز العثماني.
يمكن إيجاز خصائص العمائر في الطراز العثماني في مايلي:
امتازت العمائر العثمانية من حيث التخطيط في المباني الدينية وبخاصة المساجد بأنها استوحت في بادئ الأمر التخطيط التقليدي للمساجد التي شاع ظهورها في صدر الإسلام والتي تتكون من صحن أوسط وأربع ظلات أكبرها عمقًا واتساعًا ظلة القبْلة. ولكن هذا التخطيط لم يلق قبولاً، لأن مناخ منطقة الأناضول يمتاز بالبرودة والصقيع والثلوج. لذلك عمل المعمار المحلي على ابتكار تخطيط يتلاءم مع تلك العوامل المناخية الصعبة، فقام بحجب ظلة القِبْلة تمامًا وقام بتغطيتها بمجموعة من القباب أو بقبة كبيرة، كما أضاف المعمار العثماني لكتلة المدخل ظلة كبيرة غطيت بقباب ضخمة. والحقيقة أن المعمار العثماني استفاد من الطراز المعماري السلجوقي بشكل كبير وبخاصة في الفترة التي سبقت فتح القسطنطينية، حيث شهدت مساجد مدينة بورصة وأدرنه باستمرار التقاليد والخصائص المعمارية السلجوقية فيها. أما بعد فتح القسطنطينية، فقد تأثرت عمارة المساجد الكبرى ببناء كنيسة أيا صوفيا بعد أن أصبحت مسجدًا، إذ نرى هذا التأثير في مسجدي المحمدية ومسجد محمد الفاتح الذي شُيد بين عامي 867هـ ـ 873هـ، 1462 ـ 1468م، وكذلك مسجد السلطان بايزيد الثاني (906هـ، 1501م).
ولكن العصر الذهبي للعمارة العثمانية كان على يد المهندس المعماري النابغة سنان الذي يُنسب إليه العديد من المنشآت العثمانية في إسطنبول وخارجها. ولقد نجح هذا المعماريّ في أن يطبع عصره بطابع فني معماري له أساليبه المعمارية المتميزة. وتتجلى مراحل نشاطه في ثلاث عمائر تمثل نشأته الفنية في إسطنبول كان آخرها مسجد السلطان سليم (السليمية) في أدرنه. فنراه في المسجد الأول قد تأثر بمسجد المحمدية مع نجاحه في إكساب القبه الرئيسية طابعًا خاصًا يتميز بالرشاقة وجمال النِّسَب. أما المرحلة الثانية، فقد تأثر فيها بتخطيط أياصوفيا والبايزيدية عند بنائه لجامع السليمانية مع احتفاظه ببعض الابتكارات في بناء القبة وارتفاعها واتساع قطرها. أما المرحلة الأخيرة فيعبّر عنها جامع السليمية في أدرنه إذ أظـهر سنان عبقريته في إقامة القبة الضخمة على ثمانية أكتاف، وفي الإكثار من فتحات النوافذ من أجل تخفيف ضغط البناء. ولقد ترك المهندس سنان مدرسة كبيرة تخرج فيها أشهر المعماريين الذين نهجوا على منواله في بناء العمائر الدينية والمدنية.
وأهم ما كان يميز مساجد هذه المدرسة المعمارية أنها كانت تُبنى ضمن مجمعات معمارية كبيرة تذكرنا بنظام المجمعات التي ظهرت في مصر والشام في العصر المملوكي، وإن كان نظام المجمعات العثمانية يعرف باسم كلية حيث أصبح هذا الاسم يعبر عن مجمع إنشائي ضخم يضم مسجدًا ومدرسة وضريحًا وسبيلاً وبيمارستانا في وحدات مستقلة يربط بينها سور كبير. ويبدو أن هذا النظام قد تأثر به العثمانيون من الطراز المملوكي. كما تميزت مساجد العثمانيين بتعدد المآذن وبالتغطيات المقببة التي تعتمد على قبة رئيسية تغطي الجزء الأكبر من بيت الصلاة تحيط بها من الجوانب مجموعة قباب أو عقود معمارية. ويتقدم الجزء المغطى مساحة مكشوفة تعرف باسم حرم المسجد، وهي صحن أوسط مكشوف يحيط به أربعة أروقة مغطاة بقباب ضحلة، ويتصل هذا الحرم بالجزء المغطى من المسجد عن طريق مداخل، ويتوسط الحرم شاذروان للوضوء وتسبيل الماء.
أما العمائر المدنية في الطراز العثماني فكثيرة منها الخانات والبيمارستانات والأسبلة. فالخانات العثمانية، لم يكن تخطيطها المعماري يتبع تخطيط الخانات السلجوقية بل تطورت عمارتها عن الخانات المملوكية التي تتكون من صحن أوسط مكشوف تحيط به أروقة ذات عقود وتضم غرفًا وقاعات متطابقة. ومن أشهر الخانات العثمانية خان أسعد باشا في دمشق الذي يرجع إلى القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي.
الحمامات العثمانية اشتقت تخطيطاتها من الحمامات الكلاسيكية. ومن أشهر تلك الحمامات العثمانية حمام قابلجة في مدينة بروسة، ويرجع أقدم الحمامات العثمانية إلى القرن الرابع عشر الميلادي.
كذلك بالنسبة للقصور العثمانية في بروسة وفي أدرنه، لم يبق منها شيء؛ أما السراي القديمة في إسطنبول، فقد كانت منفصلة عن المدينة بسور من الحجر ذي أبراج وأبواب.
وتتألف الدور أو البيوت العثمانية من عدة طوابق يضم الطابق الأول منها غرف الاستقبال. أما الطوابق العليا فلأفراد الأسرة، ولكن بعض دور الأثرياء كانت تتكون من قسمين أساسيين أولهما قسم الاستقبال ويعرف بسلاملك، والثاني للحريم ويُعرف بـحرملك. وقد يضاف إليهما قسم ثالث ملاحق للخدم. وقد تأثرت زخارف تلك الدور بالمنازل المملوكية.
أما الأسبلة العثمانية، فقد عرفها العثمانيون وشيدوا منها العديد في إسطنبول وخارجها. وتأثر العثمانيون ببناء الأسبلة من المماليك في مصر والشام. وقد ميَّز المعمار الأسبلة العثمانية عن غيرها من الأسبلة المملوكية من حيث التخطيط المعماري والعناصر الزخرفية، حيث شُيِّدت من مسقط نصف دائري ذي واجهة مضلعة تشتمل على تجويفات تُوجت بمقرنصات وزخارف بارزة بعضها تأثر بفن الباروك الأوروبي. ومن أشهر الأسبلة العثمانية في إسطنبول سبيل السلطان أحمد الثالث، وفي مصر سبيل السيدة رقية وسبيل نفيسة البيضاء وسبيل محمد علي بمدينة القاهرة.
وامتازت العمائر في الطراز العثماني باستخدام البلاطات الخزفية في كسوة الجدران الداخلية، واختفى تمامًا استعمال الفسيفساء الخزفية التي عرفناها في العصر السلجوقي. وتميزت البلاطات الخزفية العثمانية بألوانها الزرقاء والخضراء والحمراء والمذهبة، وهو نوع مبتكر من البلاطات الخزفية متعددة الألوان، ومن أشهر أمثلتها عمائر مدينة بورصة.
وأخيرًا كان لاتصال العثمانيين بأوروبا أثر واضح في الطراز العثماني، إذ عرف طراز الباروك في تقوسات السقوف وبعض الزخارف النباتية في الأسبلة، ثم عُرف طراز أوروبي آخر يعرف بالروكوكو ينسب إلى فرنسا انتشر في العمائر العثمانية منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، وقد أقبل على هذا الطراز الفني الفنانون الأتراك وانتشر انتشارًا واسعًا في أعمالهم الفنية.
|